معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مصالح
21/02/2020

مصالح "إسرائيل" في افريقيا: أكثر من حضور عادي

سركيس أبوزيد

أولت "تل أبيب" في العقود الأخيرة اھتماما بالغا لتطوير العلاقات الإفريقية - الإسرائيلية، إلى حد أن السياسة الخارجية أضحى عنوانھا: "إسرائيل تعود إلى إفريقيا وإفريقيا تعود إلى إسرائيل". ونتج عن ذلك إقامة تمثيل دبلوماسي مع أكثر من 24 دولة إفريقية، بحسب الإعلام الإسرائيلي، أما منطلقاتھا فترجع إلى نظرية شد الأطراف على مصر والدول العربية، أي محاصرتھا من الدول الحدودية معھا وذات المصالح المؤثرة، ثم التغلغل فيھا.   

"الفتوحات" الإسرائيلية في إفريقيا، بلغت مرحلة متقدمة بعد زيارة الرئيس التشادي إدريس ديبي الى كيان العدو في 27 أيلول 2018. ورداً على ھذه الزيارة، قام رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياھو في وقت سابق بزيارة الى تشاد، حيث وُصفت بأنھا تاريخية لأنھا جاءت بعد قطيعة دامت أربعين سنة. لكن تقارير صحافية إسرائيلية أكدت أنه رغم قطع العلاقات بين الدولتين، استمر خبراء إسرائيليون في تدريب قوات في الجيش وأجھزة الأمن التشادية، منذ سنوات الثمانينيات، وذلك خلال الحرب الأھلية في تشاد، مما أثار عليھا غضبا في الولايات المتحدة وأوروبا، فخففتھا وصارت تلك علاقات ما بين الشركات الخاصة الإسرائيلية وبين الحكومة التشادية. وخلال الزيارة تلقى نتنياهو طلبا من الرئيس التشادي "ديبي إنتو" لتزويد بلاده بمساعدات في المجالين العسكري والأمني، مقابل استئناف العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل.

في السنوات الأخيرة، عاد نتنياھو ليعطي للعلاقات مع إفريقيا أھمية خاصة، بغرض تحقيق أھداف عدة، أھمھا: التعاون الأمني تحت شعار مكافحة الإرھاب والاستثمار الاقتصادي، أما أوجه الإفادة الأخرى التي ستعمل" إسرائيل" على استغلالھا، فتنبع من كون تشاد رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، وھذا المنصب سيمنحھا بالتأكيد قوة سياسية كفيلة بأن تساعد "إسرائيل" على أن تُقبل من جديد في المنظمة كعضو مراقب، بعدما كانت حصلت على وضعية عضو مراقب في منظمة الوحدة الإفريقية، وتمتعت بھذا الوضع حتى عام 2002، قبل أن تُحلّ المنظمة وتُستبدل بالاتحاد الإفريقي كإطار ناظم للعلاقات الإقليمية الإفريقية.

وهنا يبرز سؤال عن سبب الاحتفاء الإسرائيلي بديبي.

في 20 كانون الثاني الماضي حط نتنياھو في العاصمة التشادية أنجامينا، واستقبله الرئيس ديبي، حيث تم بحث سُبل انضمام الكيان الاسرائيلي إلى مقر القيادة الأميركية في إفريقيا "أفريكا كوماند" والتي تضم فرنسا وخمسة بلدان إفريقية ھي: بوركينافاسو، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، وتشاد، وذلك بھدف بناء مجموعة قوات خاصة عابرة للحدود يطلق عليھا اسم "جي 5" لمحاربة "الإرھاب الإسلامي".

يقع مقر قيادة المجموعة في مدينة سافارا بمالي، ويتم التخطيط لإقامة ثلاثة مقرات قيادة، واحد على المثلث الحدودي لمالي وبوركينافاسو والنيجر، واثنان في طور التشييد، وتعتبر تشاد أكبر المساھمين في المجموعة، حيث أبرم رئيسھا خلال زيارة نتنياھو، مجموعة اتفاقيات اقتصادية وعسكرية، تقدم بموجبھا "تل أبيب" الدعم الاستخباراتي والعسكري لمجموعة الخمسة مقابل زيادة العلاقات التجارية، ووفقا للاتفاقية، يلتزم الخبراء وعناصر الاستخبارات الإسرائيليون بتعقب ومحاربة ثلاث جماعات ھي: "بوكو حرام"، وتنظيما "القاعدة في المغرب"، و"داعش"، وتزويد دول المجموعة بالسلاح والمنظومات الاستخبارية لھذه الغاية.

 وإضافة إلى المصالح الاقتصادية والتجارية، تھدف "إسرائيل" من خلال تغلغلھا المتسارع في إفريقيا إلى قطع الطريق على طھران وخنقھا، والعمل على بتر ما تصفه تل أبيب وواشنطن بـ"أذرعھا العسكرية"، وتجفيف منابعھا المالية، حيث تُعتبر طهران وفقا للمراكز البحثية الأميركية التھديد الأكبر والأخطر على الكيان الصھيوني.

كما تبني"إسرائيل" أيضاً على العلاقات مع تشاد من أجل أن تكون خشبة قفز إلى السودان، على أمل أن يتاح لشركة الطيران "العال" الإسرائيلية عبور أجوائھا، وتقصير زمن الرحلات إلى أميركا اللاتينية. وهذا بالفعل ما حدث مؤخراً، حيث أتى الحدث الإقليمي ھذه المرة من أوغندا، وتمثل في "اللقاء المفاجأة" الذي عُقد بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياھو ورئيس "مجلس السيادة" السوداني الفريق عبد الفتاح البرھان، وھو الأول من نوعه كلقاء رسمي بعدما كان سرياً. وشكل مفاجأة لسببين:

- الأول: أن نتنياھو أطل برأسه من دولة عربية إفريقية وليس من دولة عربية خليجية.
- والثاني: أن ھذه الإطلالة من السودان جاءت في توقيت دقيق وسيئ مباشرة بعد الإعلان الأميركي عن "صفقة القرن"، ولذلك فإن ردة الفعل الفلسطينية جاءت غاضبة واعتُبر اللقاء بمثابة طعنة في ظھر الشعب الفلسطيني وقضيته.

ونسبت صحيفة "واشنطن بوست" إلى مسؤول عسكري سوداني رفيع المستوى، قوله إن لقاء البرھان ونتنياھو في أوغندا رتبته دولة الإمارات العربية المتحدة، بعلم المملكة العربية السعودية ومصر ودائرة ضيقة من كبار المسؤولين السودانيين.

وكان نظام الرئيس المعزول عمر البشير ناصب منذ مجيئه بانقلاب عسكري في عام 1989، العداء الظاھر لـ"إسرائيل"، لتوجھاته الآيديولوجية الإسلامية المتشددة، وانخرط في معسكر الدول المعادية للوجود الإسرائيلي في المنطقة. وظل ملف تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" حاضرا خلال المفاوضات الماراثونية التي جرت بين نظام الرئيس المعزول، والمخابرات الأميركية (CIA) في ملف مكافحة الإرھاب، بعد أحداث 11 أيلول 2001.

وتفيد معلومات موثوقة بأن من بين الشروط التي ظلت تضعھا الولايات المتحدة الأميركية على طاولة التفاوض مع الجانب السوداني، لرفع اسمه من قائمة الإرھاب وإنھاء العقوبات الاقتصادية، اتخاذ موقف إيجابي من "إسرائيل"، الذي لم يُقابل بالرفض من المفاوضين السودانيين. وإزاء الضغوط الأميركية المكثفة على النظام المعزول، وتزايد العزلة الدولية عليه، استجاب بقطع علاقاته مع إيران ووقف دعم حركة حماس، وھو موقف يصب في مصلحة "إسرائيل".

من الواضح أن نتنياھو سعى من وراء التقرّب من إفريقيا من خلال زياراته المكثفة لھا، إلى تغيير الموقف المعادي لـ"إسرائيل" في دول القارة السمراء والحصول على دعمھا في المحافل الدولية، والأھم محاصرة النفوذ الإيراني الذي حقق نجاحات كبيرة فيها. فالھجوم الدبلوماسي الإسرائيلي الواسع والنوعي باتجاه القارة الإفريقية يُنبئ بأن الدول الإفريقية ستتحول الى ساحة جديدة لاختراقات إسرائيلية أمنية وسياسية كبيرة، بعدما نجحت "إسرائيل" في تطبيع العلاقات وكسر جدار المقاطعة الإفريقية، وفي إيجاد موطئ قدم لھا في ھذه المنطقة الواسعة، وھو احتفاء إسرائيلي واضح بالعلاقات مع القارة السمراء ومنھا السودان التي تأتي بعد احتفاء مشابه بخطوات مماثلة قامت بھا دول عربية.

 

افريقيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل