معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الانتخابات الرئاسية الأميركية والاحتمالات المفتوحة
15/02/2020

الانتخابات الرئاسية الأميركية والاحتمالات المفتوحة

سركيس أبوزيد

مع اقتراب الانتخابات التمھيدية للحزبين الديمقراطي والجمھوري تزداد أجواء حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية سخونة. وفي حين لن تشھد تمھيديات الحزب الجمھوري اھتماما كبيرا، على اعتبار أن الرئيس ھو المرشح الرسمي للحزب، فإنھا على الجانب الديمقراطي حامية الوطيس مع وجود أكثر من عشرين مرشحا يتعين اختيار واحد منھم فقط.

 في المقابل، يواجه ترامب مجموعة من المرشحين الديمقراطيين تريد اقتلاعه من البيت الأبيض وحرمانه ولاية ثانية، تضم تنوّعًا غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة مع وجود عدد قياسي من النساء ومرشحي الأقليات. وأبرز ھؤلاء: جو بايدن، وھو السياسي الأكثر خبرة في السباق، كامالا ھاريس، وهي شخصية قيادية صاعدة ومرشحة للاضطلاع بدور سياسي على المستوى الوطني، بيرني ساندرز، اشتراكي ديمقراطي، يعارض حرب اليمن والتدخل فيھا بقيادة السعودية والحلول العسكرية، إليزابيث وارين، ناقدة شديدة لـ"وول ستريت" وأصحاب الثروات الكبرى، ويتضمن برنامجھا فرض ضريبة على أغنى 75 ألف مواطن أميركي، مايكل بينيت، يسلط الضوء على القضايا المتعلقة بالتعليم والمناخ والھجرة والصحة والأمن القومي.

ومؤخراً، ألقى ترامب خطاب "حالة الاتحاد" في جلسة مشتركة لمجلسي النواب والشيوخ. ھذا الخطاب شكل انطلاقة فعلية لحملته الانتخابية الرئاسية التي يخوضھا في ظل وضع شعبي جيد، بعدما أظھر أحدث استطلاع، أعده معھد "غالوب" أن ترامب نال نسبة 49% من التأييد، وھو أعلى مستوى يُسجله منذ وصوله الى البيت الأبيض. كما جاء الخطاب قبل ساعات من تصويت في مجلس الشيوخ في ختام محاكمة برلمانية لترامب بتھمتي إساءة استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، ھذه المحاكمة أوجدت انقساما في الطبقة السياسية وتوترا بين الحزبين الديمقراطي والجمھوري، ظھر في حفل إلقاء خطاب الاتحاد. فقد تجنّب ترامب مصافحة رئيسة مجلس النواب الأميركي الديمقراطية نانسي بيلوسي التي قامت بدورھا بتمزيق "خطاب الاتحاد" بعدما انتھى ترامب من إلقائه. وأھم النقاط التي تطرق إليھا، فھي:

- التشديد على ما أسماه "العودة الكبرى لأميركا" وعلى النجاح الاقتصادي الكبير للولايات المتحدة. وقال: "لقد نجحت استراتيجيتنا"، متحدثاً عن اتفاقاته التجارية الأخيرة مع الصين وكندا والمكسيك. وقال إن إدارته حققت منذ توليه الرئاسة عام 2016 إنجازات كثيرة. وبفضل سياسات إدارته أصبحت الولايات المتحدة مستقلة في قطاع الطاقة، وباتت المنتج الأول للنفط والغاز الطبيعي في العالم.

- تناول ملفات رئيسية بينھا تنمية الاقتصاد عن طريق خلق ملايين الوظائف، حيث أشار إلى أن معدلات البطالة في رئاسته ھبطت إلى أدنى مستوى، وتحدث عن خلق سبعة ملايين فرصة عمل.

- في مجال الأمن القومي، قال الرئيس الأميركي إن إدارته استثمرت 2.2 تريليون دولار في الجيش الأميركي، مضيفا أن حلفاء الولايات المتحدة باتوا يدفعون حصتھم في النفقات العسكرية.

- وفي ما يتعلق بمكافحة الھجرة، أشار ترامب إلى الجدار الذي تقيمه إدارته على الحدود مع المكسيك، وأشار إلى الانتھاء من تشييد 160 كيلومترا منه حتى الآن، وبخصوص المھاجرين أيضا، قال إن إدارته تسعى لتعديل القانون ليكون السماح بدخول المھاجر مشروطا بكفاءته، وإنه ينبغي عدم تمكين المھاجرين من الرعاية الصحية المجانية.

- تناول ترامب في خطابه أيضاً قضايا خارجية مختلفة، ولم يركز على السياسة الخارجية. تطرق بشكل سريع الى "صفقة القرن"، والى مواجھته مع إيران التي قال إن "عليھا أن تتخلى عن سعيھا الى امتلاك السلاح النووي"، وتباهى بجريمة قتل الشهيد الفريق قاسم سليماني بأوامر منه، وقال: "بسبب العقوبات القوية التي فرضناھا، فإن أداء الاقتصاد الإيراني سيئ للغاية".

كما أكد ترامب عزمه على إعادة الجنود الأميركيين من أفغانستان وإنھاء أطول حرب أميركية، وركز ترامب على فنزويلا، مؤكدا أنه سيتم "تحطيم" الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وتعھّد بأن يكون خصمه غوايدو الرئيس القادم لفنزويلا، وفق تعبيره.

 ترامب قطع أكثر من نصف المسافة في معركته الرئاسية المقبلة، وعزز فرصه بالبقاء البيت الأبيض رئيسا لولاية ثانية، بعدما كسب جولة "محاكمة العزل"، وأفلت من كمين أعدّه له الحزب الديمقراطي، فقد فشل الديمقراطيون في محاولة الانقلاب السياسي عبر طرق "قضائية" حيث برأ مجلس الشيوخ ترامب من تھمتي عرقلة الكونغرس واستغلال السلطة في ختام محاكمة يصعب وصفھا بـ"التاريخية"، سعى من خلالھا الديمقراطيون لعزله فيما تكاتف الجمھوريون لتبرئته. ووفقا للدستور الأميركي يجب أن يصوّب ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ المئة لصالح قرار عزل ترامب من منصبه، لكن جاءت نتيجة التصويت: 48 صوتا مع عزل الرئيس و 52 صوتا ضد العزل ولمصلحة ترامب.

دونالد ترامب ھو الرئيس الأميركي الثالث الذي واجه "محاكمة عزل" بعد أندرو جونسون عام 1868 وبيل كلينتون عام 1999، لكن ترامب بخلاف كلينتون لم يظھر تعاونا ولم يسمح بتزويد الديمقراطيين ما طلبوه من وثائق رسمية من البيت الأبيض ووزارتي الدفاع والخارجية، ولم يأخذ المحاكمة على محمل الجد، وإنما عمل على "تسخيفھا" ووصفھا بأنھا "مھزلة" و"حملة شعواء" ومحاولة تأثير على الانتخابات الرئاسية ھذا العام.

من الواضح الآن أن ترامب الخارج منتصرا من ھذه المعركة، عزز شعبيته الصاعدة بفعل قوة الاقتصاد الأميركي، وعروض القوة التي قدمھا في الأشھر الأخيرة، بدءا من قتل أبو بكر البغدادي زعيم "القاعدة"، الى اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، وأيضا بفعل علاقته التحالفية الحارة مع "إسرائيل" والتي جسّدھا أخيرا في "صفقة القرن".

ربما من المبكر التوقع من الآن من ھو الأوفر حظا للفوز بالرئاسة عام 2020، لكن نظريا يمكن القول إنه مع استمرار تحسن حالة الاقتصاد الأميركي ومع غياب أي تميّز أو ما ھو لافت لدى المتنافسين الديمقراطيين على ترشيح حزبھم، تبدو حظوظ الرئيس دونالد ترامب في الفوز بولاية ثانية أكثر من خمسين في المئة على الأقل. فقد يكون ترامب غير مرغوب به من الناحية "التاريخية" والأداء الرئاسي، ولكنه يتمتع بشعبية كافية لإعادة انتخابه والفوز بولاية ثانية بعدما كرّس نفسه الشخصية الحاسمة في السياسة الأميركية، وأثبت قدرة فائقة على اجتذاب حماسة اليمين المسيحي، وعلى تكوين رواية سلبية لمعارضيه وإقناع جمھوره بھا، وبنى استراتيجيته على جذب تلك القاعدة من خلال "شيطنة" خصومه وإبراز الإنقسام الإيديولوجي في الحزب الديمقراطي بين اليسار واليمين والوسط. ترامب ضمن ولاية رئاسية ثانية ليس لأنه قوي كثيرا، وإنما لأن الحزب الديمقراطي ضعيف جدا الى درجة أن صفوفه تخلو من مرشح قوي قادر على منازلة ترامب.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات