آراء وتحليلات
قراءة في البيان الوزاري بعد نيل الحكومة الثقة
د.علي مطر
نالت حكومة الرئيس حسان دياب الثقة من المجلس النيابي، بعد مناقشة بيانها الوزاري، الذي ارتكزت فيه على برنامج عملٍ يتضمّن خطة طوارئ انقاذيّة وسلّةَ إصلاحات محورها ورشة إصلاح قضائي وتشريعي ومالي وإداري، معتمدةً في ذلك على خطة ماكينزي الاقتصادية فضلاً عن أبحاث وخطط لخبراء اقتصاديين آخرين. تحاول حكومة دياب أن تكون مختلفة عن الحكومات السابقة ومنها حكومتا الرئيس الحريري 2016 و 2019، خاصةً أن هاتين الحكومتين لم تكونا موفقتين في محاربة الفساد كما وعدتا وبإجراء إصلاحات وحل الأزمات المالية والاقتصادية، مع أن الحكومة الأولى (2016) للحريري قامت ببعض الإجراءات التي أراحت الشارع اللبناني، ويسجل لها إجراء انتخابات نيابية وفق القانون النسبي فيما الثانية لم تقدم إصلاحات حقيقية وعدت بها باستثناء التوصل إلى موازنة تقشفية، والتي أدت بتفاعل الأزمات إلى انطلاق حراك 17 تشرين الأول ومن ثم إعلان الحريري استقالته.
وفي مقارنة سريعة بين البيانات الوزارية نجد أن حكومة 2016 انطلقت ببيان وزاري تقليدي لم يلحظ خطة اقتصادية وإصلاحية واضحة تعزز دور القطاعات الانتاجية كما وعدت، لكنها استطاعت اقرار القانون الانتخابي النسبي وتنظيم العملية الانتخابية، بينما الزمت حكومة 2019 نفسها بإصلاحات لتجنب تدهور الأوضاع الاقتصادية فأتت الاصلاحات تقشفية لجهة خفض عجز الموازنة انطلاقاً من التصحيح المالي بنسبة 1 % سنويًا من الناتج المحلي الإجمالي إلا أن طريقة عملها أدت بنهاية المطاف إلى انطلاق حراك شعبي رافض لسياساتها.
اليوم تقف حكومة الرئيس حسان دياب أمام تحديات جمة، وهذا ما جعلها تسمي نفسها حكومة التحديات، لتنطلق في بيانها من مطالب الحراك وتنفيذ الإصلاحات والعمل وفق سياسة ضريبية جديدة، ومن أبرز النقاط الإصلاحية في البيان الوزاري يأتي إنجاز القوانين المتعلقة باستقلاليّة القضاء والتنظيم القضائي وإصدار مرسوم التعيينات والتشكيلات القضائية. وبشكل مختصر نشير إلى أن البيان يؤكد إعداد مشروع قانون يعيد النظر في القانون رقم 45 حول معالجة مخالفات الأملاك العامّة البحرية، علماً أن هناك تعديات تصل إلى 1000 تعد تطال هذه الأملاك. وفي موضوع الطاقة وعد البيان الوزاري بالإسراع في إجراء دورة التراخيص الثّانية للتنقيب عن النّفط. اما فيما يتعلق بالكهرباء فقد وجدت الحكومة أن الأفضل تنفيذ خطة حكومة 2019 . وتجدر الإشارة إلى أن لبنان أنفق على هذا القطاع ما يفوق 36 مليار دولار منذ عام 1992 حتى 2018 ويمثل عجز الكهرباء حوالي 45% من إجمالي الدين العام.
أما في مكافحة الفساد حيث يحتل لبنان المرتبة 137 عالمياً في مؤشر مدركات الفساد فستقر الحكومة الاستراتيجيّة الوطنيّة لمكافحة الفساد وتعين الهيئة الوطنيّة وستقوم بتعديل قانون المحاسبة العمومية وقانون الجمارك الحالي. كما يؤكد البيان الوزاري في هذه النقطة، تعزيز دور هيئات الرقابة وتعديل المادة 71 من قانون أصول المحاكمات الجزائية بما يسهّل منح الأذونات بملاحقة الموظفين في القطاع العام. وهنا نشير إلى أن رواتب الموظفين في القطاع العام تصل إلى ما يفوق 5,200 مليون دولار سنوياً. وفي موضوع الأموال التي حولت إلى الخارج، والتي تعد أحد أبرز المواضيع المطروحة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، فإن البيان يشير إلى متابعة التحقيقات واتخاذ الاجراءات اللازمة بخصوص الأموال التي حوّلت إلى الخارج والتي بلغت وفق بعض التقديرات ما يقارب 11 مليار دولار.
وفي ما يتعلق بالدين العام، الذي بلغ 88 مليار دولار، فسيتم وضع خطّة لخفض خدمة الدّين من خلال التّعاون بين وزارة المال ومصرف لبنان والمصارف علماً أن هناك ودائع في المصارف تفوق 150 مليار دولار. وتواجه الحكومة في أول انطلاقتها معضلة استحقاق سندات اليوروبوند، وفي هذا الإطار تطرح العديد من وجهات النظر والاسئلة حول جدوى دفعها وسط الظروف التي يمر بها لبنان وهذا محصلة لما يطرح في الاجتماعات التي تعقد بين القصر الجمهوري والسراي الحكومي.
إذاً، تقف حكومة الرئيس حسان دياب، أمام استحقاقات كبرى، ومواجهة تحديات جمة، فرضتها الأحداث التي عصفت بلبنان، إبان الحراك الذي انطلق في 17 تشرين الأول، والمطالب التي يطرحها اللبنانيون الذين يحلمون بوطن يحميهم ويؤمن لهم حاجاتهم بشكل يحفظ كراماتهم، وهذا ما وعدت الحكومة بالعمل عليه، فهل ستوفَّق وتنجز ما وعدت في بيانها، بشكل يخرج لبنان من النفق المالي والاقتصادي والاجتماعي المظلم؟ سؤال يطرحه كثيرون أما الاجابة عليه فهي رهن ما ستظهره أيام عمل الحكومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024