معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل يسبق الاقتصاد المصري اليابان وألمانيا وروسيا؟
12/01/2019

هل يسبق الاقتصاد المصري اليابان وألمانيا وروسيا؟

أحمد فؤاد
من جديد، لا صوت يعلو فوق صوت الوهم في مصر، فقد زفت الصحف الحكومية بشرى تقرير عجائبي أعده بنك "ستاندر تشارترد" ونقله عنه موقع "بلومبرج" الاقتصادي، أكد تجاوز الاقتصاد المصري لعدد من دول العالم الأكثر تقدمًا، ليتفوق على نظرائه في اليابان وألمانيا وروسيا، ليصبح سابع أكبر اقتصاد في العالم، بناتج محلي إجمالي 8.2 ترليون دولار، في 2030.

وكشف التقرير، عن تربع الصين على مقعد أكبر اقتصاد في العالم بحلول 2020، وفقا لتعادل القوة الشرائية والناتج المحلى الإجمالي الاسمي، وسيتراجع نموها إلى 5% بحلول 2030، حيث سيصل حجم اقتصادها في عام 2030 إلى نحو 64.2 ترليون دولار، تليها في المركز الثاني الهند بحجم اقتصاد يصل إلى 46.3 ترليون دولار، حيث قدر التقرير أن تنمو الهند في عشرينيات القرن الحالي بنسبة 7.8%، محتلة ثاني أكبر اقتصاد في العالم في 2030، وتتفوق الهند على أمريكا، حيث حلت الأخيرة في المركز الثالث بنحو 31 ترليون دولار، يليها بفارق كبير الاقتصاد الإندونيسي في المركز الرابع بنحو 10.1 ترليون دولار، وخامسا حل الاقتصاد التركي بحجم يصل إلى 9.1 ترليون دولار، وفي المركز السادس البرازيل بـ 8.6 ترليون دولار وبفارق طفيف جاء الاقتصاد المصري في المرتبة السابعة، بحجم اقتصاد يصل إلى 8.2 ترليون دولار، تلتها روسيا في المركز الثامن بحجم اقتصاد يعادل 7.9 ترليون دولار، وتاسعا حلت اليابان بحجم اقتصاد يصل إلى 7.2 ترليون دولار، وجاءت ألمانيا في ذيل القائمة بالمركز العاشر، بحجم يصل إلى 6.9 ترليون دولار.

البنك أو الشركة المصرفية التي أصدرت التقرير، هي شركة بريطانية للخدمات المصرفية والمالية، مسجلة في بورصة لندن للأوراق المالية، ورغم إن مقرها أيضًا في لندن، إلا أن عملها المكثف ينشط في دول غرب آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، حيث تحصل على 90% من دخلها الإجمالي من هذه الأسواق، وهذه الحقيقة تطرح علامات استفهام وتعجب حول شركة متخصصة في الأسواق الفاسدة، وتبتعد قدر المستطاع عن سوقها الطبيعي والأقرب جغرافيًا.

ويعد البنك أحد المشاركين في تقديم وترتيب القروض الدولية للحكومة السعودية، التي تخوض هي الأخرى عمليات إصلاح اقتصادي متعثرة، لتحقيق "رؤية 2030"، التي أعلن عنها ولي العهد الحالي محمد بن سلمان، للانتقال إلى مجتمع ما بعد النفط، والتي لا تزال تتخبط بين إرجاء وتعديل، وكانت خاتمتها فشل طرح شركة "أرامكو" النفطية في البورصات العالمية.

وبشكل عام، فإن لبنوك التصنيف الدولية سجل حافل بالسواد مع الأزمات الاقتصادية، وفي سعي الحكومة، ومن ورائها نظام الحكم لنيل الرضا الدولي، ممثلًا في شهادات "الإنجاز والاستقرار"، تتناسى مؤسسات الحكم أن تقارير مؤسسات التقييم الدولية لا تصلح لبناء دولة أو تسمح بانتقال دولة من عصر إلى عصر، هي مجرد شهادات لها ثمن، وثمنها المعروف هو المضي بحماس وراء اعتماد النموذج الغربي في الإدارة، ورضا الغرب عن سياسة الدولة ككل.

ومؤسسات التقييم الدولية، مثل "فيتش" و"موديز" كان تقييمها لبنك "ليمان براذرز"، ليلة إفلاسه، -A، في عام 2008، أي أن التقييم لم يكن سليمًا، ولم تكن الأرقام وحدها شرطًا لمسيرة اقتصادية ناجحة.

والمؤسسات المالية العالمية، مثل صندوق النقد والبنك الدوليين، لا تضع في اعتبارها مؤشرات غير رقمية، تخص الدولة محل البحث، مثل شبكات الأمان الاجتماعي، والنظام الكفء لتحصيل حقوق المجتمع "الضرائب"، ومدى مؤسسية الفساد، أي تفشيه في أعلى مستويات الإدارة، والأهم، الرضا الشعبي عن سياسات الدولة، وهو مؤشر مهم لبيان مدى تقبل ـ والمساعدة في ـ عمليات الإصلاح الجارية.

"فراج": هلوسة

في البداية يقول الدكتور محمد فراج أبو النور، الخبير في الشئون الدولية والروسية، إن ما ينشره الإعلام الحكومي المصري تعدى مرحلة النفاق، ليصل إلى مرحلة "هلوسة"، لا تستند إلى أية معطيات واقعية، مضيفًا أن جريدة "الأهرام"خرجت علينا بمانشيت عبقري يبشرنا بحالة من الرخاء تتجاوز كل أحلامنا، المانشيت يقول: "اقتصاد مصر السابع عالميا ب8.2 تريليون دوﻻر عام 2030" و"بلومبرج : القاهرة تسبق روسيا واليابان.. والصين الأولى وألمانيا تتذيل القائمة".

أضاف "فراج"، أن الناتج المحلي الإجمالي المصري من المتوقع أن يبلغ 5.2 ترليون جنيه، بنهاية العام المالي 2018/2019، أي أقل من 300 مليار دوﻻر فقط، حسب التصريحات المعلنة والمنشورة على لسان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، وما يعنيه التقرير المذكور أن حجم الناتج المحلي الإجمالي سيتضاعف أكثر من 27 مرة خلال 11 عامًا.

وتساءل هل ينمو الاقتصاد المصري 250% كل عام، لتحقيق مستهدفات التقرير، في حين أن الصين التي ستتقدم إلى المركز الأول بين دول العالم، بناتج محلي سيبلغ 64 تريليون دولار، مقابل 11.8 ترليون متوقعة لعام 2018، أي بنسبة نمو تبلغ نحو 50% فقط ﻻ غير، علما بأن التقرير يقول إن نسبة نموها السنوي ستتراجع إلى 5% فقط، ولا تعرف أي الأرقام نصدق.

ورد "فراج" على فرضية أن الأرقام المذكورة في تقرير" الأهرام"، نقلا عن بلومبرج، تستند إلى حسابات على أساس تعادل القوة الشرائية للدولار PPP، وليس على أساس قيمة الناتج المحلي الإجمالي GDP بالدولار، وهناك فارق بينهما قد يكون كبيرًا، أو حتى كبير جدا، في بعض الأحيان، قائلًا: "أن هذا الفارق أمر معروف لكل من له علاقة بالاقتصاد، ولكن الجريدة تعمدت الخلط بين الأمرين، وذكر ترتيب الدول من حيث قوتها الاقتصادية بطريقة توحي بوضوح بأن الحساب على أساس قيمة الناتج المحلي الإجمالي GDP، ولم تتحدث عن القوة الشرائية للدولار إﻻ في الفقرة الثالثة من الموضوع، وبطريقة عابرة تماما ﻻ يلحظها القارئ العادي، الذي ﻻيعرف الفارق بين الطريقتين في الحساب، وكان ينبغي توضيحه بجلاء منعا للالتباس، لكن الجريدة تعمدت التعتيم على معيار حساباتها، وتحديدها للمراكز الاقتصادية للدول، بما يفتح المجال للالتباس عمدًا، وللنتيجة التي تريد الوصول إليها، وإدخالها على القارئ بطريقة ملتوية، وهي أن مصر ستكون في المركز السابع عالميا من حيث القوة الاقتصادية عام 2030، وهو أمر غير صحيح في جميع الأحوال".

وكشف "فراج" أنه ولو أن الجريدة كانت تريد الحديث بطريقة مستقيمة تمنع الالتباس لكانت قد قارنت بين وضع الاقتصاد المصري وحاله من التقدم والتخلف، أو قوته ونسبة نموه على أساس معيار موحد GDP / الناتج المحلي الإجمالي الآن وعام 2030، أو معيار PPP/ تعادل القوة الشرائية للدولار الآن وعام 2030، ليكون لدينا أساس يمكن القياس عليه، لكن كاتب التقرير برهن إما على عدم استقامة و سوء نية متعمد، أو على جهل علمي ومنهجي متعمد، وكلا الأمران فضيحة.

وأوضح "فراج" أن وجود الحد الأدنى من الحس الصحفي والاقتصادي والذكاء العادي، والعلم بالطبع، كان يوجب التوقف أمام هذه الأرقام الهائلة، وخاصة إننا بإزاء تقرير يشير إلى انقلاب في خريطة القوى الاقتصادية العالمية، ومراجعة من يفهمون أكثر في الموضوع، وما هي نسبة النمو السنوي المطلوبة لتحقيق هذه النتائج المذهلة، مشيرا إلى أنه في الأهرام مركز دراسات عريق، وبه وحدة دراسات اقتصادية قوية، كان يمكن ـ وينبغي ـ الرجوع إليها.

كما أكد الخبير في الشئون الدولية والروسية أن من اختاروا هذا المانشيت الغريب، وصاغوه بهذه الطريقة المعوجة تعمدوا أن يفعلوا ذلك ليصلوا إلى النتيجة التي وصلوا إليها، وهنا مربط الفرس، وهي أن السياسات الاقتصادية ممتازة والإصلاحات رائعة، إلى آخر تلك الأسطوانة المشروخة التي ﻻ يكفون عن ترديدها بغض النظر عن تناقضها مع الوقائع.

"عيسى": أوهام لذيذة

شدد الخبير الاقتصادي والمحلل المالي رضا عيسى، في تصريحات خاصة لـ "العهد"، على ضرورة نشر الفرضيات التي بني على أساسها تنبؤ وصول مصر إلى المركز السابع اقتصاديًا على العالم، لمعرفة كيف توقع البنك البريطاني هذه الأرقام، ومصادره.

أضاف أن التقرير واحتفاء الإعلام الحكومي به لا يعدو كونه أوهامًا لذيذة، ولا يرتفع التنبؤ إلى أنه تقرير، ما لم يذكر كيف افترض الوصول إلى هذا المركز المتقدم، متفوقًا على دول واقتصاديات بحجم ألمانيا أو اليابان أو روسيا.

وأكد "عيسى" أن ما نشهده عبارة عن "تطبيل اقتصادي"، من إعلام النظام يقول: "انتظروني في 2030".

أرقام محققة

الإصلاح الاقتصادي الذي يقول رئيس وزراء مصر إنه بدأ مع التعويم كقطار لن يتوقف، حقق حتى الآن معدلات دين خارجي غير مسبوقة تاريخيًا، وكل الإجراءات الحكومية المتخذة لم تفلح في وقف مسيرة الاستدانة الواسعة والمتنامية، وسجلت مصر أكبر زيادة في الديون عبر تاريخها، فارتفعت الديون الخارجية ـ وهي العنصر الأخطر ـ من 43.2 مليار دولار في حزيران/ يونيو 2013 إلى 92.6 مليار دولار في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، أي بزيادة تفوق الضعف في 5 سنوات فقط، والأرقام طبقًا للبيانات الدورية المعلنة من جانب البنك المركزي المصري.

الديون الداخلية أيضًا سجلت قفزة ضخمة، وسجل حجم الدين الداخلي نحو 3.695 ترليون جنيه في نهاية شهر حزيران/ يونيو الماضي، في مقابل نحو 2.5 ترليون جنيه فقط، خلال عام 2016 قبل التعويم، أي بزيادة 1.1 ترليون جنيه في عامين فقط.

الأخطر في أرقام الديون المرتفعة، إنها تؤدي إلى زيادة مماثلة في أعباء خدمتها، فارتفعت المخصصات مقابل سداد الفوائد والأقساط إلى 817 مليار جنيه في موازنة 2018/2019، كخصم مباشر من المخصصات للاستثمار والحماية الاجتماعية والدعم والأجور وغيرها.

الجوع هو الحل

وتسبب انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بحوالي النصف عقب تحرير سعر الصرف في تسارع معدلات التضخم في أسعار المستهلكين، لتصل إلى أعلى مستوى تاريخي لها في يوليو 2017 عند 34.2%. وفي تلك الفترة كانت سلة الغذاء هي الأكثر تأثرًا بارتفاع الأسعار فتخطت الزيادة فيها 40% على أساس سنوي، وهي سلع لا يملك الفقراء التقليل منها أو الاستغناء عنها، في ظل تراجع مؤشرات الأمن الغذائي، حيث كشف مؤشر الجوع العالمي، للعام الماضي 2018، الصادر عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية "أيفبري"، عن احتلال مصر للمرتبة التاسعة عربيًا والـ 61 عالميًا في المؤشر، خلف لبنان والأردن وسلطنة عمان.

وأعلن رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن حكومته تستهدف ترشيد الدعم المقدم للفئات الأفقر، لترشيد الإنفاق في الموازنة العامة للدولة، وبدء إجراءات حذف عدد المواليد الزائد عن طفلين لكل أسرة من مظلة "تكافل وكرامة"، رغم إقراره بأن برنامج الدعمِ النقدي المشروط جاء استجابة لتوجه الحكومة المصرية نحو سياسات العدالة الاجتماعية، ولتخفيف وطأة الضغوط الحياتيةِ التي تتأثر بها الأسر تحت خط الفقر، نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصاديِ التي تتبناها الدولة في السنوات الأخيرة.

"البنك الدولي": المستقبل قاتم

وحذر تقرير "الأفاق الاقتصادية العالمية"،الذي أصدره البنك الدولي مؤخرًا ، من مخاطر تراجع نمو الاقتصاد العالمي، على نحو يجعل آفاق نمو الاقتصاد العالمي قاتمة، خلال الأعوام المقبلة، وتناول التقرير مخاطر ارتفاع الديون وتوقعات بزيادة أسعار الغذاء، مع ما تشهده معدلات التجارة والاستثمار من تراجع، في ظل استمرار التوترات التجارية، وتعرّض العديد من الأسواق الناشئة الضخمة لضغوط مالية شديدة في نهاية العام الماضي.

وتعد مصر أكبر مستورد قمح عالمي، كما تستورد نسبة ضخمة من الزيوت والسكر، وتراجعت معدلات الاكتفاء الذاتي من الزيوت النباتية الغذائية من 95% في أوائل الستينيات إلى 60% في أوائل السبعينيات إلى 30% في أوائل الثمانينيات، لتستقر أخيرًا عند 5% فقط حاليًا، أي أن ارتفاع أسعار الغذاء عالميًا يهدد بالمزيد من الضغوط على الموازنة المصرية والميزان التجاري المختل أصلًا.

وشدد تقرير البنك الدولي على أن ارتفاع نسبة الدين الحكومي إلى إجمالي الناتج المحلي في البلدان المنخفضة الدخل من 30% إلى 50%، على مدار السنوات الأربع الماضية، مشيرًا إلى استخدام بعض البلدان منخفضة الدخل نسبة متزايدة من الإيرادات الحكومية لسداد مدفوعات الفائدة، وسوف تزداد ضغوط خدمة الدين هذه على نحو أكبر إذا ارتفعت تكاليف الاقتراض كما هو متوقع في السنوات المقبلة.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل