آراء وتحليلات
صفقة القرن وخفايا الرفض المعلن
ايهاب زكي
قال صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين: "إن ترامب أو فريقه لم يكتبوا حرفاً واحداً في هذه الخطة، فقد تم عرضها عليّ بحذافيرها من قبل نتن ياهو في العام 2012". وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس "إن هذه الصفقة هي استكمالٌ لوعد بلفور عام 1917، والذي هو بالأصل وعدٌ أمريكي". ولكن هناك تاريخٌ بين هذين التاريخين لم يلتفت إليه أحد، وهو العام 1995 والذي شهد الإعلان عما سُمي حينها وثيقة "عباس - بيلين"، ومن يراجع بنود تلك الوثيقة لا يستطيع مهما أوتي من قوة ملاحظة أن يجد الفروق بين الوثيقة وبنود الصفقة، فقد تحدثت تلك الوثيقة -التي تم التوصل إليها بعد عام من المفاوضات السرية بين فريق عباس وفريق بيلين في عدة عواصم- تحدثت عن أبو ديس كعاصمة وتوطين اللاجئين وضم المستوطنات وتبادل الأراضي، ورغم أنّها كانت صادمة شعبياً، إلّا أن هذا ليس السبب في تجاوزها ووضعها قيد التنفيذ، بل كان مقتل رابين وتولي بيريز ثم نتن ياهو هو السبب الرئيسي في طيّ صفحتها، قبل أن يحتاج البعض لنفض الغبار عن الأرشيف.
إنّ رفض نتن ياهو للسير في تلك الوثيقة، كان من منطلقٍ تلمودي يرفض الوجود العربي في فلسطين، مدعمٌ بقوة عسكرية "إسرائيلية" وسيادة أمريكية على الكوكب، وحين ينفض الغبار عما رفضه بالأمس، ليقدمه اليوم باعتباره إنجازاً تاريخياً للكيان وله، فهذا لا شك يعني أنّه شعورٌ بضعف اليوم أمام قوة الأمس، وقد كان إسقاط سوريا هو الحلقة الأخيرة في ابتلاع فلسطين كاملة، وعدم الحاجة حينها حتى لإعلاناتٍ أمريكية، حيث إنّ كسر الحلقة السورية كان سيجعل آخر من يقولون "لا" في محور المقاومة في حالة وهن، أو في حالة احترابٍ دائم مع دويلاتٍ نشأت على خلفيات مذهبية وعرقية، ولكن
هناك زاويتان للنظر إلى ما يسمى بـ"صفقة القرن"، فهناك زاوية عربية رسمية تفريطية، ترى أنّ الواقع أقوى من الحق، ويجب دفع الفلسطينيين للسير في هذه الخطة، وأنّ رفضها اليوم سيجعل العرض غداً أقل مكاسبَ منها، وتدفع السعودية بهذا الاتجاه بقوةٍ وإصرار، وهناك زاوية ثانية يتبناها محور المواجهة، يرى فيها عبثاً غير قابلٍ للتحقق، وأنّ الحق أبلج مهما راكمته غيوم الواقع وغباره. ومن المفارقات التي نتجت عن هاتين الزاويتين، هو ما صدر من موقف عن الجامعة العربية، حيث رفضت الجامعة العربية تلك الصفقة، رغم أنّ الدول القائدة في تلك الجامعة وعلى رأسها السعودية والإمارات، تدفع باتجاه تطبيق الصفقة، فهذا الرفض العلني رغم التأييد السري، لا تفسير له سوى موقف محور المواجهة المستند إلى قوةٍ حقيقية، والتأييد العلني سيجعل محور التطبيع فاقداً لقدرته على المناورة والاستقطاب، فالرفض المعلن يتطلب تغييراً في موازين القوى إقليمياً حتى يتحول إلى قبولٍ أو بالأحرى إذعان معلن.
و
ولكن رفض عباس ليس مطلقاً كما أنّه ليس مأموناً، حيث سيتعرض لضغوطات عربية هائلة سياسية ومالية واقتصادية، قد يتعثر في وجود حلول لها، خصوصاً أنه ليس بالراديكالي الذي يمتلك نزقاً ثورياً، يمكّنه من الانقلاب 180 درجة والتوجه نحو محور المقاومة مثلاً، وهذا ما يجعل التاريخ حاضراً بقوة، حيث يظل القيادي الفلسطيني يقدم التنازلات إلى الحد الأقصى الذي يطيقه، ثم يتم التخلص منه ليبدأ خلفه بالتنازل من نقطة توقف سلفه، كما حدث مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، لذلك فإنّ التوقيت المعلن للبدء بتطبيق الصفقة بعد الانتخابات "الإسرائيلية"، سيكون هو المرحلة الأكثر تسارعاً لناحية انكشاف الخطط العملية لتنفيذ هذه الصفقة، هل ستواصل الولايات المتحدة الضغط على الأنظمة العربية للضغط على السلطة الفلسطينية ترغيباً وترهيباً وتكتفي بذلك، أم سيكون هناك تصعيد عسكري في بعض ساحات المواجهة؟ الأرجح أنّ الترغيب والترهيب سيظل السلاح الأوحد، ومحاولة تسعير حالات الفوضى الشعبية إن أمكن للضغط على محور المقاومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024