معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بين غرب آسيا والشرق الأوسط: قضية هيمنة واستعمار
01/02/2020

بين غرب آسيا والشرق الأوسط: قضية هيمنة واستعمار

د. علي مطر

يستسيغ الغرب سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة الأميركية، استخدام مصطلحات مختلفة لمنطقة غرب آسيا وشمال افريقيا، تنم عن عقلية استعمارية أرادوها لبلداننا منذ عام 1900 م، كاستخدام مصطلحات الشرق الأدنى والشرق الأوسط أو الهلال الخصيب. بعد الالفية الجديدة عاد مسمى الشرق الأدنى يستخدم إلى جانب الشرق الأقصى والشرق الأوسط في الأدبيات الأميركية، التي سوقت لمفهوم الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، بحسب ما أسمته كونداليزا رايس.

بدأ مصطلح (الشرق الأوسط) في التداول السياسي والفكري في خمسينيات القرن الماضي بشكله الواسع، وكان هدفه المباشر فرض هوية جديدة على أبناء الأمة الإسلامية والعربية والدول الموجودة في منطقة غرب آسيا وشمال افريقيا. كانت الهوية تتلاشى أو تضيع المرجعية العربية لصالح وعاء فضفاض تمت تسميته بالشرق أوسطية، وتطور ذلك ليترافق فيما بعد مع احتلال أفغانستان والعراق مع (قرار) أميركي لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط (الكبير) الذي كان قد استقر كسياق جغرافي سياسي في الإدارة الأميركية، وفي كلمة الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، الذي قال إبان الحرب الإسرائيلية عام 2006 إن الشرق الأوسط يشكل ساحة الصراع الأولى بين الحرية والإرهاب. وكان الهدف وفق ما كانت تتحدث عنه كونداليزا رايس الفوضى الخلاقة خلال السّعي الأميركيّ مع إدارة بوش الابن لبناء الشّرق الأوسط الجديد. وكما نشر الاستعمار قبل ذلك المصطلح بشكل يفيد سطيرته، عادت واشنطن منذ تدخلها في منطقتنا إلى استخدام المفهوم، ومن ثم تثبيته عبر الحروب التي شنتها، والأذرع التي استخدمتها وعلى رأسها في السنوات الأخيرة تنظيم "داعش" الذي يعد أحد أبرز الأذرع المساعدة في بسط الهيمنة الأميركيّة على المنطقة العربيّة، وإدخال الجيوش إلى سوريا والعراق تحت مسمّى محاربة الإرهاب.

جغرافية المنطقة

في الآونة الأخيرة عاد التداول بمصطلح الشرق الأدنى إلى جانب الشرق الأوسط في الصحف الغربية ومن قبل بعض السياسيين الأوروبيين. علماً أنه ليس هناك من معنى جغرافي حقيقي لهذه التسمية. وهذه المنطقة هي المنطقة الجغرافية الواقعة ما حول وشرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط وتمتد إلى الخليج، يستعمل هذا المصطلح للإشارة إلى الدول والحضارات الموجودة في هذه المنطقة الجغرافية. سميت هذه المنطقة في عهد الاكتشافات الجغرافية من قبل المكتشفين الجغرافيين بالعالم القديم وهي مهد الحضارات الإنسانية وكذلك مهد الديانات السماوية، والكيانات السياسية في هذه المنطقة هي العراق، السعودية، فلسطين، الكويت، الأردن، لبنان، البحرين، قطر، الإمارات، اليمن، سوريا، سلطنة عمان، إيران، ارمينيا، تركيا، قبرص وغيرها كل بحسب الموقع الجغرافي. ومعظم هذه الدول نامية نسبيًا.

دعا الإمام الخامنئي إلى استخدام مصطلح غرب اسيا وشمال افريقيا، ويلاقيه في ذلك العديد من القيادات والدول ومنها الهند وكندا

هناك دول في هذه المنطقة تشتهر بموارد النفط الكثيرة، وفي المقابل فإنها تعاني من نقص كبير بالمياه فقد تنازعت دول كثيرة بسبب هذا الموضوع. ولقد صرفت في الماضي الكثير من الاموال من اجل الحروب وشراء الاسلحة حيث كلفت مليارات الدولارات، وحصلت فيها حروب عدة خاصةً منذ العام 1991 مع الدخول الأميركي عسكرياً بشكل علني إلى منطقة الخليج، ومن ثم احتلال افغانستان عام 2001 وغزو العراق عام 2003، فضلاً عن الحروب التي يشنها العدو الإسرائيلي على الدول العربية في هذه المنطقة من العالم.

ما هي التسميات التي أطلقت على المنطقة؟

يعد مصطلح الشرق الأوسط مصطلحًا جديدًا نسبياً، غير محدد بشكل كافٍ فهنالك من يوسع حدوده وهنالك من يقلصها من الجغرافيين، وهذه التسميات هي:

الشرق الأدنى: استخدم هذا المصطلح لأول مرة على يد عالم بريطاني يدعى هوغارت سنة 1902م والذي نشر كتابًا في نفس السنة يحمل نفس الاسم وقد قصد بهذا المصطلح أن هذه المنطقة كانت على مر السنين تحت السيطرة العثمانية بعيدة ومنعزلة عن العالم وايضًا تركيا ودول البلقان. لم تكن مصر وإيران تتبع هذه التسمية لانهما لم تكونا تحت الحكم العثماني. من وجهة نظر الساكن في غرب أوروبا كانت الامبراطورية العثمانية هي الشرق الادنى منه، ولهذا كانت هذه التسمية تعكس وجهة نظر الاوروبيين.

الليفانيت: اصل التسمية فرنسي وهو اسم اطلق في البداية على المناطق الواقعة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط، من اليونان شمالاً وحتى مصر جنوبًا وفيما بعد اقتصرت التسمية على بلاد آسيا الصغرى: لبنان، سوريا وفلسطين، في الآونة الاخيرة تقلص استعمال المصطلح ويقصد به سوريا ولبنان فقط.

الهلال الخصيب: وهو مصطلح اطلق في سنوات العشرين من القرن العشرين من قبل مستشرق امريكي يدعى جيمس هنري برستل ويضم المناطق الواقعة على الاطراف الشمالية لشبه الجزيرة العربية ويشمل اليوم احواض الانهار في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين والاردن اصل هذا الاسم يعود إلى شكل المنطقة التي تشبه الهلال والقوس وهي خصبة على عكس الصحاري المحيطة بها، ولذلك استخدم كمركز لامبراطوريات وحضارات هامة.

مقدمة آسيا: استخدم هذا المصطلح قبل الحرب العالمية الاولى وقد ضمت هذه التسمية شبه الجزيرة العربية، سوريا، لبنان، إيران والعراق.
آسيا الصغرى: يقصد بهذا المصطلح تركيا اليوم، فبالرغم من وقوعها في آسيا فهي قريبة من أوروبا. اما في الماضي فقد استخدم هذا المصطلح للاشارة إلى بلاد الشرق الاوسط اليوم.

العالم العربي: وهذا المصطلح يشمل جميع الدول التي تعتبر نفسها تابعة للدول العربية وتضم: سوريا، لبنان، مصر، دول شمال افريقيا ولا يشمل تركيا وإيران.

جنوب غرب آسيا: يوضح هذا المصطلح موقع المنطقة بالنسبة لباقي مناطق القارة الآسيوية.

الشرق الاوسط: استعمل لاول مرة على يد الخبير الاستراتيجي في البحرية الأمريكية ألفريد ثاير ماهان سنة 1902م الذي قصد بهذا الاسم المنطقة التي مركزها الخليج. مع نشوب الحرب العالمية الثانية اقام الانكليز قاعدة عسكرية وسميت قيادة الشرق الاوسط وكانت تسيطر على السودان، فلسطين، الاردن، قبرص، العراق، عدن، الصومال والخليج الفارسي.

الانتقال إلى غرب اسيا لمواجهة الهيمنة

في مقابل هذه التسمية، التي استخدمها الاستعمار، وتستخدمها الإدارة الأميركية من أجل تثبيت مفهوم الهيمنة الأميركية على منطقتنا، دعا آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي إلى استخدام مصطلح غرب اسيا وشمال افريقيا، ويلاقيه في ذلك العديد من القيادات والدول ومنها الهند وكندا، حيث قال في أحد خطاباته إن "المنطقة التي يصرّ الأوروبيون أن يطلقوا عليها اسم الشرق الأوسط، وهو شرقٌ بالنسبة إلى أوروبا حسب مقياسهم، وعلى هذا الأساس يقسمون المنطقة إلى شرق أقصى وشرق أوسط وشرق أدنى، وهذا يدلّ على تكبر الأوروبيّين، حيث أطلقوا منذ البداية على هذه المنطقة اسم الشرق الأوسط وهو اسم مغلوط، وتعتبر هذه المنطقة غرب آسيا. فإن آسيا قارة كبيرة ونحن نعيش في غربها. وتمتاز هذه المنطقة بموقع بالغ الحساسية، وهي منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية، ومن الناحية العسكرية، ومن ناحية المصادر الجوفية، ومن حيث أنها تربط بين قارات ثلاث - آسيا وأوروبا وأفريقيا - ومن هنا فإنهم يضعون البرامج ويرسمون الخطط حول هذه المنطقة، وما علينا إلا ملاحظة هذه المخططات والتصدي لمواجهتها، وهذا هو الجهاد. فإن القرآن يخاطبنا قائلاً: ﴿جٰهِدوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِه﴾، وهذا هو الجهاد في الله في الوقت الراهن".

وتعد منطقة غرب آسيا الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا. وهذا التعبير بغرب آسيا يعد تعبيراً جغرافياً يتضمن النهاية الجنوبية الغربية لقارة آسيا، ويستخدم للوصف هذه المنطقة في الدراسات التاريخية. وكمفهوم جغرافي، تشمل غرب آسيا بلاد الشام وبلاد ما بين النهرين وجزء كبير من تركيا وإيران والمرتفعات الأرمنية وجنوب القوقاز وشبه الجزيرة العربية وشبه جزيرة سيناء. على الرغم من أن مصطلح "غرب آسيا" يستخدم في الغالب كتقسيم مناسب للدول ذات السيادة المعاصرة إلى عدد يمكن إدارته من مناطق العالم لأغراض إحصائية، فإنه يستخدم في بعض الأحيان بدلاً من المصطلح الجيوسياسي "الشرق الأوسط" ، على سبيل المثال من قبل حكومة كندا.

وبحسب ما تشير إليه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) يشمل  غرب اسيا البحرين وإيران والعراق وفلسطين والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر، والمملكة العربية السعودية وسوريا وتركيا والإمارات العربية المتحدة واليمن كدول غرب آسيا. على عكس هذا التعريف، تشمل منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) في كتابها السنوي لعام 2015 أرمينيا وأذربيجان، وتستبعد تركيا (كأوروبا). وفي مجموعة أوروبا الشرقية الجيوسياسية التابعة للأمم المتحدة، يتم تضمين أرمينيا وجورجيا في أوروبا الشرقية، في حين تقع قبرص وتركيا الشرقية في جنوب أوروبا. هذه الدول الثلاث مدرجة في الفئة الأوروبية لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).

وتأتي أهمية استخدام مصطلح غرب اسيا في مواجهة الشرق الأوسط، في سياق الحرب الناعمة وكي الوعي حيث إننا نعيش في جزء من الحرب بحرب المصطلحات، وبالتالي هذا المصطلح وهو من المصطلحات المهمة لإسقاط مفهوم الشرق الأوسط الكبير الذي تسعى إليه واشنطن ليفصّل على مقاس هيمنتها وهيمنة الكيان الصهيوني من أجل تثبيت ركائزه مع دول تقبله في هذه المنطقة من خلال التطبيع والموافقة على اسقاط الحقوق الفلسطينية، وقد اشار الإمام السيد علي الخامنئي إلى قضيّة حضور أمريكا المروّج للفساد في غرب آسيا وضرورة انتهائه في كلمة له بتاريخ 8 كانون الثاني 2020 خلال استقباله الآلاف من أهالي مدينة قم حيث تمّ التأكيد على ضرورة "إنهاء وجود القوات الأمريكيّة في المنطقة" كسبيل حلّ لهذه المشكلة: "المهم في مقام المواجهة هو انتهاء التواجد المفسد لأمريكا في هذه المنطقة. لقد جلبوا الحرب لهذه المنطقة وجلبوا الاختلافات والفتن والدمار وتخريب البنى التحتية، هذه المنطقة ترفض تواجد أمريكا في بلدان المنطقة".

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل