آراء وتحليلات
دبلوماسية بغداد وطهران.. وفشل "داعش" والحصار
بغداد ـ عادل الجبوري
بينما بدأ وزير النفط الايراني بيجن زنكنة، زيارة رسمية للعاصمة العراقية بغداد، يوم الخميس، العاشر من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، من المقرر من يأتي اليها زميله وزير الخارجية محمد جواد ظريف منتصف هذا الشهر، الى جانب احاديث وتسريبات من هنا وهناك عن زيارة مرتقبة لنائب الرئيس الايراني اسحاق جهانغيري اواخر الشهر المقبل، فضلا عن ذلك فأن وفودا ايرانية مختلفة تمثل مستويات واختصاصات شتى كان لها حضور واضح وملموس في بغداد خلال الاونة الاخيرة.
ما تناوله الوزير زنكنه مع كبار المسؤولين العراقيين، وما بحثته الوفود الايرانية المختلفة، وما سيبحثه الوزير ظريف بعد بضعة ايام، ومايتحرك عليه باستمرار السفير ايرج مسجدي، يتمحور بالدرجة الاساس حول سبل تعزيز وتطوير العلاقات العراقية ـ الايرانية، وبلورة رؤى وتصورات واجراءات تكفل دفع اكبر قدر من الضرر الذي يمكن ان تلحقه العقوبات الاقتصادية الاميركية على طهران.
واذا اردنا ان نعرف مدى اهمية التعاون والتنسيق العراقي ـ الايراني في كيفية التعاطي مع موضوعة العقوبات الاقتصادية الاميركية، يكفينا التوقف عند حجم الحراك السياسي والاقتصادي والدبلوماسي خلال الشهور القلائل المنصرمة، والذي هو في واقع الامر جزء من دبلوماسية الطرفين في بعديها الثنائي والاقليمي لافشال واحباط المشاريع والمخططات الخارجية الرامية الى محاصرتهما واخضاعهما وتركيعهما.
ولا شك ان ايران تعتبر العراق، واحدا من ابرز حلفائها، بحكم ثوابت التأريخ، وحقائق الجغرافيا، وعناصر المصالح المتبادلة والقواسم المشتركة، وتشابه التحديات والاستهدافات المتواصلة.
وطهران التي وقفت الى جانب العراق وساندته بكل السبل والوسائل المتاحة حينما تعرض للعدوان الداعشي في صيف عام 2014، من الطبيعي ان تنتظر وتتوقع مواقف ايجابية من بغداد وهي تتعرض لعقوبات وحصار اقتصادي ظالم من قبل واشنطن.
وبالفعل كان الموقف الرسمي العراقي ايجابيا حيال ايران، لاسيما من قبل الحكومة العراقية الجديدة برئاسة عادل عبد المهدي، الذي قال بعد ايام من تكليفه بتشكيل الحكومة في الثالث من شهر تشرين الاول/ أكتوبر الماضي، "ان العراق ليس جزءا من منظومة العقوبات الامريكية على ايران، وانه ليس طرفا في اي نزاع بالمنطقة".
وبنفس المعنى صرح رئيس الجمهورية برهم صالح، خلال زيارته لطهران منتصف شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وقبل ذلك شدد على "ان روابط علاقات متينة تجمع بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية، ونطمح الى تنميتها وتقوية أسسها لتكون بدورها مثالا للتعاون من أجل نماء واستقرار المنطقة".
ومن زاوية انسانية، فأنه رغم العلاقات السلبية بين العراق وايران في عهد نظام حزب البعث المنحل خلال تسعينيات القرن الماضي، الا ان الحكومة الايرانية كانت معارضة لفرض الحصار على العراق، انطلاقا من حقيقة الضرر البالغ الذي كان يسببه لابناء الشعب العراقي.
واليوم يفترض ان يتعاطى العراق مع الحصار ضد ايران من ذات المنطلق ووفق نفس المبدأ، الى جانب ان ثقل وحجم العلاقات والروابط الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة بين البلدين، تحتم عليهما البحث عن اي وادنى فرصة للمحافظة على تلك الروابط والعلاقات، مثلما هو حاصل بين ايران ودولا اخرى في اوربا واسيا، وربما اكثر.
فحجم المبادلات التجارية بين العراق وايران، الذي بلغ حوالي اثني عشر مليار دولار في عام 2017، وسجل ارتفاعا بنسبة 30% في النصف الاول من عام 2018، بحسب رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيرانية غلام حسين شافعي، يجب ان لايتعرض للتراجع والهبوط، بل العكس، كما شدد على ذلك كل من الرئيسين العراقي والايراني خلال مباحثاتهما في طهران منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، واكثر من ذلك اكد الرئيس روحاني على السعي لرفع مستوى التبادل التجاري بين البلدين الى عشرين مليار دولار.
وتتمثل العلاقات الاقتصادية العراقية ـ الايرانية في مجالات تبادل النفط الخام والمشتقات النفطية، والكهرباء، ومشاريع الاسكان، والزراعة، وصناعة السيارات، وتصدير المواد والسلع الغذائية والمنزلية، والسياحة الدينية، والابتعاث الدراسي، والخدمات الطبية، وهذه كلها مجالات حظيت بنقاشات تفصيلية ومعمقة بين كبار المسؤولين من البلدين.
ولعل من بين ابرز المؤشرات على اهمية الاقتصاد في تعزيز وتفعيل العلاقات العراقية ـ الايرانية، هو المشاركة الواسعة لعشرات الشركات الايرانية في معرض بغداد الدولي التجاري، الذي اقيم اواخر شهر تشرين الاول/ أكتوبر الماضي.
وبما ان العقوبات الاقتصادية الاميركية تفتقر الى الشرعية الدولية، وتعد اجراءات احادية الجانب، فأن الالتفاف عليها لن ينطوي على تجاوزات وانتهاكات لقوانين دولية، في ذات الوقت، فأن عموم المواجهة في المنطقة بين المحور الاميركي ومحور المقاومة، تستهدف اضعاف ومحاصرة الطرف الاكثر تأثيرا وفاعلية وقدرة، الا وهو ايران، ومن يرتبط معها بعلاقات جيدة وتحالفات قوية، بمعنى اخر ان واشنطن تعمل على استخدام الحصار الاقتصادي وسياسات التجويع، كوسيلة للانتقام من خصومها واعدائها، وهذا امر ليس بجديد، وهو ما يستدعي استحضار واستثمار كل الادوات المتاحة لمواجهة ذلك الاسلوب، لاسيما حينما لاتقتصر اثاره وتأثيراته السلبية على ايران وحدها، بل وتمتد حتى الى بعض-او معظم-حلفاء واتباع واصدقاء واشنطن في المنطقة والعالم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024