آراء وتحليلات
ماذا يجري على طريق تحرير أدلب؟
شارل أبي نادر
كان لافتاً مؤخراً، الحراك الميداني المتأرجح في الشمال السوري وتحديداً في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وحيث كان قد حصل منذ حوالي اسبوعين تقدم نوعي لوحدات الجيش العربي السوري، وذلك على الجبهة الممتدة بين غرب أبو الضهور وشمال جرجناز، في محاولة لتحرير مدينة معرة النعمان ومحيطها. توقف بشكل مفاجىء هذا التقدم وتجمدت العمليات العسكرية، وذلك نتيجة لسريان وقف اطلاق نار اتفقَ عليه الروس والاتراك بتاريخ التاسع من شهر كانون الثاني/ يناير الجاري، كان غريباً في توقيته من الناحيتين الأمنية والعسكرية، مقارنة مع التقدم الميداني الذي كان يحرزه حينها الجيش العربي السوري.
بالأمس، وفي خطوة ميدانية صاعقة، عادت وحدات الجيش العربي السوري للتقدم على تلك الجبهة، وقد حررت حتى الان بلدة كرسيان غرب أبو الضهور، وبلدتي معار شمارين ودير الشرقي جنوب معرة النعمان مباشرة، وأصبحت تلك الوحدات على تخوم الاخيرة التي تمثل في المحافظة الشمالية المدينة الأكبر بعد مدينة أدلب، بالاضافة لحراك متقدم وضاغط لتلك الوحدات على جبهة غرب مدينة حلب، حيث تفيد المعلومات الاخيرة عن إمكانية واسعة لتحقيق تقدم نحو تحرير القسم المتبقي من حي الزهراء وامتداداً نحو صالة الليرمون شمال غرب المدينة.
طبعاً، هدف العملية الواسعة والذي هو تحرير كامل منطقة ادلب الكبرى (مع غرب حلب) ومحيطها، اصبح يشكل بالنسبة للدولة السورية ولمسار التحرير واستكمال التسوية الشاملة، حاجة وضرورة أساسية لا يمكن تجاوزها او تأخيرها، وهذا الهدف النهائي، أي تحرير المنطقة المذكورة، ليس بالضرورة أن يتحقق كاملاً عبر العمليات العسكرية، إذ يستنتج من مسار أغلب عمليات التحرير التي قام بها الجيش العربي السوري، انها كانت تبدأ بعمليات عسكرية، لِتُتَابع وتنتهي بتسويات مناسبة للدولة ولسيادتها من جهة، وللمسلحين الذين يقتنعون بتلك السيادة من جهة أخرى.
هذا التأرجح الذي شهده الميدان موخراً، يمكن تحديد اسبابه بين الميداني ـ العسكري وبين السياسي ـ الاستراتيجي، وذلك على الشكل التالي:
الاسباب الميدانية ـ العسكرية
بعد التقدم ما قبل الأخير (منذ اسبوعين تقريبا) لوحدات الجيش العربي السوري على محور جرجناز ـ معرة النعمان، والذي نتج عنه تحرير منطقة واسعة من ريف أدلب الجنوبي الشرقي، خاصة بين بلدات: تل خطرة ـ أبو جريف ـ كرسيان ـ البرسة ـ أبو دفنة، حيث كانت قد اثبتت تلك الوحدات جهوزية هجومية واسعة ومتماسكة بعد سرعة التقدم وثباته، بالرغم من ان منطقة عملياتها تعتبر أكثرها تحصيناً وتحشيداً للمجموعات الإرهابية وخاصة جبهة تحرير الشام والحزب التركستاني، جاء وقف اطلاق النار الذي رعته روسيا بطلب من الأتراك في التاسع من الشهر الجاري، ليفرمل هذا التقدم الميداني للجيش العربي السوري.
وقف إطلاق النار هذا جاء حينها في توقيت غير مناسب أبداً لناحية الموقع الذي جُمّدَت فيه الوحدات العسكرية السورية، والتي كانت تحتاج للتقدم اكثر والتمركز على علو تل الأغر وتل الدبس وتل خطرة ومعصران وتل منّيس، وذلك لحماية وحداتها وإخراجها من المنطقة المكشوفة بين أبو جريف وكرسيان والبرسة وتاح، وقد استغلت المجموعات الارهابية التمركز غير المحمي لوحدات الجيش وتقيد الاخير بوقف اطلاق النار، وانقضت عليه، مع تواطوء من نقاط المراقبة التركية، بعشرات السيارات والاليات المفخخة التي يقودها انتحاريون، ليحصل بعض التراجع وإعادة الانتشار لوحدات الجيش بعد أن سقط له بعض الشهداء والمصابين.
استراتيجياً وسياسياً
أيضاً مع التقدم المذكور أعلاه، ارتفعت الاصوات الاقليمية والدولية، تركية واوروبية واميركية، حول وجوب حماية المدنيين في ادلب ووقف العمليات العسكرية، والسبب هو كالعادة عرقلة تحرير ادلب من الارهابيين، ومنع عودة سلطة الدولة السورية إلى تلك المنطقة، في محاولة لتأخير ذلك قدر الامكان إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2021.
لقد اصبح واضحاً ايضاً أن الموقف الروسي هو مقيّد بعض الشيء مع الاتراك لأسباب استراتيجية تتعلق بمصالح اقتصادية مشتركة مع انقرة، ما بين مشاريع تزويد الاخيرة بصواريخ اس 400 وربما بقاذفات سوخوي 35، وما بين استكمال خط سيل الغاز الروسي نحو اوروبا عبر تركيا، وايضاً هو مقيد ( الموقف الروسي) بمواقف سياسية تتعلق بمحاولته انتزاع تركيا من الحضن الاميركي ومن حضن الناتو.
وعليه، بعد أن اعلن الروس رسميا وعلى لسان الناطق باسم وزارة الدفاع، عن الاصابات التي سقطت للجيش العربي السوري منذ حوالي 48 ساعة الاخيرة، نتيجة الاعمال الانتحارية التي نفذها الارهابيون خلال وقف اطلاق النار الذي طلبته تركيا، حيث كان هذا الاعلان مؤشرا واضحا لتخلي موسكو عن وقف اطلاق النار وتسهيل تقدم وحدات الجيش العربي السوري، بدات تلك الوحدات تتقدم على تخوم معرة النعمان جنوب أدلب، وغرب حلب باتجاه صالة الليرمون ومحيطها.
من هنا، وبعد ان أثبت الارهابيون أنهم لا يلتزمون باي وقف لاطلاق النار، وأعمالهم الارهابية على مدار فترة طويلة تؤكد ذلك، وبعد أن تيقن الروس، وللمرة العاشرة ربما وأكثر، أن أنقرة غير قادرة او غير صادقة في الالتزام بضبط حركة الارهابيين في المنطقة التي ترعاها، وتنشر فيها اثنتي عشرة نقطة مراقبة عسكرية، هل ستتخذ موسكو قرارا نهائيا بدعم تقدم الجيش العربي السوري وتحرير أدلب ومحيطها، عسكريا وديبلوماسيا، أم أنها لن تخرج من لعبة المصالح المشتركة مع الاتراك، معتبرة انه في ذلك امكانية لاضعاف النفوذ الاميركي في المنطقة وخاصة في الشرق السوري، الامر الذي سيكون في بعده الاستراتيجي مناسبا للدولة السورية بطريقة غير مباشرة؟
الانتظار وحده كفيل بتقديم الإجابة على هذا السؤال.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024