آراء وتحليلات
أهداف التغييرات المهمة في تركيبة النظام السياسي الروسي
جورج حداد
في الأسبوع الماضي جرت في روسيا تغييرات سياسية مهمة كان المبادر إليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وتهدف هذه التغييرات الى تعزيز الجبهة الداخلية والنظام السياسي الروسي بما يتجاوب مع النجاحات التي حققتها السياسة الخارجية الروسية بمواجهة الحملة الاميركية الغربية الشرسة ضد روسيا، خصوصا عن طريق العقوبات الاقتصادية القاسية التي حفرت هوة عميقة بين روسيا واميركا بات من الصعب جدًا ردمها بدون هزيمة للاستراتيجية العدوانية الأميركية وإحداث انقلاب جذري في النظام السياسي الأميركي.
وكانت نقطة الانطلاق لهذه التغييرات في الخطاب السنوي الذي يلقيه الرئيس بوتين أمام كامل أعضاء مجلس النواب وجميع الشخصيات الفاعلة في الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية والاعلامية في روسيا.
وبعد استعراض النجاحات التي حققتها روسيا في السياسة الخارجية والاقتصادية والعلمية والتسليحية، توقف الخطاب عند نقطتين مهمتين هما:
أ ـ ضعف مواجهة مسألة تحفيز زيادة عدد السكان، عن طريق تحسين رعاية الاطفال ودعم زيادة الانجاب بالتقديمات الاضافية للعائلات متعددة الاطفال.
ب ـ ضعف مواجهة مسألة مكافحة الفقر، برفع الحد الادنى للاجور، وزيادة الخدمات التي تقدمها الدولة والانظمة الاجتماعية للمواطنين الاكثر حاجة.
وفي خطابه السنوي اقترح بوتين اجراء استفتاء شعبي قريب حول اقتراحاته لاجراء تعديلات دستورية تتعلق بزيادة صلاحيات البرلمان الروسي، بحيث يعهد للبرلمان اقتراح اسم رئيس الوزراء ونوابه والوزراء الفيديراليين، ويكون الرئيس ملزما بالموافقة على ترشيحات البرلمان. وهي صلاحيات كانت منوطة حتى الآن بالرئيس، على أن لا يعني ذلك تغيير النظام الرئاسي في روسيا وهو النظام الأنسب لهذا البلد الكبير ومتعدد القوميات، بحيث يبقى الرئيس ينتخب من قبل الشعب مباشرة وتكون الحكومة مسؤولة أمامه كما ستكون مسؤولة أمام البرلمان، ويمكن للرئيس سحب الثقة برئيس الوزراء وأي وزير على حدة. ولم يحدد موعدًا لاجراء الاستفتاء ولكنه سيجري بعد صياغة التعديلات الدستورية من قبل الرئيس والبرلمان. كما لم يحدد سقفًا زمنيًا للشروع في تطبيق هذه الاصلاحات الدستورية.
وقال بوتين إنه من أجل حل مسألة "الصلاحيات المتشابكة" للسلطات والانقطاع بين مختلف المستويات، وخصوصًا بين سلطة الدولة وسلطة البلديات، ينبغي أن تحدد نصوص الدستور السلطة العامة بوصفها نظامًا موحدًا. وينبغي تدعيم الصلاحيات والامكانيات الفعلية للادارة الذاتية المحلية. وفي الوقت ذاته ان يبقى النظام السياسي في روسيا نظاما رئاسيا قويا، وان يحتفظ الرئيس بحقه في اقالة رئيس الوزراء والوزراء الفيديراليين.
اما في الدستور الحالي فإن الرئيس هو الذي يقترح رئيس الوزراء والوزراء ويحصل على موافقة مجلس النواب.
واقترح بوتين ان يتضمن الدستور نصا يلزم المرشح لرئاسة الجمهورية ان يكون عاش في روسيا 25 سنة متواصلة وان لا يكون حاصلا على جنسية اجنبية ولا على اقامة دائمة في بلد اجنبي. اما النص الحالي في الدستور فهو يلزم المرشح للرئاسة ان يكون عاش في روسيا على الاقل 10 سنوات.
كما اقترح بوتين ان تتضمن التعديلات الدستورية نصا يمنع الاشخاص الذين يملكون جنسية ثانية او تصريح اقامة دائمة في بلد اجنبي، من اشغال مناصب حساسة لامن الدولة وسيادتها. بعد هذا الخطاب للرئيس تقدمت الحكومة الفيديرالية برئاسة دميتري ميدفيدييف بالاستقالة، وعين ميدفيدييف نائبا لرئيس لجنة الامن القومي الروسي.
هذا وقد رشح الرئيس بوتين وزير الضرائب الحالي ميخائيل ميشوستين لمنصب رئيس الوزراء الجديد وعهد اليه تشكيل الوزارة الجديدة التي ستحل محل وزارة ميدفيدييف الحالية.
وميشوستين هو في الـ53 من العمر، تكنوقراطي في سلك الدولة وكان لاكثر من عشرين سنة رئيسا لمصلحة الضرائب الروسية ثم وزيرا للضرائب، وهو من الفريق التكنوقراطي للرئيس بوتين منذ مجيئه الى مركز الرئاسة. وميشوستين هو مستقل حزبيا وليس لديه ميول ومطامح سياسية خاصة. وقد قام بتحديث مصلحة الضرائب وادخل فيها النظام الرقمي، وحسّن بشكل ملحوظ جباية الضرائب في روسيا. ويتوقع المتابعون ان يقود ميشوستين ورشة كبرى لتحديث عمل اجهزة الدولة الروسية، السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية والاجتماعية، وتطبيق انظمة العمل الرقمية فيها. وكان الرئيس بوتين قد رشح ميشوستين وصادق عليه البرلمان فورا.
وطوال الـ10 سنوات التي تولى فيها ميشوستين وزارة الضرائب اتصف بالتكتم والامتناع عن الخوض في الشؤون السياسية. وفي لقاءاته الصحفية النادرة كان يقتصر على الحديث عن المستجدات في الحقل الضرائبي. ويصفه الموظفون الحكوميون ورجال الاعمال بأنه اختصاصي ومدير فعال، ويفهم جيدا الاقتصاد، وهذا ما يؤهله حاليا لأن يكون رجل المرحلة، في وقت تشتد فيه الحاجة الى تحديث الاقتصاد ورفع مستواه. وميشوستين يمتلك التجربة الضرورية لتحقيق هذا الهدف، كما كتب بعض المحللين السياسيين.
ان التغيير الوزاري الأخير في روسيا والاصلاحات الدستورية المرتقبة تهدف الى:
ـ1ـ تعزيز الدور العملاني (السلطة التنفيذية) للوزارة والتي ستصبح منبثقة من البرلمان ومسؤولة امام المؤسسة البرلمانية والمؤسسة الرئاسية في الوقت ذاته.
ـ2ـ تعزيز دور البرلمان وتنشيط الحياة البرلمانية، بحيث يصبح البرلمان هو الذي يرشح رئيس الوزراء والوزراء الفيديراليين، وتطبيق مبادئ الاكثرية والاقلية والموالاة والمعارضة في البرلمان، في الوقت ذاته الذي تكون فيه الوزارة مسؤولة امام المؤسسة الرئاسية.
ـ3ـ رفع المستوى الدستوري للمؤسسة الرئاسية، التي تتحول الى مرشد عام ومراقب عام للسلطتين التشريعية (البرلمان) والتنفيذية (الحكومة).
ـ4ـ تحويل روسيا من النظام الرئاسي البسيط كما هو الان، الى النظام الرئاسي الاعلى، وهو النظام الرئاسي ـ البرلماني.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*كاتب لبناني مستقل
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024