آراء وتحليلات
لبنان 2019: ضغوطات أميركية هائلة لا تُضعِف العهد والمقاومة
محمد أ. الحسيني
استهلّ العام 2019 بمخاض صعب تمهيداً لولادة حكومة جديدة برئاسة سعد الحريري. وكان التصلّب سمة التعاطي الذي أبداه الحريري خلال مشاورات التأليف، ولا سيّما في رفضه تمثيل نواب اللقاء التشاوري بمقعد الوزير السنّي، وإقفال أبوابه أمام أي معالجة معتمداً أسلوب تقطيع الوقت والهروب إلى الأمام وتأجيل الحل للمشكلة، في رهان على تغيّرات داخلية أو خارجية تفرض واقعاً جديداً يمكّنه من فرض شروطه في صياغة شكل الحكومة وتحديد أطرافها وتوازناتها. وبرّر الحريري هذا التعنّت بأنه لا يريد "تزعّم حكومة بأي ثمن وبلا ضوابط سياسية تقوم على الشراكة والتوازن، كما لا يحبّذ حكومة يكون لحزب الله فيها اليد الطولى، لأن هذا الأمر يقحمه في اشتباك سياسي مع المجتمعَين الدولي والعربي، وهو ليس من النوع الذي يسلّم رئاسة حكومة لغيره". وبعد نحو ثمانية أشهر على التكليف رأت الحكومة النور، وهي الخامسة والسبعون بعد الاستقلال، والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، والثالثة التي يرأسها الحريري، وصدرت مراسيم تشكيلها في 31 كانون الثاني 2019، وضمّت 30 وزيراً بينهم أربع نساء للمرة الأولى، وعكست تمثيلاً متوازناً للقوى السياسية، وتوزيعاً متكافئاً للحقائب الوزارية.
واشنطن تضع فيتو على حزب الله في الحكومة
استدرج هذا التشكيل موقفاً أمريكياً مستنكراً عبّرت عنه وزارة الخارجية التي دعت الحكومة الجديدة إلى ضمان ألاّ توفّر موارد الوزارات وخدماتها دعماً لحزب الله، أمّا مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي الذي زار بيروت محمّلاً بحزمة تهديدات وشروط على الحكومة، فأعرب عن امتعاض إدراته من حصول حزب الله على حقائب وازنة في الحكومة ولا سيّما وزارة الصّحة، لأن هذا الأمر "يظهر الحزب بموقع القوي"، على الرغم من حملة العقوبات التي تشنّها واشنطن على المقاومة في لبنان، وكرّست السفيرة الأمريكية في بيروت إليزابيث ريتشارد هذا الموقف بالتحذير من أن "العقوبات الأميركية ستطال أي وزارة يشارك بها حزب الله أو يكون مسؤولا عنها"، مؤكدة أن بلادها "لن تقبل اليوم بعدم مواجهة حزب الله بذريعة الحفاظ على الاستقرار". ووفق النغم نفسه، هاجم رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الحكومة التي "يسيطر عليها حزب الله" بحسب قوله، فيما اعتبرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن حزب الله "نجح بمناورته الجديدة في الحصول على ثلاث وزارات أبرزها وزارة الصحة".
حزب الله يكسر الفيتو الأميركي
استطاع حزب الله كسر الفيتو الأمريكي على تمثيله في الحكومة وتسلمه حكومة وازنة، ورفع شعاراً رئيسياً عنوانه مكافحة الفساد ومحاكمة الفاسدين وصولاً إلى استعادة الأموال المنهوبة ومعالجة ملفي النفايات والكهرباء وتأمين نظام طبي مناسب للمواطن اللبناني، مؤكداً على أن تكون الحكومة محلّ خدمة للناس وتمارس الإدارة السياسية الصحيحة، فهي ليست للمكاسب الشخصية أو الطائفية أو الحزبية، وأن وزراء حزب الله سيقدّمون النموذج في الأداء الحكومي، كما أعطوه سابقاً.
بومبيو في لبنان للهجوم على حزب الله
في ظل المستجدّات السياسية الداخلية قررت الإدارة الأمريكية الدخول المباشر على خط العرقلة والتأزيم، فأوفدت مطلع شهر آذار مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد ساترفيلد إلى لبنان، تمهيداً لزيارة وزير الخارجية مايك بومبيو إلى بيروت، وجهدت في تزخيم الضغط الأمريكي على الحكومة اللبنانية للتشدّد في تنفيذ العقوبات على حزب الله بهدف خنقه سياسياً ومالياً، وحرص ساترفيلد على ربط هذا الضغط بحزمة العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران، لا سيما في أعقاب "مؤتمر وارسو" الذي عقد تحت عنوان مواجهة النفوذ الاقليمي الإيراني. والتقى ساترفيلد قوى 14 آذار سعياً لإنشاء لوبي يصعّد ضد حزب الله في موازاة الهجوم الأميركي في المنطقة، وكانت لهجته خلال اللقاءات التي أجراها مرتفعة وحادّة، مستخدماً لغة الوعيد والتحذير، والتأكيد على "ضرورة الحدّ من تأثير حزب الله في السياسات الحكومية"، موضحاً أن "المعركة مع الإيرانيين وحلفائهم في المنطقة قد فُتحت، وكل الأسلحة صارت مباحة حتى لو أدّى ذلك إلى زعزعة الاستقرار اللبناني"، ولم يغفل ساترفيلد إبلاغ من التقاهم "استياء" إدراته من الموقف الرسمي اللبناني، ولا سيما تماهي الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل في مواقفهما مع حزب الله.
إذاً هي هجمة أمريكية – غربية منّسقة على حزب الله، رسمت لها الإدارة الأمريكية أجندة واضحة هدفت إلى شيطنة الحزب أولاً بتصويره عامل تهديد لاستقرار لبنان والمنطقة والعالم، معتمدةً سياسة متعدّدة الأضلاع لحصار المقاومة سياسياً ومالياً واجتماعياً، مع التشديد على عدم فصلها عن سوريا وإيران كمحور معادٍ للولايات المتحدة. وفي المقابل سعت واشنطن إلى محاولة الفصل بين حزب الله من جهة وبين رئيس الجمهورية وحلفائه من الأحزاب السياسية من جهة ثانية مستخدمة سياسة الترهيب والترغيب آملة إلزام الحكومة اللبنانية بالانضمام الى هذا النهج، وتحويل حزب الله الى حزب سياسي أعزل. ولخدمة هذا الهدف نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية بتاريخ 15 حزيران تقريراً زعمت فيه أن "حزب الله كثّف أنشطته خارج الحدود الجغرافية اللبنانية، لتصل إلى مختلف مناطق الشرق الأوسط"، وأشارت إلى إحباط ما أسمته "مؤامرات خطط لها حزب الله في 3 قارات، هي أميركا الجنوبية وآسيا وأوروبا"، وتوقعت "وصول أنشطة حزب الله المشبوهة إلى الولايات المتحدة نفسها".
اندفاع واشنطن بكبار مسؤوليها إلى واجهة التحرّك في لبنان جاء بعدما لمست فشل وكلائها في لبنان بتنفيذ المهام المكلّفين بها، وهي تعتقد أن القضاء على حزب الله يفسح المجال أمام تحقيق الكثير من الأهداف أهمها: إزالة أي تهديد أمني حيال "إسرائيل" ووضع لبنان بحدوده البريّة والمائية وبثروته النفطية تحت الوصاية الأمريكية، وقطع الطريق أمام توجّهه نحو الشرق إلى روسيا والصين، وهو ما دفع بومبيو إلى توقيت زيارته إلى بيروت في 21 آذار قبل ثلاثة أيام من زيارة الرئيس ميشال عون إلى موسكو.
شدّد بومبيو خلال لقاءاته مع الرؤساء الثلاثة عون وبري والحريري ونظيره اللبناني جبران باسيل على أن واشنطن مستمرة في خطوات الضغط على إيران وحزب الله "الذي يتحدّى الدولة وشعب لبنان من خلال جناحه الإرهابي الملتزم بنشر الدمار". وفي أسلوب ابتزازي سافر دعا بومبيو الشعب اللبناني إلى "التصدّي لهذا الحزب وتهديداته.. وفي المقابل ستبقى الولايات المتحدة صديقًا للشعب اللبناني وتستمر في مساندة ودعم مؤسسات الدولة الشرعية في لبنان"، ولكن الرجل سمع ما لم يكن ينتظره حيث أكد الرئيس عون أن "حزب الله لا يُقدم على أي أمر يُسيء للاستقرار، وليس لديه دور مسلّح في الداخل والجيش يقوم بواجباته، وهو حزب لبناني ممثّل في مجلس النواب وفي الحكومة، ومنبثق عن قاعدة شعبية تعيش على أرضها وفي قراها وتمثّل إحدى الطوائف الرئيسية في البلاد". أما الرئيس بري فقد أكّد لبومبيو أن "حزب الله هو حزب لبناني وموجود في البرلمان والحكومة، ومقاومته واللبنانيين ناجمة عن الاحتلال الاسرائيلي المستمر للأراضي اللبنانية"، فيما أكّد باسيل على "التمسّك بوحدتنا الوطنية، فحزب الله حزب لبناني غير إرهابي ونوابه منتخَبون من قِبل الشعب وبتأييد شعبي كبير، وتصنيفه إرهابياً لا يعني لبنان". أما الحريري فقد أبلغ ضيفه الأمريكي أن "الحكومة تتقيّد بحرفية ما ورد في بيانها الوزاري حول النأي بلبنان عن الصراعات الدائرة في المنطقة، وتحييده عن النزاعات العسكرية فيها، إضافة إلى التزامها بمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال".
* السيد نصر الله: يسعدنا أن يعتبر بومبيو أن حزب الله هو عقدته
وفي موازاة ذلك أكّد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله: "يسعدنا أن يعتبر بومبيو أن حزب الله هو عقدته.. وأن تكون إدارة ترامب غاضبة منا، فالإدراة الاميركية في ثقافتنا هي الشيطان الأكبر، وهذا يؤشر على رضى الله علينا"، مؤكداً أن "ما قاله بومبيو عن حزب الله جعلنا نزداد إيماناً ووعياً وبصيرة في أننا في الموقف الصحيح، وأننا نحن في انتمائنا وفي سلامة موقعنا وخياراتنا". وأوضح سماحته أن "الهدف الحقيقي للزيارة هو تحريض اللبنانيين على بعضهم بعضاً، فالاميركيون منزعجون أن لبنان آمن ومستقر، وأن اللبنانيين رغم الخصومات يدوّرون الزوايا وحريصون على العيش وتحييد البلد عن الصراعات الاقليمية".
ديفيد هيل بعد بومبيو
لم تكد مفاعيل زيارة بومبيو تنتهي حتى أطلّ مساعده للشؤون السياسية ديفيد هيل، وكانت زيارته إلى بيروت في نيسان مخصّصة لضخ الدم في شرايين وكلاء واشنطن اللبنانيين، ودفعهم إلى المزيد من التصعيد في وجه حزب الله، وتزامن ذلك مع تشديد العقوبات على رجال أعمال في البيئة الحاضنة للحزب، في خطوة تهدف إلى فك الارتباط بينه وبين حلفائه باعتبارهم يشكّلون الغطاء السياسي له، وفق النظرة الأمريكية.. وسرعان ما انطلقت المواقف الداخلية من قوى ما يسمّى 14 آذار في حملة منسّقة على حزب الله و"دويلته" داخل الدولة اللبنانية، وعلى سلاح المقاومة واعتباره تهديداً للاستقرار الداخلي، في تكرار مطابق للمواقف الأمريكية والإسرائيلية.
مكافآت مالية في واشنطن لمن يدلي بمعلومات تساهم في كشف موارد حزب الله المالية
تقاطعت هذه الحملة مع إطلاق واشنطن مبادرة ترمي إلى "تجفيف تمويل حزب الله"، وذلك بتقديم مكافآت مالية تصل قيمتها إلى 10 ملايين دولار لمن يدلي بمعلومات تفيد في تحقيق تلك الغاية. وكشف بيلينغسلي أن هدف هذه الحملة "عزل حزب الله وكشف موارده المالية، واستهداف زعمائه في أي مكان بالعالم"، أما مساعد وزير الخارجية لشؤون الأمن الدبلوماسي مايكل إيفانوف، فقال إن "الحكومة الأميركية تريد قطع إمداد حزب الله المالي عبر الاستفادة من أي معلومة تساعد في ذلك، وأن هذه المعلومات ستكون سرية، ويستطيع المقيمون خارج الولايات المتحدة تقديم معلوماتهم للسفارات والقنصليات الأميركية". والواقع أن هدف هذه المكافأة ليس الحصول على معلومات حول تمويل الحزب بقدر ما هو لزرع الفتنة بين اللبنانيين، فالأميركيون يعرفون تمام المعرفة أن مصادر تمويل حزب الله تأتي من إيران، وليس له أي علاقة بالنظام المصرفي اللبناني، وبأي تعاملات مصرفية محلية أو خارجية. ودخل المبعوث الاميركي الخاص إلى إيران براين هوك على خط التهديد، فأعلن أن "الإدارة الاميركية لم تسقط خيار العقوبات عن المقرّبين من حزب الله عن الطاولة، وكل من يقدّم مساعدات له سيخضع للعقوبات"، وقال في حديث تلفزيوني: "نحن سنغيّر الواقع في لبنان من خلال الضغط على ايران"، وأضاف: "نحن سنقف الى جانب الشعب اللبناني، في حين لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها ضد الهجمات من جانب حزب الله".
أصوات خليجية ـ عربية تنضم الى الحرب الأميركية على حزب الله
وانضم الصوت العربي – الخليجي، ولا سيما السعودي والإماراتي منه، إلى حفلة الضوضاء الأمريكية وعبّرت صحيفة "عكاظ" عن الموقف السعودي في مقال نشرته بتاريخ 22 أيار بعنوان "كيف نقضي على حزب الله؟" اعتبرت فيه أن "إضعاف قوة الحزب السياسية من أسبابها تقوية موقع رئاسة الحكومة، فهذا الموقع هو الرمز الحقيقي والتنفيذي للدولة.. ومن الضروري تغيير قانون الانتخاب.. ومقاطعة كل وزارة يتولاها الحزب، أو كل مؤسسة داخل الدولة تسلّل إليها الحزب تعييناً أو انتخاباً، وفرض عقوبات على كل مسؤول أو موظف يمثّل الحزب في الدولة أيّاً يكن موقعه".
نجحت الضغوط الأمريكية في استجرار موقف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس يصبّ في خانة تكثيف الحملة على حزب الله والمقاومة، حيث طالب في تقريره نصف السنوي "بنزع سلاح حزب الله"، معتبراً أن "استمرار تدخّل الحزب في سوريا قد يغرق لبنان في نزاعات إقليمية تهدّده"، وشدّد غوتيريس في تقريره على "ضرورة احتكار الدولة اللبنانية امتلاك الأسلحة واستخدام القوة لأن وجود ميليشيات مسلّحة يهدّد أمن لبنان واستقراره" على حدّ قوله. وجاء ردّ حزب الله بالتأكيد أن "قوة الحزب وجاهزيته هي من أجل حماية لبنان وأراضيه وثرواته في إطار وحدة الجيش والشعب والمقاومة"، وحمّل نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم هذا الموقف للممثّل الشخصي للأمين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيش الذي التقاه، مشدّداً على أن "حزب الله يعمل مع الأفرقاء اللبنانيين كافة من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والتوازن المالي والتعافي الاقتصادي".
غوتيريس تلقّى في المقابل رسالة وقّعها 240 عضواً من الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس الأميركي بتاريخ 18 تشرين الثاني، تحثّه على قيادة حراك دولي للحدّ مما أسموه "نفوذ حزب الله"، محذّرين من عواقب "نزاع محتمل بين لبنان وإسرائيل"، وأعربوا عن بالغ قلقهم إزاء ما اعتبروه "انتهاكات خطيرة متواصلة للقرار رقم 1701 وما ينجم عن ذلك من خطر على حليفتنا إسرائيل"، وشدّدت الرسالة على ضرورة أن "تتعامل حكومة بيروت مع تحدّي حزب الله على الفور"، محذّرة من أن "العجز المتواصل للسلطات اللبنانية عن تحقيق هذه المهمة يضر بالعلاقات بينها والمجتمع الدولي، ويزيد من المخاطر على شعب لبنان وأمن إسرائيل".
واشنطن تسعى لتحميل حزب الله مسؤولية الأزمة المالية في لبنان
وفي إطار إحكام الطوق على حزب الله من كل الجوانب، انتقلت واشنطن إلى مقولة تحميل الحزب المسؤولية عن الأزمة المالية في لبنان، وأوعزت إلى وكلائها في الداخل اللبناني لترويج هذه المقولة، باعتبار أن وجوده في الحكومة ومواقفه المعادية للولايات المتحدة والدول الغربية و"إسرائيل"، وتدخّله العسكري في سوريا، يدفع الدول المانحة الغربية منها والعربية للإحجام عن مساعدة لبنان، وبالتالي فالمطلوب إلغاء هذا الوجود لينعم لبنان بالرخاء المالي والانتعاش الاقتصادي، وبموازاة ذلك حذّر ساترفيلد من أنّ أي تحرّك لحـزب الله سوف يواجه بتحميل لبنان المسؤولية، مع كل ما يترتّب على الامر من نتائج، منبّهاً الحكومة من أن أي "خرق للنأي بالنفس سيلقى الرد المناسب"، ونقل الموفد الأمريكي الذي زار بيروت في شهر أيار تحذيراً بقطع المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني، في حال ساهم أو غطّى أي عمل عسكري للحزب ضد "إسرائيل".
في المقابل، أكّدت مصادر عسكرية رفيعة المستوى أن العماد جوزف عون كرّر على مسامع الأميركيين، في زياراته الأربع للولايات المتحدة منذ تولّيه قيادة الجيش، أن "حزب الله مكوّن لبناني أساسي، والاتفاق السياسي في البلاد هو في اعتبار السلاح سلاحاً للدفاع عن لبنان بوجه العدوان الإسرائيلي". وأضافت المصادر، وفق ما ذكرته جريدة الأخبار بتاريخ 30 أيار، أن "عون كان واضحاً في الاجتماع الذي عقد في وزارة الدفاع مع بومبيو، بالتأكيد أن الصدام بين الجيش وحزب الله غير وارد، فما من عاقل في لبنان يكرّر تجربة الحرب الأهلية".
* موقف صارم لحزب الله حول الحدود والصواريخ الدقيقة
وإزاء تسعير واشنطن لحملتها ضد حزب الله، والتي تمظهرت في جانب منها في ملف ترسيم الحدود البريّة والبحرية، كان موقف قيادة الحزب واضحاً، وأبلغه للجهات الرسمية اللبنانية التي بدورها أوصلته للجانب الأمريكي، بالتأكيد على "وجوب تلازم مسارَي ترسيم الحدود البرية والبحرية في آن واحد.. والرفض المطلق لأيّ اقتراحات تفضي للتخلّي عن شبر من الحقوق اللبناني". أما بشأن قضية الصواريخ الدقيقة فقد كان موقف الأمين العام سماحة السيد نصر الله كافياً لإغلاق هذه القضية، حيث أكّد في كلمة ألقاها لمناسبة يوم القدس أن "عدد الصواريخ التي بحوزة حزب الله كافٍ، وهذه الصواريخ تطال كل الأهداف المطلوبة في الكيان الإسرائيلي".
عقوبات أميركية على رعد وصفا وشري
اندفعت واشنطن قدمًا باتجاه تحقيق أهادف أجندتها المرسومة ضد حزب الله، فأعلنت وزارة الخزانة الأميركية شمول العقوبات رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد وعضو الكتلة النائب أمين شري ومسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، مع العلم أن نواب حزب الله يتقاضون رواتبهم نقداً، وليس لديهم حسابات في أي مصرف، كما أن المصارف اللبنانية ملتزمة التعميم الصادر عن المصرف المركزي "بعدم التعامل مع من تشملهم العقوبات الاميركية".
جاءت هذه الخطوة كإشارة تحذير أمريكية أنه إذا لم تتعاون الحكومة والمجلس النيابي مع الولايات المتحدة فإن العقوبات ستطال حلفاء حزب الله في المجلس النيابي والحكومة ورجال الأعمال بلا استثناء، وبشكل تدريجي، واستبطن هذا التهديد سعياً أمريكياً لإجراء ما يشبه المقايضة مع الحكومة اللبنانية، تتعلق بفرض توطين الفلسطينيين في لبنان، وإلا فإنها ستلجأ أيضاً إلى تحريك المحكمة الدولية باتجاه اتخاذ قرارات تصبّ في خانة تحقيق هذا الهدف.
موقف صلب للرئيس عون بوجه الضغوطات.. مقابل موقف متضعضع للحريري
ويبدو أن الحملة الأمريكية تركت تأثيرها الواضح على الحريري، وانعكس ذلك في حركته ونشاطه الحكومي المتعثّر، وسعى في زيارته التي أجراها منتصف شهر آب إلى واشنطن للتأكيد أمام المسؤولين الأمريكيين الذين ناقشوه في إجراءات حكومته إزاء حزب الله، أنه ملتزم بسياسة "النأي بالنفس والمضيّ بالمسار الإصلاحي"، ولمس مّمن التقاهم وفي مقدّمتهم بومبيو أن "واشنطن مستمرّة في ممارسة الضغوط على الحكومة في مواجهة حزب الله.. وأن العقوبات التي تبحث واشنطن فرضها لن تقتصر على النواب اللبنانيين الشيعة.. وإذا كانت حكومة لبنان غير قادرة على ضبط حزب الله، سنقوم نحن بذلك بدلاً منهم". وأمام هذا التهديد المباشر لم يجد الحريري سوى التحدّث بلغة العاجز فقال: "لا نستطيع تغيير موقف الإدارة الأميركية من العقوبات ضد حزب الله، ولكننا نعمل على تجنيب لبنان أي تبعات".
في المقابل كان موقف الرئيس عون محل إشادة من قبل السيد نصر الله الذي نوّه "بالموقف الرسمي الشجاع"، وقال في كلمة ألقاها في مهرجان ذكرى الانتصار: "عندما يكون لدينا موقف رسمي شجاع وقوي وجيش قوي وشعب ومقاومة لن يستطيع أحد أن يلحق الأذى بنا"، ولفت إلى أن "حزب الله الذي أرادوا سحقه تحوّل إلى قوة ذات حضور إقليمي"، مؤكداً أن "الذي يمنع اسرائيل من أن تشن حرباً على لبنان هي قوة الردع في لبنان"، وحذّر سماحته من أن "الحرب على إيران تعني حرباً على كل محور المقاومة وتعني أن كل المنطقة ستشتعل".
عقوبات أميركية على مصرف "جمّال ترست"
وإمعاناً في الضغط الاقتصادي على لبنان أعلنت الإدارة الأمريكية أواخر شهر آب فرض عقوبات على مصرف "جمّال ترست" بذريعة ضلوعه في رعاية وتقديم الأموال لحزب الله ومؤسسة الشهيد ودعمه تكنولوجيًّا، وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية المصرف إلى جانب ثلاث شركات تأمين تابعة له على لائحة العقوبات"، ولقي هذا القرار ترحيباً من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي وصفه بـ"الخطوة المهمة في إطار ممارسة الضغط على إيران والجهات الموالية لها التي تعمل ضد دولة إسرائيل"، داعياً "دولاً أخرى إلى التحرك ضد العدوان الإيراني في الشرق الأوسط"، على حد قوله.
وأكّد مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة الاٍرهاب مارشال بيللينغلسي أن "الولايات المتحدة ستفرض عقوبات على كل فرد أو مؤسسة تقدم دعماً لحزب الله بمعزل عن انتمائهم أو جنسياتهم وبغضّ النظر عن دينه وعرقه"، وقال: إن "مسؤولية صحة النظام المالي اللبناني تقع على عاتق الحكومة اللبنانية والمصرف المركزي، وكل المخاطر التي تواجه النظام المالي اللبناني هي بسبب حزب الله". بيللينغلسي الذي زار بيروت في شهر أيلول خصص زيارته للتأكّد من أنّ حاكمية مصرف لبنان" باشرت إخضاع بنك "جمال ترست" للتصفية تحت إشرافها"، وأبدى ارتياحه للخطوة الّتي أقدم عليها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، على طريق تصفية البنك، وأشاد "بالتعاون القائم مع جمعية المصارف، ومصرف لبنان، لمكافحة الإرهاب وتبييض الأموال وتجفيف الأصول المالية لإيران وحلفائها في المنطقة".
وإزاء الموقف الأمريكي المتكرّر جدّد وزير الخارجية جبران باسيل تأكيده أن "حزب الله جزء من الحكومة ومن شعبنا، حتى لو أزعج ذلك الإدارة الأميركية، ولا يمكن أن نقبل أن يتم وصف ثلث سكان لبنان بالإرهابيين". أما حزب الله فأكّد أن العقوبات الأمريكية لا تعنيه ولا تترك أي تأثير فعلي عليه، وهي ليست عقوبات على طائفة، بل عقوبات على كلِّ لبنان من دون استثناء، ومن هنا فإن مسؤولية المواجهة، وفق ما صرّح به الشيخ قاسم، "تقع على جميع المعنيين والمسؤولين في لبنان من أجل وضع حدٍ لهذا السلوك الأميركي الشائن الذي يطال الناس"، وكشف سماحته أنّ "هناك جهات داخليّة هي جزء من منظومة الترويج للأميركيّين وعقوباتهم، وتتولّى رفع تقارير دوريّة للأميركيّين، وتقترح عليهم إجراءات معيّنة حول كيفيّة مواجهة حزب الله في لبنان".
دايفيد شينكر يضغط في ملف ترسيم الحدود
المهمة التي بدأها ساترفيلد أكملها خلفه دايفيد شينكر الذي كان صريحاً في الإعلان عن الملفات التي تركّز عليها إدارته. وإذ استعاد تصريحات سلفه في الحديث عن العقوبات المالية على إيران وحزب الله، أعلن عن جولة جديدة من العقوبات، إلا أنه هذه المرّة ركّز في حديثه في 28 أيلول على قضية ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، لا سيّما مع عزم لبنان المباشرة باستخراج النفط من الحقول المكتشفة في المياه الإقليمية اللبنانية، مشيراً إلى "اكتشافات هائلة من الغاز في شرق المتوسط، وهناك كثير من الفوائد الاقتصاديّة إذا تمّ ترسيم الحدود"، وقال: "إنّنا في المراحل النهائية في تلك المحادثات، وننتظر من لبنان الموافقة على اتفاق إطار العمل ونشجّعهم على المضي في ذلك، لأنّ لبنان لديه ديوناً تمثّل 165 في المئة من الناتج القومي الإجمالي، وهي أعلى معدّلات للديون في العالم، وهناك رقعتان رقم 9 و10 على الحدود مع إسرائيل فيهما استكشافات لحقول غاز طبيعي يمكن أن توفّر احتياطيًّا للغاز الطبيعي لإسرائيل لمدّة 45 عامًا. ولبنان يمكنه أن يستفيد بالحصول على أموال في الوقت الحالي، وآمل أن يتمّ ذلك وتقرّر الحكومة اللبنانية أن ذلك في مصلحتها، وأن تدخل في هذه المفاوضات وتستغلّ هذه الفرصة"، على حد تعبيره.
واشنطن تستغل المطالب المعيشية
رأت التقديرات الأمريكية أن لبنان وصل في خواتيم العام 2019 إلى مرحلة متأزمة جداً من المأزق المالي والاقتصادي، وهو ما اعتبرته واشنطن نجاحاً لأسلوب الضغوط القاسية التي مارستها في شتى المجالات. وفي 29 تشرين الثاني 2019، أعلن الحريري استقالته من الحكومة بعد 13 يومًا على انطلاق تحرّكات شعبية، لم تبتعد واشنطن عن إدارة جانب منها، ورفعت شعارات مطلبية احتجاجاً على سلسلة ضرائب فرضتها الحكومة وعلى تردّي الوضع الاقتصادي في البلاد. ورأى وزير الخارجية مايك بومبيو الفرصة سانحة لاستعادة نغمة الابتزاز السياسي، فأعلن "استعداد بلاده لمساعدة لبنان من أجل إنعاش اقتصاده لأن الوضع المالي اللبناني خطير جداً والضغوط على البنك المركزي كبيرة، ولكن واشنطن تريد أن ترى تشكيلة الحكومة قبل الاستجابة لطلبات الدولة اللبنانية"، إلا أن ذلك لم يؤثر على عزم الرئيس عون الذي حدّد موعد استشارات نيابية أفضت إلى تكليف الدكتور حسان دياب بتشكيل حكومة العهد الثالثة.
مايك بومبيوديفيد هيلبانوراما 2019
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024