معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

الجيش السوري يتقدم شمالًا.. عملية تحرير واسعة؟
23/12/2019

الجيش السوري يتقدم شمالًا.. عملية تحرير واسعة؟

شارل ابي نادر

يبدو من متابعة حركة تقدم الجيش العربي السوري حاليًا في ريف ادلب الجنوبي الشرقي، أن هدفه سيتجاوز تنفيذ عملية محدودة مستقلة، تشبه عملية تحرير خان شيخون الأخيرة، حين اكتفى يومها بتحرير تلك البلدة الاستراتيجية ومحيطها، بعد أن أمن خطًا دفاعيًا متماسكًا لحماية وحداته والمواطنين في ريف حماه الشمالي. وفيما توحي المناورة الهجومية التي يقودها اليوم بامكانية توسعها الى عدة محاور، الى أين ممكن أن تصل هذه المناورة الواسعة؟ وهل من معطيات جديدة يمكن أن نستنتج منها امكانية وصول هذا التوسع المرتقب الى تحرير كامل منطقة ادلب ومحيطها من الارهابيين؟

انطلاقًا مما تقدم، يمكن توزيع المعطيات التي تحدد الأبعاد الجغرافية للعملية المرتقبة، بين الميدانية من جهة والاستراتيجية من جهة أخرى، وذلك على الشكل التالي:

المعطيات الميدانية:

- واضح من عدد البلدات التي تم تحريرها بنجاح حتى الآن في جنوب شرق ادلب، ومنذ بداية العملية التي لم يمر عليها بضعة أيام حتى الآن، ان الجيش السوري يتقدم بثبات وبتماسك، بالرغم من محاولات الارهابيين الجادة لتاخيره ولعرقلة تقدمه، وحيث اختار منطقة الخرق الاصعب كمحور اساسي للهجوم (سنجار - معرة النعمان)، يستنتج من ذلك انه يؤسس من خلال ضرب النقطة الاقوى، لتوسيع التقدم في العمق نحو معرة النعمان وامتدادا نحو اريحا فمشارف مدينة ادلب الجنوبية، وفي العرض شمالا نحو سراقب فمداخل ريف حلب الجنوبي الغربي بين ايكاردا  والزربة، وجنوبا نحو كفرنبل والبارة.

- رغم وجود نقطتي مراقبة تركيتين في قطاع هجوم الجيش السوري حاليًا، الأولى في صرمان شرق جرجناز، والثانية في معرّ حطّاط جنوب معرة النعمان، فهو كما يبدو سوف يتعامل معها تمامًا كما تعامل مع نقطة المراقبة التركية قرب مورك عند تحريره خان شيخون في نهاية شهر آب / اغسطس الماضي، وذلك من خلال عزلها وتجاوزها، الأمر الذي سيؤدي الى إفقادها اية امكانية لمساندة الارهابيين أو للتأثير في مسار عمليته الهجومية نحو تحرير تلك المناطق.

- ما يدفع أيضا الى استنتاج وجود قرار بتوسيع العملية الهجومية حاليًا، أن الجيش العربي السوري لم يقم بتنفيذ عملية محدودة في ريف حلب الغربي أو الشمالي الغربي، رغم تكاثر الاصابات بين المدنيين في مدينة حلب جراء اعتداءات الارهابيين المتكررة، كما أنّه لم يقم بتنفيذ عملية هجومية محدودة في ريف اللاذقية الشمالي الشرقي نحو كبانة، بالرغم ايضاً من تزايد اعتداءات الارهابيين على وحداته والمدنيين في تلك المنطقة. وحيث اختار المنطقة الاكثر تحشُّدا وجهوزية للارهابيين على طريق حلب - حماه الدولية بين سراقب ومعرة النعمان، يمكن القول انه يخطط للاستفادة من تلك المنطقة كنقطة ارتكاز مناسبة لتوسيع عملياته في أكثر من اتجاه.

 - يخوض اليوم الجيش العربي السوري معركته في ريف ادلب الجنوبي الشرقي في ظل وضع مناسب من ناحية الجهوزية الميدانية والعسكرية، فهو أنهى أغلب عمليات التحرير في مختلف المناطق، وقد مر وقتٌ كافٍ بعد ذلك، استعاد من خلاله كامل جهوزيته التنظيمية والتسليحية والتدريبية، وبالتالي هو الآن يملك القدرة الكاملة لوضع جهود ضخمة لصالح معركة تحرير ادلب ومحيطها بشكل كامل.

 المعطيات الاستراتيجية:

- حتى الآن، تبدو الاعتراضات الدولية على عملية الجيش العربي السوري جنوب شرق ادلب خجولة، وحيث يمكن الاستفادة من تصريحات المسؤولين الروس، العسكريين والسياسيين، عن ضرورة والزامية انهاء وضع بؤرة ادلب ومحيطها الارهابية، والتي تشكل العثرة الأخيرة أمام اكمال المسار السياسي الذي وضعته على السكة عدة اجتماعات ومؤتمرات اقليمية ودولية، من استانة الى سوتشي الى جنيف وغيرها، فإن الأصوات الغربية وخاصة الأميريكية، والتي كانت دائما تواكب أية محاولة سابقة لتحرير ادلب عبر عمل عسكري، هي اليوم شبه غائبة.

- ايضًا، بعد انسحاب بعض وحدات الاحتلال الاميريكي من الشرق السوري، وبعد الاحتلال التركي المحدود بين راس العين وشمال تل تمر حتى عين العرب وشمال عين عيسى، وبعد دخول وانتشار الجيش العربي السوري في اغلب مناطق الشرق، عبر انتشار وحداته فقط، او عبر انتشار مشترك مع وحدات روسية او مع وجود قسد، بالاضافة للانتشار والتحرك المشترك الروسي التركي على الحدود الشمالية، تأتي هذه التجربة شرقا، شبه الناجحة او الناجحة بشكل نسبي، من انتشار سوري شرعي في مناطق واسعة، وانتشار اقليمي دولي متعدد الوحدات الروسية والتركية، لتعطي فكرة عن امكانية نجاحها في ادلب، كمرحلة اولية غير دائمة، تكون تحضيرية لمواكبة انهاء وضع الارهابيين بشكل معقول، قبل الشروع الجدي في مفاوضات التسوية السياسية النهائية.

انطلاقًا من كل ذلك، بين المعطيات الميدانية او الاستراتيجية، اضافة للتوتر الحالي الذي تشهده العلاقات الاميركية التركية، على خلفية التسلح التركي من روسيا والعقوبات الاميريكة المقررة جراء ذلك على انقرة، والذي يبدو اليوم (التوتر التركي - الاميركي) انه جدي وغير مخادع كما تعودنا عليه سابقًا، وما يمكن أن ينتج عنه من انخراط تركي أوسع وأعمق في التفاهم مع روسيا حول انهاء الملف السوري، فإن الميدان في شمال سوريا يحمل الكثير من المعطيات الجدية التي يمكن أن نستنتج منها قرب حصول عملية تحرير واسعة لأغلب مناطق الشمال السوري.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل