معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بعد الانتخابات.. البريكست البريطاني المأزوم
21/12/2019

بعد الانتخابات.. البريكست البريطاني المأزوم

سركيس أبوزيد

ما زالت بريطانيا تواجه مأزق"بريكست" منذ تصويتھا بنسبة 52% من أجل الخروج من التكتل الأوروبي في استفتاء جرى عام 2016، والخروج من ھذا المأزق كان تحديدا ھدف رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون حين دعا إلى انتخابات تشريعية مبكرة، آملا في الحصول على الغالبية المطلقة التي يفتقر إليھا لطي صفحة ھذه المسألة التي تثير شرخاً كبيراً في المملكة المتحدة.

وقال جونسون في حملته الانتخابية: "صوّ توا لحزب المحافظين، وأنجزوا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وادفعوا بلدنا إلى الأمام". وأطلق جونسون حملته على وعود بانسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني وخفض الضرائب مع تمويل التحسينات في خدمات الصحة والتعليم والشرطة والسكك الحديدية، والحد من الھجرة والتفاوض حول اتفاقات تجارية بعد "بريكست" مع الولايات المتحدة ودول أخرى غير أوروبية.

نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخراً، أظهرت فوز حزب المحافظين بأغلبية ساحقة، في حين فقد حزب العمال العشرات من المقاعد، وحقق أسوأ نتيجة انتخابية له منذ عقود. إنه أكبر انتصار للمحافظين منذ عام 1987 وأسوأ هزيمة لحزب العمال منذ عام 1935، وهذا يعني أن المملكة المتحدة في طريقها نحو طلاق بائن مع الاتحاد الأوروبي، لا سيما مع عزم رئيس الحكومة بوريس جونسون إعادة صفقة البريكست إلى البرلمان للتصويت عليها. وبذلك تكون الطريق قد مُھِّدت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فقد أراد رئيس الوزراء جونسون من ھذه الانتخابات كسر الجمود بشأن "بريكست" الذي تعيشه بريطانيا منذ استفتاء 2016، وكان يتطلع الى تأمين أغلبية في مجلس العموم تمكّنه من تنفيذ "بريكست" نھاية كانون الثاني المقبل.  

وفي مواجھة المحافظين المتمسكين بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بزعامة جونسون، مثل زعيم المعارضة العمالية جيرمي كوربن بالنسبة للكثير من الناخبين الطريقة الوحيدة لمنع الانفصال. وتعرض كوربن اليساري لانتقادات بسبب عدم اتخاذه موقفا واضحا من "بريكست". وعلى امتداد الحملة الانتخابية، لم تتوقع أي استطلاعات للرأي أن يكون الفارق بين حزبي العمال والمحافظين بهذا الحجم (161 مقعدا)، بل إن آخر استطلاع للرأي أجري قبل دخول مرحلة الصمت الانتخابي كشف عن أن حزب العمال نجح في تقليص الفارق مع حزب المحافظين.

وتعليقا على ذلك، يصف رئيس مركز "ميدل إيست مونتور" الدكتور داود عبد الله نتائج الانتخابات "بالصادمة"، معتبرا أن كل التوقعات كانت تصب في اتجاه تقارب النتائج بين الحزبين. فموقف الأحزاب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يكن العامل الحاسم الوحيد في اختيار البريطانيين، فقد كان هناك أيضا حملة تعرض لها زعيم حزب العمال جيرمي كوربن حتى من قبل قادة في حزبه، وبالتالي دخل الحزب الانتخابات من دون وحدة الصف؛ مما أثر على قرار الناخب البريطاني". وعن تأثير نتائج الانتخابات على المهاجرين، يرى داود عبد الله أن جونسون سيسعى لتنفيذ سياسة هجرة "أكثر صرامة، وسيطبق النظام الأسترالي، أي استقدام الكفاءات فقط، أما الفئات الهشة، فسيصبح وصولها إلى بريطانيا صعبا جدا".

وعن حالة المفاجأة التي خلقتها نتائج الانتخابات، اعتبر رئيس المنتدى العربي للتفكير في لندن محمد أمين أنها لم تكن متوقعة "لأن أغلب التحليلات كانت تتجه في اتجاه فوز المحافظين، ولكن بأغلبية ضئيلة، ومقابل وضوح رؤية المحافظين في التعامل مع البريكست، اختار جيرمي كوربن الحياد والذهاب للتفاوض من جديد مع الاتحاد الأوروبي إن فاز، ثم يعود للشعب ليقرر إذا أراد الخروج باتفاق أو البقاء، مؤكدا أنه محايد، وهنا يكمن المشكل، ففي المعارك الكبرى الحياد ليس مفيدا، بل هو انتحار ذاتي". فما حدث شكل نوعا من التحول في اختيارات البريطانيين الذين باتوا يميلون إلى حزب المحافظين الذي كان واضحا في برنامجه الانتخابي بخصوص البريكست.

والسؤال هنا، كيف سيكون المشھد المالي الأوروبي بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ودور ألمانيا في المستقبل؟

ھوبرت فاث، المدير الإداري لمركز فرانكفورت المالي، وكبير الاقتصاديين السابق في منطقة آسيا والمحيط الھادئ في دويتشه بنك، وخلال زيارته لبيروت مؤخراً، قال في حديث الى الجمھورية:"أصبح انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أمرا وشيكا. ومن بين التداعيات السياسية والاقتصادية التي ستحدث، التحولات الھائلة في الھيكل المالي الأوروبي نتيجة انفصال لندن عن الاتحاد الأوروبي..... ونتيجة لانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، تم إطلاق الھيكل المالي في أوروبا وستستمر حركات الانتقال لبضع سنوات أخرى. وليس من الواضح تماما الشكل الذي سيكون عليه الھيكل الجديد، لأن ذلك يعتمد على مفاوضات المملكة المتحدة الجارية مع الاتحاد الأوروبي. إلا أن الأمر المؤكد اليوم ھو أن أوروبا القارية ستصبح أكثر استقلالية، خاصة في القطاع المالي. فإذا كنت ترغب في القيام بأعمال تجارية مع الاتحاد الأوروبي في المستقبل، فإننا ننصحك بالتعامل مع المراكز المالية في الاتحاد الأوروبي، وأھمھا فرانكفورت".

في النهاية نجد أن نتيجة هذه الانتخابات أصبحت كفيلة بإحداث تغيير عميق في الحياة السياسية بالبلاد وتشكيل جديد لليسار واليمين فيها، ولا سيما أن الاتجاهات المتشددة في اليسار ووعود رئيس حزب العمال جيرمي كوربين المعسولة والكثيرة كانت كفيلة بتقليل فرصه في هذه الانتخابات. ويتوقع أن يفاقم فوز جونسون من مشاكل المشهد السياسي الداخلي فضلا عن تأزيم العلاقات بالخارج، فحزب المحافظين بات يُشار إليه باعتباره يمينيا متشددا، وسيتجه نحو موقف راديكالي في مفاوضاته مع بروكسل ليكون هناك خروج صعب من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فوز المحافظين قد يمثل بداية المشاكل في البلاد.

بركسيتالاتحاد الاوروبي

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل