موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

مصارف لبنان تعثرت.. فما هو الثمن؟
20/12/2019

مصارف لبنان تعثرت.. فما هو الثمن؟

يوسف الريّس

أزمة المصارف لا تزال تتفاعل مع أزمة العجز في ميزان المدفوعات أو ما يتم التعبير عنه بأزمة الدولار. هذه الأزمة التي جعلت من اللبنانيين متسولين على أبواب مصارف استنزفت الاقتصاد اللبناني على مدى ثلاثين عاما. صاحب الحساب الجاري الذي لم يستفد من الفوائد المرتفعة بات رهينة استنسابية المصرف. أما المودعون بالعملات الأجنبية فباتوا يواجهون خطر عدم حصولهم على أموالهم وليس فقط الفوائد. هذا الوضع المالي جعل وكالة "ستاندرد آند بورز" تعدّل تصنيف 3 مصارف لبنانية وهي بنك عودة، بلوم بنك وبنك البحر المتوسط من CCC  إلى “selective default”، أي بخانة التعثر، بعد أن انخفض تصنيف لبنان إلى CC.

الأزمة لا تزال تتبلور، المصارف باتت تعلم أن لا إنقاذ على الطريقة الهوليودية السابقة من هندسات مالية أو استدانة جديدة. كما أن حاكم مصرف لبنان يشدّد في نظرته للأزمة على ضرورة إشراك المصارف بالاستحصال على السيولة لتلبية حاجاتها من الدولارات والإيفاء بالتزاماتها. لا يزال طرح زيادة السيولة عبر زيادة أصول المصارف بنسبة 20% وجهة للحلّ. إلا أن تعثرات المصارف خارجيا قد تحول ضد قدرتها على المضي بهذا الخيار. فالمصارف تعلم أنها غير قادرة على الضغط كما اعتادت لتتحمل الدولة اللبنانية كلفة الأزمة.

الخيارات باتت واضحة، أبزها اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو تحمّل أعباء السياسة الاقتصادية المنتهجة من تسعينيات القرن الماضي باستقلالية ومواجهة الأزمات المعيشية الناتجة عنها.

أولى الخطوات نحو الولوج في هذه الأزمة كانت عام 1993 عندما شرّع النواب استدانة الحكومة بالدولار دون خطة واضحة لسدادها، وتلاها عدم الرقابة الفعلية على صرف الأموال، من خلال اعتماد الاستدانة أسلوبًا لتمويل أي عجز في الميزانية أو في ميزان المدفوعات. هنا كانت المؤامرة الحقيقية على لبنان، تآمر اللبنانيون على أنفسهم بجهل وجشع أو عن علم وحقد. لكن، مهما كان سبب التآمر، فالنتيجة واضحة، أن أسلوب الغرب في إملاء سياسات محددة على الدول مقابل إنقاذها من الدين العام يُعتمد في لبنان.

يقدم صندوق النقد الدولي دعمًا ماليًا لميزان المدفوعات بناء على طلب البلد، وللمضي قدما في أي دعم يملي الصندوق سياسات تسمى "تصحيحية" مقابل الدخول كوسيط بين الدول الدائنة والمدينة لإعادة جدولة للدين العام. من أبرز شروط صندوق النقد الدولي الخصخصة، وتحرير التجارة الخارجية وتحرير الأسعار. في لبنان من الواضح أن خفض هيكلة القطاع العام والسياسة التقشفية هما العنصران الأساسيان للمساومة.

عادة ما تقوم الدول الدائنة بأخذ الثمن سياسيًا، فتفرض مواقفها على الدول الفقيرة للقبول بإعادة جدولة الدين.

لبنانيًا، رغم احتدام الأزمة وغرق لبنان بالتصنيفات السلبية، إلا أن إمكانية معالجة الأزمة ممكنة ولكن الأمر يحتاج إلى رؤية اقتصادية شاملة وبحكومة ذات منهجية إصلاحية واضحة. فلبنان يملك النفط والغاز في بحره، كما أن للبنان القدرة على وقف مزاريب الهدر والفساد واستبدالها بمشاريع انتاجية في جميع القطاعات.

اهتزت الثقة بالقطاع المصرفي الذي ضحت الدولة اللبنانية بكل قدراتها لدعمه. هذه الثقة التي باتت معدومة بإقرار التصنيفات العالمية ستكلف المواطنين كما الدولة ثمن النهج الاقتصادي الخاطئ منذ التسعينيات، والصمت المدوي للمعارضين لهذه السياسة اللجوء إلى صندوق النقد الدولي أو المواجهة التصحيحية الوطنية. تآمر اللبنانيون في التسعينيات على أنفسهم، أما الآن فلا بد من مواجهة علمية واقعية لحلّ هذه الأزمة. إلا أنه إلى الآن لا طروحات واضحة ورقمية وبالتالي لا طرح وطنيًا داخليا يمكن الاعتماد عليه رغم ضرورته القصوى لأن لا إرادة لدى اللبنانيين ببيع مواقفهم ومستقبلهم مقابل جدولة ديون لم تبن ولم تعمر.

جمعية المصارف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات