معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

المال الخليجي.. هواية خلق الأزمات
11/12/2019

المال الخليجي.. هواية خلق الأزمات

أحمد فؤاد

الابتلاء العربي يمكن تلخيصه في كلمات معدودة، حقيقة عارية عنوانها المال الخليجي، بتدفقه إلى دول المركز، واستباحته التدخل فيها وإعادة هيكلة مجتمعاتها، التي عانت وتعاني في ظل نظام عالمي فتتها بحد السكين على خرائط ببريطانيا، وقطع الكيان الصهيوني بقيامه كل إمكانيات التواصل بين شرق العالم العربي وغربه، وبالتالي جعلها نهبًا لمشيخات الخليج وإماراته.

الرئيس السوري بشار الأسد خرج إلى حديث مع تلفزيون "Rai news 24" الإيطالي، متحدثًا عن المعالجة السورية لملفاتها، ما قبل العدوان الكوني، وأثناءه، وصولًا إلى وقتنا الحالي، وركز الرئيس خلال حديثه على استغلال الأزمات المعيشية نتيجة للجفاف، خلال السنوات الأربع الأخيرة، معتبرًا أن "أزمة الحرب" بدأت منذ ستينات القرن العشرين حين تجاهلت الحكومات المتتالية التطرف والإيديولوجيا الوهابية، التي تمكنت من الغزو البطيء للمجتمع.

ما جرى كان استغلالًا من المال الخليجي لأزمات الريف السوري، رغم وجود معدل نمو جيد بسوريا قبل الحرب، وهي نسخة كربونية من أرياف الوطن العربي كلها، تنحصر الأزمة في الفقر، ثم انفتاح اقتصادي يمنح للمدن المال السهل، وتزيد مشاكل التعداد السكاني والخدمات الأقل موجات الهجرة من الريف لهوامش المدن، ثم يدخل المال للعمل على أرض غير مهيأة للرفض، أو كما وصف الأمر الرئيس الأسد: "في المناطق الريفية، حيث هناك درجة أكبر من الفقر، لعب المال القطري دوراً أكثر فعالية مما لعبه في المدن، فى إفقار أهل الريف فى سوريا، وهذا طبيعي؛ إذ يمكن أن يدفع للإرهابيين أجر أسبوع على ما يمكن أن يقوموا به خلال نصف ساعة لتدمير سوريا، وهذا أمرٌ جيد جداً بالنسبة لهم".

وخلال المقابلة التي أجريت في 26 من تشرين الثاني الماضي، وكان يفترض أن تبث بتاريخ الثاني من كانون الأول الجاري وامتنع التلفزيون الإيطالي عن بثها لأسباب غير مفهومة، فيما قامت الرئاسة السورية بنشرها، أوضح الرئيس الأسد أن أوروبا كانت اللاعب الرئيسي في خلق الفوضى في سوريا ومشكلة اللاجئين فيها بسبب دعمها المباشر للإرهاب إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وتركيا ودول أخرى.

الابتلاء العربي يمكن تلخيصه في كلمات معدودة، حقيقة عارية عنوانها المال الخليجي

لكن الرئيس السوري نفى بشكل قاطع أن يكون الاقتصاد السوري ليبرالي، بمعنى أنه اقتصاد مدار من قبل الدولة، ويخضع لإستراتيجياتها، ومخطط بشكل مركزي، مع وجود قطاع عام ضخم وواسع، يمكن للحكومات من السيطرة على الأسواق، ووضع أطر العمل والعلاقة مع القطاع الخاص والاستثمارات الأجنبية، وتوجيهها بما يخدم فكر الدولة وخططها.

لكن أهم ما صرح به "الأسد"، كان رصدًا لواقع الحال على الأرض السورية، وتأكيده قرب تحقيق النصر الكامل على قطعان المأجورين، وتصفية الوجود الأميركي بالكامل من شرق سوريا، وكسر شوكة الانفصاليين الأكراد، عبر إفهامهم - بالفعل والحوادث - أن حضن الدولة السورية هو الضامن للبقاء، لا الارتهان للأميركي، الذي باعهم ويبيعهم وسيبيعهم في أول مفترق سياسيات أو طرق.

قال الرئيس السورى، نصًا، إنه "أثناء تنفيذ سياستنا، يتم ارتكاب أخطاء، كيف يمكن خلق فرص متكافئة بين الناس بين المناطق الريفية والمدن؟ عندما تفتح الاقتصاد بشكل ما، فإن المدن ستستفيد بشكل أكبر، وسيؤدي هذا إلى المزيد من الهجرة من المناطق الريفية إلى المدن، وقد تكون هذه عوامل، وقد يكون لها بعض الدور، لكنها ليست هي القضية".

بالفعل كانت مجرد ذرائع للتدخل، والأموال الخليجية لم تتقن خلال سنوات التدفق النفطي، وفورة الأسعار، التي تحققت للمصادفة الكئيبة بدماء الشهداء في الجيشين المصري والسوري خلال حرب أكتوبر/تشرين الأول التحريرية، سوى خلق وتصدير الأزمات للدول العربية الفاعلة، مصر وسوريا والعراق واليمن، وهي المتكأ للعمل العربي، والأقدر بحكم التاريخ والحاضر على قيادة عمل عربي موحد، أو حتى منسق.

ولعل المرجفين المشككين سيقولون إنها شهادة خصم. لنعتبرها شهادة خصم، وهو شرف عظيم على أي حال، ولنأخذ بالشهادة السعودية، شهادة الذات على الذات، هذا إن أسقطنا أيضًا شهادة حمد بن جاسم، رئيس وزراء ووزير خارجية قطر السابق، وضخامة المدفوعات السعودية والقطرية لصناعة ثورة في سوريا.

الشهادة الأولى لملك آل سعود الأول بعد مؤسس العائلة والكيان، سعود بن عبدالعزيز، عقب عزله من العرش، وصعود أخيه فيصل، ولجوء الملك بعد مدة من خلعه إلى القاهرة، قال فيها إن المملكة دفعت ملايين الريالات في سوريا، لكسر الوحدة المصرية السورية "الجمهورية العربية المتحدة"، وتحقق لها ما أرادت في 28 أيلول 1961، بحركة عسكرية، لم يسبقها أو يلحقها تحرك شعبي أو مظاهرات ضد دولة الوحدة، لتنهار أول وحدة عربية كاملة في العصر الحديث، بقوة الريالات المدعومة بالمخابرات الغربية.

محمد بن سلمان ولي عهد مراهق، مفتون بقوة المال وسطوة الصهاينة والقدرة الأميركية التي وضعته على الطريق المباشر لتولي العرش

والأوقح أن الملك نفسه حاول تدارك ما دفعه سابقًا لبعض القبائل اليمنية، لمساندة النظام الملكي، وتثبيته، ضد ثورة 1962، ودفع من جديد الجنيهات الذهبية ليضمن المساندة للنظام الجمهوري.

هذا هو فصل واحد من ثلاث صور، دفعت فيه الأموال، ونسجت المؤامرات، وبيعت القضايا، لمصلحة العدو الصهيوني والشيطان الأميركي، وضربت ثلاث دول عربية، سوريا ومصر واليمن، وكان الثمن هو استمرار العرش وتثبيته، وضمان حمايته، سواء من الطامعين الإقليميين أو الطموحين من أفراد العائلات المالكة.

ويأتي بعد سعود، محمد بن سلمان، ولي العهد المراهق، المفتون بقوة المال وسطوة الصهاينة، والقدرة الأميركية التي وضعته على الطريق المباشر لتولي العرش، رغم كل المعارضة من الأسرة، وكلامه مسجل في أحاديث صحفية، خلال زيارته لواشنطن، حين اتهم الإمام الخميني -قده- قائد الثورة الإسلامية، والرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، بخلق التوتر في الشرق الأوسط، معتبرًا أن المملكة قدمت خدمة للولايات المتحدة بالعمل ضدهما!

وهو كلام لا يحتاج لشرح بعد، فأي بندقية مصوبة ضد الصهاينة أو الأميركيين فالسعودية جاهزة لصنع المتاعب والأزمات في بيئتها، الشحن الطائفي حينًا، والسلاح والأموال في غالب الوقت، المهم أن تظل مشيخات الخليج مخفر أمامي للدفاع عن الكيان الصهيوني، وتتولى عنه الدخول الهادئ إلى الدول العربية ومحاولة خنقها وتعظيم أزماتها ومشاكلها.

الأموال السعودية المتدفقة إلى الجماعات الإرهابية في سوريا وليبيا واليمن ومصر، وغيرها، على امتداد الوطن العربي كله، ساهمت في تعرية البلدان العربية أمام عاصفة التطرف الوهابي، وتركت الأوطان فريسة أمام رياح التدخل الغربي السافر حينًا، المستتر غالبًا، بما يمنح المملكة السعودية الدرجة الكاملة في أداء دورها، الذي زرعها الاستعمار الغربي من أجله.

الدور السعودي يتكامل هنا مع الدور الصهيوني، والوظائف العديدة لهما تصب في مصلحة الغرب الاستعماري، فالقوة الصهيونية موجودة للتطويع بعنف، والمملكة الوهابية المدعومة بالتشويه المذهبي والمال موجودة للتغلغل بهدوء في الدول العربية فتبث سموم التطبيع وتمهد الطريق أمام الكيان الصهيوني.

الخليج

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات