معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

لهذا ضاعت المطالب.. وهذا ما وصلنا اليه
30/11/2019

لهذا ضاعت المطالب.. وهذا ما وصلنا اليه

شارل ابي نادر

لا أحد ينكر أنَّ ما وصلت اليه البلاد هو وضع غير مسبوق، لا من الناحية المالية - الاقتصادية، ولا من الناحية السياسية أو الاجتماعية، والأخطر من كل ذلك هو فقدان الثقة في كافة الاتجاهات: ثقة المواطن بالسلطة، ثقة المواطن بالمواطن الآخر، وثقة المواطن بنفسه حتى، لناحية قدرته على الصمود أو الاستمرار قبل الاستسلام.

بداية، نتكلم عما يسمى "ثورة" شعبية أو "حراك" أو "احتجاجات" واسعة - سموها ما شئتم - تقوم بها نسبة غير بسيطة من المواطنين، هناك حتى الآن خلاف على حجمها أو عددها مقارنة مع غير المؤيدين لها. وحيث لا يختلف أحدٌ تقريبًا في لبنان على صحة وأحقّية وواقعية الاسباب والمبررات التي يضعها المحتجون، لناحية الفساد المستشري وهدر وسرقة الأموال العامة من أغلب رجال السلطة المتعاقبين عليها، أو من المواطنين النافذين المحظوظين والمتعاقدين مع السلطة "الثابتين" في تنفيذ العقود الادارية على مدار عشرات السنوات، او لناحية عجز وفشل المسؤولين المتتالين على الحكم في ايجاد الحلول، نلاحظ أن هذه الفورة الاحتجاجية عجزت حتى الآن عن التقدم خطوة الى الأمام في مسار تحقيق أيّ من مطالبها.

هناك عدة عوامل كانت من أسباب فشل الفورة الاحتجاجية الصحيحة عن التقدم - حتى الآن - منها العامل الداخلي المتعلق بأبناء الحراك بالتحديد وبالمجتمع اللبناني بانقساماته، ومنها العامل الخارجي، الذي برهن على قدرته الكبيرة على التأثير في توجيه حركة الاحتجاجات:

- العامل العضوي لأبناء الحراك، والذي تمثل بعدم عدالة الشعارات في تصنيف جميع المسؤولين بنفس الخانة لناحية الفساد والسرقة، في الوقت الذي كان واضحا ومعروفا فيه موقع كل مسؤول تقريبا من تلك الاتهامات، بالاضافة لتمادي البعض من المحتجين، عمدا او غفلة، في توجيه الشتائم والاساءات الى بعض الرموز الدستورية والدينية بطريقة تتجاوز القوانين والاعراف والاخلاق، الأمر الذي أفقد الحراك نسبة كبيرة من مصداقيته. زد على ذلك، عدم تحديد قادة لهذا الحراك، أو متحدثين باسمه، أو هيئة لادارته، فضاعت امكانية التواصل الجدي والموضوعي والمباشر معهم، وخاصة في تلبية الدعوات المتكررة من المسؤولين وعلى رأسهم فخامة رئيس الجمهورية للتفاوض والنقاش معهم، بغية تحصيل الحقوق وتحقيق المطالب.

- العامل الداخلي الآخر مرتبط بسيطرة الطابع الحزبي والسياسي على الحراك المطلبي. ورغم أن غالبية المنضوين تحت لواء الحراك هم تقريبًا من المتضررين من الوضع الصعب، من الفقراء والمعوزين، أو من العاطلين عن العمل، فقد رأينا أن الاصطفافات المذهبية او الحزبية كانت اقوى من العامل الاقتصادي الاجتماعي، وهذا  ظهر بوضوح في مزاج الشارع بعد وقت قصير، وكيف تطورت حركة الاحتجاجات، خاصة قطع الطرقات، نحو التموضع أو التقوقع  حمايةً للزعماء ولمواقعهم. وفي الوقت الذي كان قد اعتبر فيه أغلبُ المتضررين في بداية الاحتجاجات، أن تلك الزعامات هي السبب المباشر لمآسيهم، عادوا وتموضعوا في المربع المذهبي والحزبي، بعد أن فقدوا الجرأة على الذهاب أبعد في احتجاجاتهم، إما نتيجة الخوف من الفشل وبالتالي دفع الثمن غاليا، وامَّا نتيجة عدم القدرة على التخلص من عقدة "الزعيم" المتأصلة في نفوسهم.

- العامل الخارجي والأميركي بالتحديد، لعب دورًا في افقاد الثورة فعاليتها، بعد أن عمل على توجيهها نحو الأجندات السياسية. وكلام الديبلوماسي الاميريكي جيفري فيلتمان أمام الكونغرس، أظهر بوضوح الارتباط العضوي بين تسعير التحركات الميدانية في الشارع اللبناني، وبين أجندة اميركية غير بريئة، استغلت أحقية المطالب للوصول الى حالة من الفوضى، تناسب أجندتها السياسية، حيث لم يعد خافيًا الهدف الحقيقي الاميركي والذي يتعلق بإبعاد حزب الله عن السلطة والقرار، من خلال الضغط  نحو تشكيل حكومة اختصاصيين، ظاهرها تكنوقراط - كعنوان دغدغ أفكار الثوار المحتجين - وباطنها من دون حزب الله، وذلك تمهيدًا لبيان وزاري وسياسة حكومية تعادي المقاومة.

- عامل الفوضى التي واكبت الاحتجاجات، والمرتبط بتأثيرات خارجية وداخلية بنفس الوقت. وقد ظهر ذلك من خلال تطعيم الحراك ومواكبته بمجموعات حزبية وبميليشيات، أصحاب خبرات سابقة في توتير الاوضاع وإشاعة اجواء الفوضى، فقطَّعوا الطرقات الأمر الذي دفع بالمواطنين المتضررين للانتقال على الطرقات للاصطدام معهم، وبدأت الانتقادات ضد الحراك تتزايد على خلفية ذلك بعد أن تطورت الأمور نحو صدامات عنيفة، فأفشلوا بذلك الاحتجاج الصادق والصحيح .

كل ذلك أضعف "الثورة" و"الحراك"، وكانت النتيجة أن الحراك لم ينجح - حتى الآن - في تأمين الضغط الكافي لفرض التغيير المطلوب، وبالمقابل تدهورت الأوضاع المالية والاجتماعية بشكل حاد، بسبب توقف الأشغال وبسبب تدني واردات الدولة من تحصيل الضرائب والرسوم، والأهم بسبب الكارثة المالية التي أصابت مودعي الأموال في المصارف وارتفاع سعر الدولار في الأسواق بشكل جنوني. وما زاد الطين بلّة، تخلي رئيس حكومة تصريف الأعمال عن مسؤولياته في تسيير أمور البلاد والعباد، واعتكافه عن متابعة شؤون وزاراته، وعدم اكتراثه لكل الخراب المحيط.

 وهكذا، مع حراك عاجز عن التقدم، شلّ البلاد، ومع سلطة لم تستطع حتى الآن مواجهة الوضع وايجاد المخرج السياسي والاداري لاعادة التوازن الى ادارة البلاد، ومع استمرار وتزايد الضغوط الخارجية، نحن اليوم أقريب الى: انهيار مالي، فوضى اقتصادية، وفقدان ثقة بالدولة، مع اعادة تثبيت للاصطفافات الحزبية والمذهبية أكثر، حيث نتائج أية انتخابات مبكرة وبأي قانون انتخابي، لن تكون مختلفة عن الحالية.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل