آراء وتحليلات
على المصارف أن تضحي: الوقت ليس للمراهنة
يوسف الريّس
دخل لبنان النفق المالي والنقدي المظلم منذ عام 2016 عند بدايات اللجوء إلى الهندسات المالية تحت ذريعة حماية النظام النقدي الذي لا يغرق. أما اليوم، فقارب لبنان على الاصطدام بالحائط المسدود في نهاية هذا النفق. فالنظام النقدي الذي لا يغرق سيغرق ويغرق البلاد معه في مستنقع الإفلاس في حال لم يتم التعاطي معه بوعي وخطط إنقاذية مسؤولة.
تعود أسس هذه الأزمة إلى أسلوب الاستدانة الذي اعتمده روّاد السياسات المالية والنقدية عند كل أزمة كحل غير آبهين بالكارثة على المدى الطويل. أعمدة هذه الأزمة بنيت عند أول استدانة بالدولار عام 1994 كانت قيمتها مليار واحد من أصل ما يساوي 7.03 مليار دولار كمجمل دين عام. يقارب الدين العام حاليا الـ85.14 مليار دولار، 31 مليار دولار بالعملات الأجنبية أما المبلغ المتبقي الذي يساوي 52 مليار دولار فهو دين عام بالليرة اللبنانية.
تقدر الالتزامات التي سددتها الدولة اللبنانية منذ بداية رحلة الدين في عام 1993 حتى عام 2017 بحوالي 77 مليار دولار كخدمة للدين العام. أما في عام 2018 فقد دفعت الدولة حوالي 6 مليارات دولار كسداد لمستحقات خدمة الدين العام. وتقدر مستحقات خدمة الدين حتى عام 2023 بحوالي 50 مليار دولار، أي ما يقدّر بـ 133 مليار دولار ما بين عام 1993 وعام 2023.
كانت الأزمة في بداية التسعينيات حتى الآن أزمة صانعي القرار. فالاستدانة دون خطة واضحة للسداد تعني الذهاب إلى التهلكة. هذه الخطوات التي انتهجتها السلطة المالية والنقدية وشرّعتها من استدانة عند كل احتمال لعدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات والمستحقات جعلت وقع الأزمة اليوم مدوّيًا.
أما على صعيد فعالية الاستدانة بحسب أسبابها، فنرى أن هذا الدين كان استنزافا لقدرات البلد دون مقابل. فالنصيب الأعلى كان للكهرباء بنسبة 19% من الدين العام ولا علاج لهذه الأزمة حتى الآن، تليها نسبة 16.3 % من الدين العام لمعالجة الطرقات والنقل العام ولكنها كما الكهرباء لم تصل إلى نهاية. هذان المؤشران يوضحان أن الأموال التي يتحمل عبئها اللبنانيون لم تذهب إلى المشاريع المناط العمل بها.
بالعودة إلى هيكلية الاستدانة، فإن المصارف هي الجهة الدائنة لـ53% من الدين العام حتى سنة 2015. إضافة إلى أن 60% من الدين العام هو بالعملة الوطنية. هنا تتضح إمكانية الوصول إلى حلول محلية لتخطي الأزمة. فالمصارف اليوم تواجه أزمة خانقة تحاول تخطيها بحلول ظرفية لإعادة الثقة بالقطاع المصرفي. كلفت هذه الخطوات خفض تصنيف "بنك عودة" و"بنك ميد" و"بلوم بنك" بحسب وكالة "ستاندرد آند بورز" من B- إلى CCC. هذا التصنيف مؤشر لما قد يخسره القطاع المصرفي من ثقة وبالتالي من أرباح مع ارتفاع "systemtic risk" أي مخاطر النظام.
من هنا المصارف التي شاركت لبنان الأرباح أمام تحدٍّ لا سبيل لتخطيه إلا بمشاركة كلفة الأزمة. وبالتالي نعود لطرح الاتفاق الداخلي مع المصارف لخفض الدين بصيغة تتوافق مع مصالح الدولة والقطاع المصرفي ككل بحيث لا تشكل هذه الخطوة هزّة تخفض تصنيفات القطاع المصرفي أكثر. فالاتجاه نحو إعادة هيكلة الدين بات ضروريا. فالتخوّف من عدم السداد أو إخفاق المصرف المركزي في سداد الديون يعني لا ثقة بسنداته أو بقطاعه المصرفي. وبالتالي التهويل من تردي التصنيف لا شيء أمام عدم السداد.
المسؤولية باتت مشتركة ما بين القطاع العام والخاص، ما بين الدولة والشعب، وما بين المصرف المركزي والمصارف. لا يمكن أن تغرق الدولة وحدها، إما الجميع أو لا أحد. لم يعد الوقت مناسبًا للمراهنة على الوقت وعلى المصارف أن تضحي بعد أن سدّت النبع.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024