آراء وتحليلات
"تشريع" واشنطن للمستوطنات الصهيونية: اتجاهات المواجهة
شارل ابي نادر
لم يكن بسيطًا وقع تصريح وزير الخارجية الأميريكي مايك بومبيو الأخير، حول اعتبار الادارة الاميريكة المستوطنات الصهيوينة في الاراضي الفلسطينية المحتلة مشروعة وقانونية. وحيث يُعتبر التصريح نقطة مفصلية (علنية) في سياسة الادارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية، أين تكمن أهمية وخطورة التصريح؟ وما هي تداعياته على هذه القضية بشكل خاص، وعلى مسار الصراع في المنطقة بشكل عام؟
المهم في الموضوع أولًا، أن التصريح يأتي في لحظة فلسطينية حساسة لناحية المواجهة الأخيرة في غزة بين المقاومة الممثلة بسرايا القدس التابعة لحركة "الجهاد" الاسلامي من جهة، وبين قوات الاحتلال من جهة أخرى، وما نتج عنها من ظهور صواريخ نوعية، فشلت منظومات العدو الصاروخية في اعتراض القسم الأكبر منها، وممكن أن تشكل نواة جدية لمعادلة ردع بدأت تتكون، وثانيًا، لناحية ما يمكن أن ينتج عن هذه المعادلة فيما لو اكتملت من تغيير جذري في مسار وعناصر أي تسوية مطروحة لحل القضية الفلسطينية.
التداعيات المحتملة للقرار
- من الطبيعي أن القرار سيفتح شهية العدو على مزيد من سرقة وقضم الأراضي الفلسطينية واحتلالها، وبالأحرى على ما تبقى منها بعد التمدد الشيطاني الخبيث للمستوطنات بطريقة متواصلة.
- في حال سلك القرار على الصعيد الدولي بعد الضغوط الأميركية، يصبح هناك شبه استحالة لاقامة دولة فلسطينية بعد تناقص الأراضي الى تحت الحد الأدنى الممكن، ومع هذا التداخل المتشعب للمستوطنات في الاراضي الفلسطينية، والتي يمكن ان تشكل جغرافية الدولة الفلسطينية المفترضة، اضافة الى اجراءات الحماية المعقدة التي تفرضها عليها اجهزة العدو الامنية والعسكرية، لن يعود من امكانية ميدانية أو جغرافية لتكوين أي منظومة ادارية لدولة أو لسلطة مستقلة.
- الوصول الى استحالة ما يسمى بـ"حلّ الدولتين"، وذلك بعد فرض امر واقع، يُجبر الجميع على التخلص من كافة الالتزامات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، والتي هي ضمن القرارات الدولية ذات الصلة، وليس فقط الوصول الى استسلام الفلسطينيين بعد ضياع القسم الأكبر من الارض، بل ايضًا الوصول الى اعتراف أو اقتناع ما تبقى من المجتمع الدولي، والذي كان في صف الداعم لدولة فلسطينية، للسير بمسار آخر بعيد عن حل الدولة، بسبب الاستحالة المادية الجغرافية لتلك الدولة المفترضة.
عمليًا، يمكن القول إن هناك الكثير أيضًا من التداعيات الفعلية والعملية، سوف تنتج عن هذا القرار وهي:
- شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين أو تثبيت مشكلة اللجوء في البلدان المجاورة.
- انهاء ملف التفاوض حول الحدود والاستيطان، خاصة لناحية الغياب المفترض للدور الاميركي، والذي كان ناشطًا الى حد ما في تلك المفاوضات.
- انهاء التفاوض حول حل الدولتين، وفتح الباب واسعًا أمام الكثير من الاحتمالات، مثل صفقة القرن أو ما يشبهها، ولكن مع وجود معادلة أساسية سيتمسك بها الكيان المحتل وبدعم أميريكي، وهي إخراج موضوع المستوطنات من أي حل مرتقب.
مبدئيًا، ربما لا يوجد تداعيات فورية للقرار حاليًا، لأنه حتى الآن، يُعتبر التصريح الأميركي فقط جرعة دعم معنوية لنتنياهو، إذ لا يحمل التصريح حاليًا مضمونًا تنفيذيًا، لكن خطورته تكمن في أنه يشكل رافعة غير بسيطة لنتنياهو في محاولاته الحالية الصعبة لتشكيل حكومة، حيث يدغدغ "تشريع المستوطنات" أحلام وأهداف عدد كبير من مناوئيه اليوم في الصراع الحكومي، خاصة أنه قد يخسر تكليف رئيس الكيان ريئوفين ريفلين لتشكيل الحكومة للمرة الثالثة لمصلحة بيني غانتس. والأهم انه في حال الوصول الى انتخابات ثالثة بعد تعذر التشكيل حاليا، سيكون الدعم الاميركي لناحية تشريع المستوطنات نقطة رابحة لنتنياهو تساعده نحو امكانية فوزه بعدد اكبر من المقاعد، تؤهله لتشكيل ائتلاف حكومي بزعامته.
الخطوة الأميركية أيضًا تكون قد أنهت مفاعيل اتفاق اوسلو، الهزيل أصلًا، الى الأبد. وخطورتها أيضا، أنها تضاف الى خطوات أميركية مماثلة لها كانت قد سبقتها، حول قرار نقل السفارة الاميركية الى القدس وحول تشريع الأميركيين لاحتلال الجولان السوري.
امكانية مواجهة القرار
بداية، لقد تصاعدت الردود الفلسطينية والخارجية حول تصريح المسؤول الأميركي، وتوزعت بين ردود عفوية عبر عنها الفلسطينيون، على صعيد الجماهير أو على صعيد السلطة أو الفصائل بمختلف تموضعاتها، مع بروز دعوات للتحرك على الصعيدين الداخلي والخارجي.
داخليًا، عبر الدعوة لتفعيل المسيرات ومظاهر المعارضة والمقاومة العالية الصوت والتحركات المؤثرة في الشوارع وعلى نقاط الاحتكاك مع المستوطنات وفي القدس.
خارجيًا، عبر تفعيل الخط الديبلوماسي لبحث الموضوع في المؤسسات الدولية (مجلس الامن أو الجمعية العامة).
من ناحية أخرى، فقد توزعت ردود الفعل الخارجية، أوروبيًا أو من ناحية موسكو التي استنكرت وبشدة تصريح بومبيو. كما أن حزب الله استنكر التصريح معتبرًا موقف واشنطن المشرع للاستيطان مرفوضًا وغير شرعي وغير قانوني ويتعارض مع المواثيق الدولية. وموقف حزب الله يأتي في سياق محاولات واشنطن الدائمة لتصفية القضية الفلسطينية، مضيفًا إن هذه الخطوات لن تغير من الواقع شيئا فالكيان الاسرائيلي احتلال وكل احتلال الى زوال.
بارقة الأمل اللافتة لامكانية مواجهة القرار يمكن استنتاجها من تصويت الامم المتحدة بالأمس لصالح قرار أعطى حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، حيث صوتت 165 دولة مساء الثلاثاء لصالح القرار خلال جلسة للجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
انطلاقًا من القرارالذي يمكن اعتباره الرد الطبيعي للمجتمع الدولي على اعلان الادارة الأميركية حول "شرعية " المستوطنات الاسرائيلية، وايضا انطلاقا من رأي استشاري سابق لمحكمة العدل الدولية، كانت قد اكدت فيه: "أن الجدار ومنظومته الاستعمارية بما فيها المستوطنات، تحرم الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير"، يمكن العمل على الصعيد الدولي لتكوين منظومة ضغط ديبلوماسية نحو تفريغ القرار الاميركي من مضمونه العملي اذا لم يكن بالامكان فرض تراجع الادارة الاميركية عنه.
ويبقى الأهم من ذلك كله لناحية امكانية المواجهة على الصعيد الدولي، والذي ربما يمكن ربطه بنتائج المواجهة الأخيرة في غزة، وهو أن المطلوب نقطتان على الصعيد الفلسطيني الداخلي، سيكون من الصعوبة مواجهة القرار الأميركي خارجهما، وهما:
- تثبيت واكمال معادلة الردع الصاروخية بمواجهة العدو، لتأكيد وقف التعدي والاغتيالات.
- العمل وبكل قوة على انهاء الانقسام الداخلي الفلسطيني، وتكوين جبهة وطنية داخلية موحدة، قادرة على الاستفادة بالكامل من القدرات السياسية والشعبية والعسكرية، وتركيزها باتجاه القضية الأم: الحقوق الفلسطينية كاملة في الأرض والسيادة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024