آراء وتحليلات
هل توفر الانتخابات النيابية المبكرة حلًّا للازمة اللبنانية الحالية؟
شارل ابي نادر
تتداخل وتتنوع دوافع التحركات الشعبية التي تعيشها الساحة اللبنانية اليوم، بين مطالب داخلية: اجتماعية واقتصادية وسياسية ودستورية، وأخرى خارجية يجاهر بعض المحتجون في الشارع بها، تحضن وتنقل ما يصوب عليه دائمًا المجتمع الاقليمي والغربي، لناحية سلاح المقاومة وعلاقاته ونفوذه محليًا واقليميًا.
اذا استبعدنا موضوع المطالب معروفة الأهداف والتي تُعتمد من قبل أفرقاء داخليين طالما شكلوا غطاءً مرتهناً للخارج وعملوا بخدمة السياسة الاميركية في المنطقة، يمكن التطرق الى أهم المطالب الداخلية الحقيقية والتي ركز عليها "الحراك" الشعبي في بداياته، وبالتحديد مطلب الانتخابات النيابية المبكرة.
في الحقيقة، شكل ويشكل هذا المطلب بالمبدأ وعبر التاريخ، نقطة انطلاق أساسية لكل حراك شعبي يهدف الى التغيير، لناحية ارتكازه على المشروعية التي يفرضها ويخلقها قرار الشعب بالانتخاب واختيار من يمثله، والانتخاب طالما كان بأساس النظام الديمقراطي ومفتاح تداول السلطة أو تثبيتها، بشرعية شعبية قانونية ديمقراطية، وهو مطلب قادر على اضفاء الشرعية على أي اجراء تنظيمي أو اداري أو سياسي، تلجأ اليه الدول والحكومات والشعوب التي تعيش ازمات مختلفة.
من هنا، تأتي صحة وصوابية هذا المطلب بشكل عام. وحيث يمكن أن يكون نقطة انطلاق جدية لمعالجة الأزمة الحالية في لبنان، لا بد من شرح ابعاده لجهة فعاليته، وإمكانية ان يكون منتجًا ومدخلًا للحل، وذلك على الشكل التالي:
صحيح أن المطالب الحياتية للناس المحتجين والذين يشكلون الغالبية العظمى من الشعب اللبناني، هي جامعة وصحيحة وطبيعية، بسبب صعوبة الوضع الاقتصادي والمالي والاجتماعي في لبنان، وبسبب انتشار الفساد الواضح داخل السلطة التي تدير الحكم والمرافق العامة، ولكن لا يمكن أن نقول إن هذه الغالبية العظمى توافق أو تجمع بأغلبها على المطالب السياسية المتعلقة باستقالة جميع المسؤولين السياسيين، أو على المطالب الدستورية المتعلقة بتغيير النظام واجراء انتخابات مبكرة على أساس قانون انتخاب عصري غير طائفي، يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة .
ما يؤكد هذا الاختلاف حول المطالب السياسية والدستورية، هو ما شهده مسار الحراك بُعَيدَ انطلاقته، وتطوره لاحقًا بشكل دراماتيكي بعد دخول أكثر من عامل محلي أو خارجي على خطه، ومن تدخل لسفارات ومنظمات غير واضحة الارتباط لناحية التمويل اللوجستي الذي كان لافتًا وفاعلًا، ومن توجيه اعلامي من قنوات محلية واقليمية وغربية، أو توجيه أكاديمي من مسؤولي جامعات أجنبية غير بعيدين عن ارتباطات خارجية.
من هنا، جاء أول تغيير مفصلي في الحراك، والذي تمثل أولًا بانسحاب كتلة كبيرة من فعالياته، بعد أن تكشفت لاحقًا مختلف أهدافه الخفية، وهي الكتلة التي تمثل البيئة الضيقة لحزب الله وحركة امل، وهذا الانسحاب شكل تغييرًا مفصليًا وسبَّب نقصًا كبيرًا في عدد المشاركين، ومؤشرًا حاسمًا لالتزام هذه الكتلة بتوجهات وقرار قادتها ومسؤوليها السياسيين.
الكتلة الثانية والتي اختارت ايضًا الانسحاب من الشارع، كانت الكتلة المؤيدة لرئيس الجمهورية وللتيار الوطني الحر، وحيث أثّر انسحابُها بشكل غير بسيط في انقاص عدد المحتجين في الشارع، وايضًا مع تأييدها الكامل للمطالب الحياتية، كان تحركها الكبير بمظاهرة حاشدة في بعبدا دعما لمواقف الرئيس والتيار الوطني الحر، نقطة مفصلية أخرى، أثبتت وبينت بما لا يقبل الشك ابدًا، أولا حجمها الواضح والكبير والكاسح ربما، لما تمثله في الشارع المسيحي، وثانيًا لناحية التزامها بقادتها ومسؤوليها السياسيين وبقرارهم، شعبيًا وانتخابيًا، مهما كان شكل قانون الانتخاب وفي أي توقيت، قريب أو بعيد.
نعود للكتلة الثالثة الكبيرة والأساسية أيضًا في المجال السياسي والانتخابي، وهي كتلة تيار "المستقبل". وحيث أنها أيضًا لم تكن بعيدة عن التحركات المطلبية، والاعتصامات التي نفذتها في مدن وجودها التاريخية ( بيروت وطرابلس وصيدا)، وايضا مع التزامها وتأييدها للمطالب الحياتية، عادت مؤخرا بعد استقالة الرئيس الحريري الى مربعها الاول في دعمه كممثل وحيد أو اكبر لها، بالرغم من أن فريقه أو سياسات تياره غير بعيدة عن المسؤولية فيما وصلت اليه البلاد لناحية الوضع الاقتصادي المتردي. ومن خلال تحرك هذه الكتلة الميداني على الارض في قطع الطرقات مباشرة بعد استقالة الرئيس الحريري، فإنها أثبتت أنها ملتزمة الى حد ما بقرار قيادتها.
انطلاقًا من ذلك، ومع اضافة الالتزام الواضح الذي أثبت نفسه، لمؤيدي الزعيم الدرزي الوزير وليد جنبلاط بسياسته ايضا، يمكن القول وبشكل تقريبا بشكل شبه مؤكد، نظرًا للمعطيات المذكورة أعلاه، أن نتائج أي انتخابات نيايبة مبكرة، ومع وجود أي شكل للقانون الانتخابي، أكثري أو نسبي، دائرة صغرى أو متوسطة أو كبرى، أو حتى على صعيد لبنان، لن تكون مختلفة كثيرًا عن نتائج الانتخابات التي جرت منذ أقل من سنتين، والتي بموجبها انبثقت السلطة السياسية بشكل تقريبًا متناسب معها.
من هنا يأتي الخوف والخطر من الأهداف المبيتة التي يرمي اليها موجهو الحراك المطلبي، وقد جاء رفضهم القاطع للورقة الاصلاحية التي أقرتها الحكومة قبل استقالتها، ورفضهم القاطع أيضًا للتجاوب مع الدعوات الصادقة لرئيس الجمهورية للحوار المباشر ولشرح الهواجس بصراحة، ليؤكد خطورة وحساسية ما يهدف اليه موجهو الحراك الخفيين، والذين يستغلون صدق وصوابية المطالب تنفيذا لاجندات خارجية، لا تبتعد كثيرًا باهدافها عن الهدف الاول، والذي هو خلق الفوضى الواسعة تمهيدا لتغيير السلطة الحالية، بهدف حرفها نحو التوجهات الدولية والاقليمية، مع استهداف مُرَكَّز لسلاح المقاومة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024