آراء وتحليلات
ما هي أبعاد التواجد البحري الايراني المرتقب في الاطلسي؟
شارل ابي نادر
يأتي الإعلان الايراني الأخير بلسان نائب قائد القوات البحرية، والذي أفصح فيه عن توجّه مجموعة من القطع البحرية الايرانية في شهر آذار/ مارس 2019، الى المحيط الاطلسي في مهمة تستمر حوالي خمسة أشهر، ليضيف نقطة سجال وتوتر فائقة الحساسية، الى النزاع الأميركي ـ الايراني المُندَلِع أصلا على خلفية العديد من الملفات، أغلبها يتمحور حول تمدد النفوذ الايراني ومخاطره (حسب واشنطن)، وحول أطماع وغطرسة الأميركيين وتجاوزهم القوانين والاتفاقات الدولية (حسب طهران).
بالمبدأ، ومن الناحية العسكرية، لا يمكن مقارنة القدرات العسكرية الايرانية، البحرية أو غيرها، بالقدرات الأميركية، فالفارق شاسع وهذا أمر لا نقاش فيه، وأساسا تعمل أغلب الدول الكبرى جاهدة وفي مقدمتها روسيا والصين، على محاولة تخفيض هذا الفارق بين قدراتها وبين القدرات الاميركية.
ولكن.. إلحاقا بالتواجد البحري الايراني الفاعل في خليج عدن وعلى المداخل الجنوبية الغربية للمحيط الهادي، وعلى امتداد الخط البحري الاستراتيجي بين مضيق هرمز وبين باب المندب، اذا اعتبرنا ان المدمرة الايرانية "سهند"، الحاملة للمروحيات، والأكثر تطوراً والقادرة على تجاوز الرادارات، ستكون في عداد هذه القوة البحرية، والتي سيرافقها في مهمتها عدد كاف من القطع البحرية التابعة لسلاح البحر الايراني، ستبقى هذه القوة بعيدة عن امكانية تشكيل خطر جدي على السواحل والقطع البحرية الاميركية في الاطلسي، وستكون عرضة للاستهداف السهل في عرض المحيط، بعيداً عن خطوط الامداد والدعم من ايران، ومن دون أية حماية جوية تحتاجها بشكل إجباري كل قوة بحرية بعيدة عن نقاط تمركزها الأساسية.
في الحقيقة، تكمن قيمة الاعلان عن هذه المهمة البحرية الايرانية الى الاطلسي، في مكان آخر بعيد عن المعنى العسكري المجرد، بما يتعداه الى المعنى الاستراتيجي الأعمق، والذي يمكن تحديده كالتالي:
أولاً: يأتي هذا الاعلان ليرفع منسوب التحدي الذي فرضته ايران في وقوفها بوجه الولايات المتحدة الاميركية على خلفية انسحاب الأخيرة من اتفاق دولي (الاتفاق النووي الايراني)، ولناحية اثبات طهران لقدرتها على تجاوز هذا الانسحاب وإبعاد تاثيراته السلبية عن أمنها وعن اقتصادها الى حد كبير، وذلك بفضل ديبلوماسية صلبة، أجبرت الأوروبيين على الالتزام بالاتفاق، وأجبرت الأميركيين على التراجع عن معادلة تصفير تصدير النفط والغاز الايراني، كما حاولوا فرضها بداية.
ثانياً: تأتي هذه المهمة البحرية المرتقبة في الاطلسي ، لتبثت أكثر حق ايران في امتلاك القدرات التي تراها مناسبة لأمنها ولسيادتها، ولتضيفها الى قدراتها الاستراتيجية، في الصواريخ الباليستية وفي الطيران المسير، بمعزل عن الضغوط الدولية والاقليمية الواسعة في هذا المجال.
ثالثاً: تكمن الفكرة الرئيسة من القرار بتنفيذ هذه المهمة البعيدة عن السواحل والمياه الاقليمية الايرانية، والتي مسرحها على تخوم السواحل الجنوبية الشرقية الاميركية، فيب إثبات أن لكل دولة ومن ضمنها ايران طبعاً، الحق بالانتشار البحري الذي تراه مناسبا لمناورتها، في التجارب وفي الإبحار، وذلك ضمن ما يسمح به القانون الدولي وقانون البحار والعبور في المياه الدولية أو في أعالي البحار، وأن هذا الحق لا تمتلكه فقط الدول الكبرى، ولا يمكن حصره بالدول القادرة عسكرياً وصاحبة الأطماع التاريخية، كالولايات المتحدة الاميركية.
رابعاً: هذا التواجد البحري الايراني المرتقب في غرب الاطلسي، والذي هو أيضاً في بقعة بحرية مقابلة لسواحل كوبا وفنزويلا، يعبّر عن موقف دعم ومساندة (حتى لو كان بالانتشار البحري فقط) للدولتين المذكورتين، اللتين تقفان دائما في موقف الداعم والمساند لطهران في اغلب ملفات التجني الاميركي على ايران.
قد يرى بعض الاختصاصيين، من أميركيين ومن غيرهم ربما، أن هذه المهمة البحرية الايرانية والبعيدة عن أراضي وسواحل الجمهورية الاسلامية الايرانية، لن تكون الا فرصة لاهدار الجهود والأموال الايرانية، ولن تكون ذات فعالية عسكرية مؤثرة، وربما يرى البعض الآخر أن ايران تهدف من وراء هذه الخطوة، الى رفع مستوى النقاط التي تمتلكها في أية جولة تفاوض بينها وبين الاميركيين، تماماً كما حصل في رحلة التوقيع على الاتفاق النووي المعروف.
لكن، ومن خلال متابعة مسار ومسيرة التطور العسكري الايراني، في الأسلحة النوعية والقدرات الاستراتيجية (الصاروخية وغيرها)، والتي فرضت نفسها لاحقاً على المسرح الاقليمي، وكانت سبباً مباشراً في الهجمة العسكرية الغربية والأميركية خاصة على المنطقة، لا يمكن استبعاد وصول البحرية الايرانية وقدراتها في أعالي البحار، ومن ضمنها في غرب الاطلسي، الى نقطة من الفعالية ومن المستوى الحساس، لن يكون بإمكان هؤلاء وخاصة الأميركيين، تجاوزها أو غض النظر عنها، وستكون حتماً هذه القدرات، كما كانت القدرات النووية والصاروخية الايرانية، موضوع سجال ونزاع سيفرض نفسه على الساحة الدولية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024