آراء وتحليلات
المقاومة تؤسس لمعادلة جوية جديدة في لبنان: العدو يُفاجأ... ويرتدع
جهاد حيدر
أجمَلَ الامين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، تصدي حزب الله للخرق الجوي الاسرائيلي، بفقرات محدودة كانت كافية للاجابة على أهم الاسئلة التي تفرض نفسها في مواجهة هذا الحدث. لماذا نفذ حزب الله عملية التصدي ضد طائرات استطلاع العدو. ولماذا في هذا التوقيت؟ وهل هناك علاقة بالتطورات التي يشهدها الداخل اللبناني، وفي أي سياق يندرج وما هي أهدافه؟ وأي رسالة حملها هذا التصدي لكيان العدو؟
وبالاستناد الى ما تقدم يمكن تقدير خيارات العدو التي دفعته للامتناع عن الرد.
وضع سماحة السيد استهداف طائرات الاستطلاع الاسرائيلية بالاسلحة المناسبة كما أوضح بيان المقاومة الاسلامية، وبحسب جيش العدو بصاروخ أرض جو، في سياق المهام الطبيعية للمقاومة. في ضوء ذلك، ما يحتاج الى تفسير ليس لماذا تصدت المقاومة للخرق الجوي الاسرائيلي، وانما لماذا امتنعت طوال السنوات الماضية عن استهداف الطائرات التي تخرق الاجواء اللبنانية، ثم بدأت بتنفيذ ذلك في هذه المرحلة.
الأصل أن المقاومة التي ردعت العدو عن التوغل البري، العلني على الاقل، في الاراضي اللبنانية، وحرمت العدو ورقة الضغط على لبنان والمقاومة عبر فرض حصار بحري عليه كما تفعل مع قطاع غزة... من الطبيعي أن تسعى الى مواجهة الخروقات الجوية خاصة وأن لها دور عدواني عبر جمع معلومات استخبارية عن المقاومة ومجمل الساحة اللبنانية.
من الطبيعي أن تكون ممارسة المقاومة لهذا الواجب مرتبطة بالدرجة الاولى بتوفر الامكانات التي تسمح بالقيام بهذه المهمة. ولكنها ارتبطت ايضا في سياق آخر، ربما يكون غاب عن الوعي العام بفعل الانشغال بالتطورات الداخلية، وهو أن العدو عمد الى محاولة تغيير المعادلة مع لبنان. تجسد ذلك باعتداء الضاحية واشار اليه لاحقا رئيس اركان الجيش افيف كوخافي، بالحديث عن مسار في تغيير المعادلة في مواجهة حزب لله.
في هذا السياق يصبح واضحاً أن ما جرى لا علاقة له بأي تطور داخلي لبنان وهو ما حرص على تظهيره الأمين العام لحزب الله "موضوع المقاومة موضوع منفصل عن أي تطورات في الداخل، أبداً ليس له علاقة، ولا يوم نحن أدخلنا موضوع المقاومة في أي تطورات سياسية في الداخل". مع ذلك، شكلت العملية اسقاطا للرهان الاسرائيلي على أن يشكل تطور الداخل قيدا على حزب الله في المبادرة والرد.
لم يعد تبديد هذا الرهان مجرد تقدير، بل تم التعبير عنه ايضا على لسان رئيس أركان الجيش افيف كوخافي، كما نقل عنه معلق الشؤون الامنية، يوسي ميلمان، الذي رأى بعد التطورات التي توالت منذ 17 تشرين الاول/ أكتوبر، أن حزب االله بات مشغولا بالتظاهرات في لبنان. وفي موقف ينطوي على مزيد من الطمأنة لجمهور المقاومة وأصدقائها، ومصدر قلق لأعدائها أكد السيد نصر الله أنه "من أصعب الأيام قبل الـ2005 وبالـ2005 إلى اليوم، وبمعزل عن التطورات الإقليمية، يعني سواء كان بقية حزب الله منشغل بأحداث سياسية، أو منشغل حتى بمعارك كما كان الحال في سورية، المقاومة المعنيّة بمواجهة العدو الإسرائيلي هي واقع قائم ومنعزل عن التطورات والأحداث ولا ينشغل بها ولا يتأثر بها".
الرسالة الاهم التي انطوت عليها العملية أنها شكلت مؤشراً قوياً على أن العملية هي محطة في سياق متواصل، ولكن السيد نصر الله حوَّلها الى يقين عندما أكد للعدو أن
الرسالة الاخرى التي تتصل بعامل الردع لفت اليها السيد نصر الله بالقول أن "العدو وقف وله الحق أن يقف عند هذه النقطة، الجرأة، هو كان يفترض أن المقاومة لن تجرؤ على إستخدام هذا النوع الذي أُستخدم بالامس من الأسلحة المناسبة، المقاومة لن تجرؤ، أثبتت المقاومة أمس أنها تجرؤ، وأنها ملتزمة بوعدها وبقرارها وبحماية بلدها وبصيانة سيادتها". خصوصية هذا البعد أنه بدد رهانات العدو على مفاعيل رسائله التهويلية. وبالتأكيد سيحضر هذا المفهوم على طاولة مؤسسة القرار السياسي والأمني في تل أبيب.
الواضح أن امتناع العدو عن توجيه رسالة ردع، لم يكن عرضياً. فهو أتى بين مروحة من الخيارات تبدأ برسائل تهويل مباشرة وتنتهي برد قاس ورادع. صحيح أن عدم سقوط الطائرة خفف احراج قيادة العدو، لكن ادراكها أن أي محاولة في هذا الاتجاه ستتلقى رداً، دفعها الى تجنب هذا الخيار، خاصة وأن مصلحة العدو أن يردع حزب الله عن تكرار الاستهداف وليس الرد بعد اسقاط الطائرة. لكن على يبدو أن العدو أدرك ايضا بأن رد حزب الله المضاد سيؤدي الى حشره ويضعه بين خيار الارتداع الذي سيقوّض صورته الردعية ويضر بصورة نتنياهو الذي يصارع على مستقبله السياسي والشخصي، وبين رد مضاد يستدرج ردا اضافياً... وتجنباً لهذا المسار امتنع االعدو عن الرد. وهكذا يكون حزب الله نجح في فرض مسار تأسيسي لتغيير قواعد جديدة في مجال حركة الجو، وبات العدو أكثر ادراكاً لمحدودية مفاعيله رسائله الردعية.
وحدة الدفاع الجويالخروقات الجوية
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024