آراء وتحليلات
وحدات عسكرية أميركية الى الشرق السوري من جديد: الأبعاد والاهداف
شارل ابي نادر
لم تتأخر كثيرًا الادارة الأميريكة في اعادة النظر بـ "المفهوم الرئاسي الجديد"، والذي كان قد أعلنه مؤخرًا الرئيس الاميركي دونالد ترامب بشراسة عبر تغريداته أو من خلال نيته تطبيقه قريبًا عبر القرارات الرئاسية، والذي يقوم على وجوب انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الحروب العبثية في الشرق وخاصة من سوريا وافغانستان. وبدل أن يُسَرِّع من إكمال سحب وحداته من الشرق السوري، حيث كان قد أمّن بمناورة البدء بهذا الانسحاب، تسهيل العدوان التركي واحتلال قسم حدودي من تلك المنطقة، ها هي الادارة الاميريكة اليوم، وحسب صحيفة نيوزويك الاميريكة نقلا عن مسؤول في البنتاغون لم تعلن اسمه، تقرر إعادة نشر كتيبة مدرعة من دبابات ابرامز مع طواقمها ومئات الجنود، في المنطقة الوسطى من الشرق السوري، حيث تتركز أغلب حقول النفط الاغنى في سوريا.
السناتور الاميركي الجمهوري ليندسي غراهام، والذي كان من أشد معارضي الرئيس ترامب في قراره حول الانسحاب من سوريا، كشف أن عسكريين أميركيين يعدّون خطة من شأنها منع "داعش" من العودة للظهور في سوريا، ومنع وقوع النفط في أيدي ايران أو النظام السوري أو التنظيم الارهابي "داعش"، قائلًا بالتحديد إن "الخطة ستلبي الأهداف الجوهرية الأميركية في سوريا". وبالمقابل نقل قائد قوات سوريا الديمقراطية ( قسد مظلوم عبده عن الرئيس ترامب شخصيًا قوله باستمرار ادارته الحفاظ على شراكة ودعم طويل الامد في مختلف المجالات .
بين كلام ترامب لمسؤول "قسد" حول استمرار الشراكة، وبين مفهوم "الاهداف الجوهرية الاميريكة في سوريا"، ما هي الأبعاد الحقيقية المشتركة بين العنوانين؟ وأين هو اليوم الموقف الحقيقي لـ"قسد" من الموضوع؟
لا شك أن الأهداف الجوهرية الحقيقية للأميركيين في سوريا هي ثابتة ولن تتغير، بالرغم من عراضات الرئيس الأميركيي الاعلامية أو الانتخابية، وحيث تكوين وتنوع نظامهم الديمقراطي عبر مؤسساته الدستورية المختلفة، بين الادارة وصلاحياتها والكونغرس وصلاحياته والاعلام الحر ورسائله أو تاثيراته، يسمح بامتصاص أي صدمة أو هفوة رئاسية، واعادة تصويبها نحو السياسة العميقة للدولة، يندرج القرار باعادة نشر وحدات عسكرية مدرعة قرب حقول النفط.
هذه الأهداف صرح بها غراهام بكل جرأة وهي:
- منع الدولة السورية من الاستفادة من ثروتها النفطية، لأن ذلك لو حصل، سيؤمن للمالية السورية الشرعية مصادر مهمة، تشكل عاملًا أساسيًا في مواجهة العقوبات والحصار الاقتصادي، الأمر الذي لن يسمح به الأميركيون.
- ايضًا، يعمل الاميركيون ومن ضمن أهدافهم الجوهرية، على إبعاد أي تواجد ايراني في وسط سوريا الشرقي، والذي سيكون عمليًا من ضمن فصائل محور المقاومة الداعمة للجيش العربي السوري، وهذا بالنسبة لاستراتيجية الاميركيين، يعتبر نقطة قوية جدًا لمحور المقاومة الذي يواجههم ويواجه سياستهم بشراسة. أيضًا الأمر الذي سوف يعملون على ابعاده، وحيث يعتبرون، ومن تجربة الشمال الشرقي بعد الانتشار السريع للجيش العربي السوري حتى الحدود مع تركيا، أن قسد سوف تكون ضعيفة، عسكريا طبعا، وسياسيا، وعاجزة عن الوقوف أمام تمدد الدولة السورية الى كامل الشرق، واعادة تحرير الوسط الشرقي حتى الحدود مع الانبار العراقية، ضمنًا منابع النفط الغنية.
- النقطة الأخرى والتي أقلقت الأميركيين، وأيضًا بعد التمدد السوري الشرعي شمالًا برعاية ومساندة روسية، هي أن الروس لن يكونوا بعيدين عن الاستفادة من منابع النفط شرق سوريا تجاريا، من خلال شركاتهم الناشطة، الأمر الذي سيكون مستحيلًا مواجهته عبر (قسد) وحدها بقدراتها السياسية والعسكرية المتواضعة جدا، والذي سيكون أيضًا من المستحيل مواجهته تجاريا عبر الشركات الاميركية.
انطلاقًا من هذه المعطيات الواردة فيما لو تمدد الجيش العربي السوري نحو وسط شرق الفرات، ومن الأهداف الأميركية الجوهرية والثابتة، جاءت رسالة الرئيس ترامب الودودة للاكراد، بعد رسالته الفظة سابقًا عن عدم مساعدتهم للأميركيين تاريخيًا، والتي تحدث فيها (الرسالة الاخيرة) عن استمرار الشراكة الطويلة بينهما، في وقت كانت أوساط الاكراد عامة وليس داخل قسد فقط، تتكلم عن الخيانة الأميركية والتواطوء مع الاتراك لمهاجمتهم وانهاء حلم الادارة الذاتية.
هكذا، ومن خلال مسلسل متواصل من الاخفاقات الكردية في تحالفهم مع الاميركيين، بدأ في تسهيل واشنطن الدخول التركي أولا الى مناطق درع الفرات بين جرابلس واعزاز، ولاحقا الى عفرين، وبالأمس الى شريط حدودي بمساحة تتجاوز الاربعة الاف كلم مربع بين عين عيسى وتل ابيض، ما زال كما يبدو الاكراد يضعفون امام الوعود والاغراءات الاميركية، وها هم اليوم وبكلمة "حلوة" من الرئيس ترامب، وبدل الاتعاظ من التجارب المرة السابقة، يعودون الى الحضن الاميركي، مؤمنين له غطاءً مهماً لتثبيت انتشاره في المنطقة الاكثر حيوية واستراتيجية من الشرق السوري.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024