آراء وتحليلات
الأزمة اللبنانية الراهنة: ما هو الحل؟
محمد علي جعفر
يسود البلاد مشهدٌ يتساءل الجميع عن أسبابه وسُبل المعالجة. في الحقيقة، يُعبِّر المشهد عن نفسه، بل يتضمن الإجابة. ليس ما يجري اليوم إلا نتيجة لأسباب تاريخية يعكسها النظام اللبناني ضمن واقعٍ متعدد الأبعاد. وفي طيات هذا الواقع، تنعكس المشكلات المتعلقة بإدارة الدولة من أسلوب الحكم الى ممارسة السلطات لدورها مروراً بغياب الأجهزة التنفيذية وصولاً إلى دور الأحزاب والتيارات. وهو ما يحتاج لكلام كثير لشرحه، لكن واقع أسلوب الحكم في لبنان يُبدي وبوضوح، أن ما وصلت إليه البلاد اليوم، هو نتيجة لأسلوب الحكم المُعتمد منذ عقود، وما يرتبط به من غياب منطق الدولة وعدم الإكتراث لتعزيز المواطنة مع ما تعنيه من تعزيز العلاقة بين الدولة والمواطن. ما يجري هو نتيجة طبيعية لغياب كل مقومات الدولة عن الدولة، وفقدان كل أسباب الحكم الرشيد عن أهل الحكم وعدم الإكتراث لما يعنيه الوطن والمواطن والمواطنة!
اليوم، يقف لبنان أمام منعطفٍ خطير في ظل سلطة فاقدة لثقة المواطن، مع ما يعنيه ذلك بالنتيجة من فقدان الثقة بمكونات هذه السلطة أي الأحزاب والتيارات السياسية التي كانت جزءًا من الحكم منذ 30 عامًا. وهو ما يُعتبر سابقة في تاريخ لبنان السياسي لكنه يعود لعدة أسباب نُشير لأهمها فيما يلي:
- لم تكترث الطبقة السياسية ومنذ أن لاحت بوادر الأزمة الإقتصادية الى هموم المواطن، ولم تتصرف بمسؤولية، وهو ما أثبتته الورقة الاقتصادية التي قدمتها الحكومة منذ أيام وما طرحه ذلك من تساؤلات حول أسباب عدم تقديمها خلال الفترة السابقة.
- من خلال عرض كافة المعالجات التي تقوم بها الحكومة يتضح غلبة صفة المقامرة على سلوك النخبة الحاكمة والتي اعتادت الرهان على تقاعس ورضوخ المواطن كما اعتادت الإمعان في تغلبة مصالحها الخاصة على المصلحة العامة. وهو ما أوصل الأمور للإنفجار.
هذه الأسباب بالإضافة الى أسباب أخرى توضح حجم الفجوة بين السلطة والمواطن كعامل أساسي في فقدان الثقة بين المواطن والتيارات والأحزاب السياسية. وهو ما يُفسر عدم قدرة السلطة اليوم على إدارة الأزمة الراهنة.
هنا، فإن استمرار الأزمة الراهنة يمكن أن يؤدي الى نتائج خطيرة. أهمها على الصعيدين الإقتصادي والإجتماعي وما قد يواجهه القطاع المالي والسوق المالية، فيما يتعلق بسلوك المواطنين ورجال الأعمال تجاه الودائع من جهة وكيفية إدارة المصرف المركزي والقطاع المصرفي لهذه الأزمة من جهة أخرى. مع ما يرتبط ذلك بآثاره على سعر العملة الوطنية.
إن كل ما تقدم يطرح تساؤلات وإشكاليات بحاجة لأجابات سريعة لكن حكيمة. وهنا يجب السؤال اليوم حول كيفية الربط بين مصالح كافة الأطراف من طبقة حاكمة بمكوناتها ومواطنين بمختلف انتماءاتهم، وإمكانية تأسيس إطار يمكن أن يجمع بين مطالب الحراك الشعبي ووعود الطبقة السياسية تحت سقف المصلحة الوطنية. وهنا يجب التعاطي مع الأزمة من منطلق أنها أزمة اللبنانيين جميعاً وتعود بمخاطرها ونتائجها على الجميع. مع ضرورة الإلتفات الى مقاربة ما يجري ضمن إطار التحديات الكبرى التي تطال لبنان كجزء من المنطقة ولحاظ التحولات الإقليمية والدولية ومعالجة الأزمة الراهنة في ضوء هذه التحديات والتحولات، مع تحديد الأولويات حيث يمكن من خلال ذلك المحافظة على مصالح لبنان محلياً وإقليمياً.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024