آراء وتحليلات
ساكن قرطاج الجديد: آمال كبيرة رغم محدودية الصلاحيات
روعة قاسم
لم يقم المرشح للانتخابات الرئاسية التونسية نبيل القروي بأي طعن بخصوص نتائج الانتخابات الرئاسية، بل هنأ منافسه قيس سعيد بالفوز في هذه الانتخابات الاستثنائية والمشوقة إلى أبعد الحدود. وبات سعيد رسميًا الرئيس السابع للجمهورية التونسية منذ الإطاحة بالنظام الملكي سنة 1957 على يد الحبيب بورقيبة ورفاقه من قادة الحركة الوطنية الذين ساهموا في دحر الاستعمار وبناء دولة الاستقلال.
وفي غياب أي طعن في نتائج الدور الثاني سيتم التعجيل بتسليم الرئيس الجديد مفاتيح قصر قرطاج من قبل ساكنه الحالي محمد الناصر الذي خلف الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي إثر وفاة الأخير عملا بأحكام دستور تونس الجديد. وينتظر التونسيون رؤية هذا المشهد الحضاري الذي عاشوه مرتين في السابق، أي أن يحل رئيس محل رئيس آخر والأول على قيد الحياة ودون حصول انقلاب عسكري. فقد سلم في السابق فؤاد المبزع للمنصف المرزوقي مقاليد الحكم مثلما سلمها الأخير للراحل الباجي قائد السبسي في مشهد حضاري استثنائي نادر.
شعبية استثنائية
ويحظى قيس سعيد بشعبية استثنائية من خلال عدد الأصوات الحاصل عليها في الانتخابات والذي يفوق ما حصلت عليه الأحزاب مجتمعة في الانتخابات التشريعية ما يجعله يحظى برمزية معنوية هامة وبتفويض شعبي يجعله أهم اللاعبين في الساحة التونسية. وبدوره فإن نبيل القروي المنهزم في الدور الثاني قد حاز على عدد هام من الأصوات يعادل ما تحصّلَ عليه الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي في انتخابات 2014 هذا بالإضافة إلى أن حزبه قلب تونس احتل المركز الثاني في الانتخابات التشريعية بعد حركة النهضة.
ويرى البعض أن هذا التفويض الشعبي للرئيس الجديد قيس سعيد قد يدفعه إلى طلب إجراء استفتاء شعبي لتعديل الدستور وتغيير شكل النظام القائم نحو منح رئيس الجمهورية المزيد من الصلاحيات الدستورية خاصة وأنه يحظى بشعبية واسعة. إذ لا يعقل أن تناط أهم الصلاحيات إلى رئيس الحكومة غير المنتخب في حين أن صاحب التفويض الشعبي محشور في الزاوية بصلاحيات محدودة في قصر قرطاج لا تتعدى الدفاع و السياسة والخارجية والمبادرات التشريعية التي لن تكون فاعلة باعتبار أن الرئيس ليس لديه حزب وكتلة برلمانية.
اليمين الدستورية
يشار إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يؤدي فيها رئيس للجمهورية اليمين الدستورية أمام برلمان ستنتهي ولايته قريبًا حيث اعتاد الرئيس على القسم أمام البرلمان الجديد الذي ينتخب بالتوازي معه سواء بمقتضى الدستور القديم أو الجديد. ولعل الوضع الاستثنائي الذي عاشته تونس والمتمثل في الوفاة المفاجئة للرئيس الراحل الباجي قائد السبسي هو الذي خلق هذه الحالة، حيث أجريت انتخابات رئاسية سابقة لأوانها وإن لم تسبق أوانها بكثير وسكن قرطاج رئيس مؤقت تنتهي ولايته الدستورية قريبا وهو ما يستوجب ضرورة تسلم الرئيس الجديد لمهامه تجنبا للفراغ.
ولعل سرعة تنصيب رئيس الجمهورية وسرعة أدائه لليمين الدستورية سيسلط ضغطًا أكبر على الحزب الفائز بالمرتبة الأولى، أي حركة النهضة، من أجل التعجيل باقتراح الشخص الذي تراه مناسبا لرئاسة الحكومة على ساكن قرطاج. وهناك ثلاث فرضيات في هذا الإطار، إما اقتراح شخصية مستقلة عن الأحزاب أو اقتراح شخص متحزب لكنه من خارج حركة النهضة أي من حزب حليف أو اختيار رئيس حكومة من حركة النهضة .
الظاهرة الفريدة
لقد بات الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد ظاهرة بكل ما للكلمة من معنى ورمزا من رموز العفة ونظافة اليد في ظل غياب الثقة في الطبقة السياسية الحاكمة وفي قدرتها على التغيير. ويحظى الرجل بثقة منقطعة النظير خاصة لدى جمهور الشباب الذي صوّت له بكثافة خلال الدورتين الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية رغم العزوف المسجل في الانتخابات التشريعية من قبل الناخبين المسجلين وخصوصا في دوائر الخارج.
إن عدم وجود حزب سياسي رشح قيس سعيد وغياب آلة دعائية تدعمه هو الذي جعله ظاهرة وجعل البعض لا يصدق ويستغرب وصول رئيس إلى قصر قرطاج دون دعم من طرف سياسي قوي. بالمقابل فإن أنصاره يؤكدون على أن قيس سعيد هو ثورة على السائد والمألوف من قبل الشباب الذي ملّ الوعود الكاذبة للطبقة السياسية الحاكمة التي بشّرت بجنات النعيم فإذا بالحصاد سيئ جدا من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية.
ويسعى سعيد بدوره إلى ترسيخ فكرة أنه ابن الشعب الذي ما زال يذهب إلى مقهاه المعتاد لاحتساء قهوة صباحية وإلى حلاقه الشخصي رغم أنه أصبح رئيسا، ويلتقي هناك أصدقاءه القدامى، وهي صور يثار حولها الجدل بين مؤيد وداعم وبين ساخر مما يعتبره شعبوية من قبل الرئيس الجديد. وبين هذا وذاك ينتظر التونسيون بشغف ماذا سيفعل رئيسهم الجديد في ولايته التي تمتد لخمس سنوات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024