آراء وتحليلات
انهيار عقيدة نتنياهو... دافع اضافي للاطاحة به
جهاد حيدر
لم يعد الحديث عن انهيار عقيدة بنيامين نتنياهو في مواجهة الجمهورية الاسلامية في إيران، مجرد اجتهاد يستند إلى مؤشرات ومعطيات ترجّح حدوثه. بل بات حقيقة يتم تداولها على ألسنة الخبراء والمعلقين في الكيان الإسرائيلي. منطق نتنياهو نفسه الذي رفع الصوت محذراً من مفاعيل ازدياد جرأة إيران واتساع هامش مبادراتها العملانية، يشكل اقرارا بفشل رهاناته وتقديراته التي استندت إلى مفهوم محدّد المعالم والاهداف.
ان اطلاق وسم الانهيار على عقيدة استراتيجية محدَّدة، يفرض بالضرورة أن يكون مسار تطور الاحداث على خلاف ما اقتضته المفاهيم التي تتشكل وتستند اليها هذه العقيدة.
المرتكز الاساسي الذي استندت اليه عقيدة نتنياهو أن خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفرض عقوبات اقتصادية قاسية عليها، مع تلويح اميركي بالرد على أي خطوات إيرانية مضادة سيؤدي إلى اخضاع النظام الاسلامي، أو إلى اسقاطه.
استندت هذه الرؤية إلى مفهوم مفاده أن
ما الذي حصل على أرض الواقع ولماذا؟
بالرغم من حجم العقوبات الاقتصادية القاسية جداً، على إيران والتي وصفها العديد من المسؤولين الإيرانيين بأنها اصعب مما كانت عليه الواقع خلال الحرب الإيرانية العراقية. إلا أن صمود النظام الاسلامي عكس حقيقة مستوى الانجازات التي حققها خلال العقود السابقة على كافة المستويات العلمية والعسكرية والاقتصادية.
بالموازاة، لم تتوانى إيران عن كسر القيود التي التزمت بها بموجب الاتفاق، ردا على الاجراء الاميركي. وبادرت إلى ثلاث خطوات تدرجية مدروسة، حتى الان، بانتظار الخطوة الرابعة الشهر المقبل. وهو ما يتعارض مع التقديرات التي استند اليها نتنياهو. بعدما كان الهدف تحويل الاتفاق إلى قيد على إيران، حوَّلت برنامجها النووي إلى اداة ضغط اضافية على الدول العظمى. وتجلى ذلك بمسارعة الاوروبيون إلى تقديم عروضات تهدف إلى محاولة كبح تقدم إيران النووي، إلا أنها باءت بالفشل.
بالموازاة
خطورة هذا المشهد المستجد أن مفاعيله ستكون وفق المخاوف الإسرائيلية دراماتيكية على أكثر من صعيد. من جهة لم يعد هناك قوة دولية تراهن عليها تل ابيب لكبح تقدم إيران النووي، وهو ما ترى فيه القيادة الإسرائيلية خطرا على الامن القومي الإسرائيلي حتى لو أن إيران لن تصنع السلاح النووي. لكنه يُقصِّر المسافة الزمنية الفاصلة عن انتاجها الفعلي. ويعني ذلك أنه لا يوجد أي امل أمام إسرائيل، بعدما فشلت كل الخيارات البديلة الاخرى في كبح دعم الجمهورية الاسلامية لحزب الله والمقاومة في فلسطين وسوريا. في المقابل، أثبتت التجربة أنه ما دام العمق الاستراتيجي للمقاومة في طهران مستقراً وثابتاً فإن كل الخيارات التي لجأت أو قد تلجأ اليها “إسرائيل” غير قادرة على تغيير المعادلات بشكل جذري، والاتجاه الذي تسلكه التطورات في المنطقة.
في ضوء ما تقدم، لم يعد مفاجئاً، بل من الطبيعي أن تتوالى المواقف التي تتحدث عن انهيار عقيدة نتنياهو، وهو ما لفت اليه قائد المنطقة الشمالية السابق، اللواء عميرام ليفين، "كما هو متوقع، كل عقيدة نتنياهو حيال إيران تنهار، ويجرّنا إلى حرب استنزاف في الشمال أيضاً". واضاف ايضا متسائلا "بأي حق يُدير نتنياهو الآن عينين خائفتين (يُظهر قلقه من التطورات) ويطلب حكومة وحدة برئاسته كي يعالج التهديد الذي جرّنا هو إليه؟ هذه وقاحة متهكمة". المفهوم نفسه تبنته صحيفة هآرتس في افتتاحيتها، بالحديث عن مفاجآتين استراتيجيتين قوّضتا السياسة الخارجية والأمنية لنتنياهو، وقدّمتاه على أنه أداة فارغة وكارثية. المفاجأة الأولى كانت الهجوم الناجح على منشآت النفط في السعودية، المنسوب لإيران. رُدّ عليه بعدم اكتراث من قبل الولايات المتحدة. والمفاجأة الثانية كانت تخلّي ترامب عن الاكراد من دون ابلاغ “إسرائيل” بالقرار نهائياً. اضافة إلى المفاجأة العملياتية التي أظهرها الإيرانيون ضد السعودية، وهو ما دفع نتنياهو للمسارعة لطلب زيادة ميزانية لتعزيز الدفاع الجوي. ورأت أن هذه المستجدات التي تشكل انهيارا لعقيدة نتنياهو "سبب حيوي آخر لإنهاء ولايته"، الى جانب قضايا الفساد المتهم بها، وذهبت ايضا إلى حد المطالبة بلجنة تحقيق حول الاسباب التي تسببت بهذا الفشل والمخاطر التي تترتب عليه.
عكس صمود الجمهورية الاسلامية وانتقالها إلى المبادرة العملانية، مستوى التطور الذي بلغه امتلاكها لعناصر الاقتدار، على كافة المستويات الاقتصادية والعسكرية والعلمية، فضلا عن تحالفاتها الاقليمية. وأظهر بشكل جلي عمق المبدئية في خياراتها الاستراتيجية في الموقف من قضايا فلسطين والمقاومة ودعم الخيارات الشعبية الثورية وفي مواجهة التهديدات المحدقة بوجودها وأمنها. وقدم أدلة ملموسة عن حجم تماسك النظام والشعب في الدفاع عن حقوقه وخياراته المبدئية، وكل ذلك، جسَّد بشكل جلي حكمة وشجاعة القيادة العليا في إيران، التي أدارت وبلغت بالجمهورية الاسلامية إلى ما عليه الان من اقتدار وشموخ وتطور.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024