آراء وتحليلات
الدبلوماسية المعسكرة: معادلة إيرانية جديدة
محمد أ. الحسيني
لطالما عمل الأميركيون على فرط عقد محور المقاومة في المنطقة، والذي يضم حتى الآن إيران والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن، دون أن نغفل تشكّل خصم سياسي بدأ يتحرّك لتشكيل قوة عالمية وازنة في موازاة المحور الأمريكي - الإسرائيلي - السعودي، ويضم روسيا والصين وتركيا. لكن الأميركيين الذين فشلوا في ضرب هذا المحور ساهموا في تقويته وتمتين صلاته وارتباطه، فكلما اشتغلت واشنطن في ساحة ما بهدف "قطع أيادي الأخطبوط الإيراني" بحسب التعبير الغربي، جاءت النتيجة بأن هذه الساحة أصبحت مؤيدة لإيران ومرتبطة بها بشكل أو بآخر.
ما هي حسابات المحاور؟
في المقابل ظهر التخبّط في المحور الأمريكي - الإسرائيلي - السعودي، فلم يجد ترامب أمامه حيال ضربة شركة أرامكو - التي تعدّ أكبر شركة منتجة للنفط في العالم، وتنتج 10 في المئة من مجمل إنتاج النفط العالمي - سوى إجراء عراضات سياسية تغطّي اتجاهه للمزيد من الابتزاز المالي للسعودية التي يتصرّف مسؤولوها وكأن على رؤوسهم الطير، فيما يعمل المجتمع الدولي على محاولة استيعاب أي تدهور سياسي - عسكري يقود إلى أزمة دولية. أما على المستوى الإسرائيلي فإن بنيامين نتنياهو الخاسر في انتخابات الكنيست يحاول الالتفاف على خسارته باتجاه بناء ائتلاف وزاري سعيًا لضمان بقائه في الحكم، ليبعد عنه شبح الانضمام إلى زملائه من رؤساء الحكومات السابقة نزلاء السجون.
وما إسقاط الدفاعات الإيرانية للطائرة الأمريكية، وردّ المقاومة الإسلامية على العدوان على سوريا والضاحية الجنوبية في عملية "أفيفيم" وتثبيتها معادلة جديدة في المواجهة، وصولاً إلى ضربة سلاح الجو اليمني في أبقيق وخريص مستهدفة منشآت شركة "أرامكو" النفطية، وما قبلها الضربات الجوية المسيّرة، إلا تأكيد على تلاحم هذا المحور في مواجهة المحور الأمريكي - الإسرائيلي - السعودي. وما كان يعلنه المسؤولون في إيران وسوريا والعراق ولبنان واليمن في سياق هذا المحور، لم يكن مجرد إعلان مواقف سياسية وتصريحات إعلامية، بل يدل على اطمئنان قوى هذا المحور لأي مستجد وجهوزية عالية في شتى المجالات، واستعداد تامّ لمواجهة أي تطوّر قد يطرأ على المستويات السياسية والأمنية والعسكرية.
الدبلوماسية المعسكرة
وقد
إيران تصنع المعادلة
ويلفت المراقبون إلى أن
ورب قائل إن الأمور قد تتجّه نحو تصعيد تدريجي أقلّه على المستوى السياسي، ولكن إيران في المقابل تؤكد على قدراتها واستعدادها لأي طارئ، لا بل يرى مراقبون أن طهران أصبحت الآن في موقع المبادر الذي يرمي قنابله الدخانية تارة هنا والنارية أحيانًا في مكان آخر لتقول للأمريكي إنها لم تعد في موقع المتلقّي، بل هي التي تصنع المعادلة في المنطقة، في حين تحوّلت السعودية إلى الحلقة الأضعف في هذه المعادلة في ظل شكوك أمريكية حقيقية من إمكانية تحييد "إسرائيل" عن التدمير في حال نشوب حرب، لا سيما أن محور المقاومة باتت له اليد الطولى في أي تطوّر قد يحصل في الميدان الإقليمي.
الدبلوماسية أو الانهيار الشامل
وعلى الرغم من أن الرياض سعت إلى إقحام واشنطن في مواجهة عسكرية في المنطقة، إلا أن ترامب كان واضحًا في الرد على هذا الأمر، وجزم أن الحرب هي "الخيار الأخير" في التعامل مع إيران، فيما ترجّح لندن، كما سائر المواقف الأوروبية، ضرورة وجود "ردّ دبلوماسي موحّد". وعليه فإن الإدارة الأمريكية ستكون في المرحلة المقبلة أمام خيارين: إما التسليم بالمطلب الإيراني في رفع العقوبات كشرط لازم لإعادة إجراء مفاوضات ثنائية، أو الذهاب باتجاه الخيار العسكري الذي يعني مغامرة خطيرة لا يملك أحد عناصر التحكّم بها، ولا يمكن لأحد توقّع نتائجها، فإن أي شرارة غير محسوبة ستؤدي إلى حريق متدحرج سيدخل العالم في دوامة غير منضبطة، وما ضربة "أرامكو" إلا نموذج عما سيحصل من انهيار اقتصادي ومالي عارم وشامل ستكون له انعكاساته المدمّرة على الاستقرار العالمي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024