آراء وتحليلات
رحيل الصقر الأكبر: البقاء للأقوى
"العهد"
في مقالة له نشرت عام 1878، وتحت عنوان "كيف نوضح أفكارنا" استخدم الفيلسوف الأميركي "تشارلز بيرس" مصطلح البراغماتية لأول مرة. لكن لا أحد يدري ما إذا كان الرجل عارفًا بأنها يومًا ما ستشكل العقيدة السياسية لبلاده على مدى عقود.
وتقوم البراغماتية الأميركية على "الذرائعية والنفعية" مستندة إلى مبدأ عام هو أن "الغاية تبرّر الوسيلة". ولعل أبرزمصاديق هذه البراغماتية النفعية في يومنا الحالي، ذاك التاجر المتربع على كرسيه في المكتب البيضاوي.
امتهن الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياسة "حافة الهاوية" فأبدع برسم صورة لا مثيل لها لبلاد العم سام عنوانها الدولار والمصلحة.
وبين هذين الخطين، فعل الرجل كل ما أمكن: أعلن الحرب على سوريا وتراجع، شن حربًا تجارية على العملاق الصيني ليعلن بعدها استعداده للهدنة، انسحب من المعاهدات الدولية، هدد الزعيم الكوري ومن ثم التقاه، انسحب من الاتقاق النووي وأعلن بعدها استعداده للتراجع ولقاء الرئيس الإيراني حسن روحاني... وتطول لائحة ترامب.
ولتحقيق الغايات، كانت كل الوسائل متاحة أمام ترامب. ولعل أبرزها استبدال وطرد أكثر من 53 مسؤولًا في إدارته، وقد لا يكون مستشار الأمن القومي جون بولتون آخر ضحايا سياسة ترامب في التنصل من المسؤولية.
لكن لا يمكن لبولتون أن يكون في موقع الضحية أبدًا، فهو قد أمعن على مدى 17 شهرًا بتدمير نظام مجلس الأمن القومي فضلًا عن نشر الخراب في العالم.
فالرجل المعروف بتشدده وفظاظته السياسية، دفع باتجاه التصادم مع كل من كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وأفغانستان.
لكنه في النهاية بدا وحيدًا بغياب أي سد دفاعي. فعلى الرغم من محاولته بيع ترامب مواقف "دونكشوتية"، اصطدم كبير الصقور مع الرئيس الأميركي، لتتحدث التقارير بعد ساعات عن الفوضى الرئاسية في اتخاذ القرارات لا سيما في ما يتعلق بالسلام في أفغانستان والمحادثات مع طالبان.
لكن السؤال الأبرز هو: "
وفقًا لـ"ذي أتلانتيك"، يسعى ترامب إلى الفوز "بجائزة نوبل للسلام"، ولتحقيق هذه الغاية لا مانع من الوسائل التالية: "عقد قمة مع قادة إيران، إبرام الصفقات مع حركة "طالبان" وكوريا الشمالية وروسيا."
من جهتها، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن رحيل بولتون يأتي في الوقت الذي يسعى فيه ترامب إلى الانفتاح الدبلوماسي على عدوّين من أعداء الولايات المتحدة الأكثر عنادًا، أي كوريا الشمالية وإيران، وهي الجهود التي أزعجت المتشددين في الإدارة، مثل جون بولتون، الذي يرى أن الدولتين "غير جديرتين بالثقة".
فالرجل لا يبالي بالتفاصيل طالما أنه سيتمكن من القول إنه حقق الإنجازات.
وفي هذا السياق، يرى عميد كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية الدكتور كميل حبيب أن "فشل السياسة الخارجية لواشنطن، أجبرت ترامب على وجوب وجود كبش محرقة لتبريرها، فجاءت إقالة بولتون."
ويردف الخبير في الشأن الأميركي شرحه بالقول: "من الطبيعي أن إقالة بولتون تعني أن الرئيس الأميركي يريد التفاوض مع إيران، فطهران كانت جادة في تصعيد سياستها والدفاع عن مصالحها في الخليج والجوار العربي، فهي زادت من تخصيب اليورانيوم وأسقطت طائرة أميركية في الخليج، فضلا عن كونها تسيطر على العديد من الممرات البحرية الهامة التي لا يمكن تجاوزها."
وعلى المقلب الآخر من العالم، لم يسجل اجتماع ترامب بنظيره الكوري الشمالي أي خرق فعلي على الساحة الدولية، وهذا يعد فشلًا إضافيًا لسياسته في معالجة القضايا الخارجية. وبولتون - بحسب حبيب - كان له دور كبير في عدم توصل الإدارة الأميركية الى حل مع كيم جونغ أون.
وكان غياب بولتون واضحاً عن رحلة ترامب إلى المنطقة المجردة من السلاح بين الكوريتين، واللقاء الذي دام ساعة مع كيم. وقال فريق بولتون إنه كان يتابع جدول أعماله فقط من خلال الذهاب إلى منغوليا.
أضف الى ما سبق أن استياء ترامب من بولتون يعود أيضًا إلى الجهود الفاشلة للتخلّص من الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو. فبدلاً من النصر السهل الذي كان يتوقعه، وجد ترامب نفسه متورطاً في صراع فنزويلي داخلي على الرغم من كل الدعم للمعارضة في كاراكاس.
لكن العين تبقى على طهران التي لا تعول - كما حلفاؤها في محور المقاومة - على تغيير في صالحها وهي حتى الساعة نجحت بكسب الجولات في معركة عنوانها "البقاء للأقوى".
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024