آراء وتحليلات
"درع الشمال".. خوف متغلغل في الوعي الإسرائيلي!
محمد علي جعفر
الخوف، التخبُّط، الحذر والخشية ومفردات أخرى طغت على الخطاب الإعلامي الإسرائيلي المواكب لإعلان عملية ما يسمى بـ "درع الشمال". وهو ما يجب لحاظه عند مقاربة التهديدات الإسرائيلية والواقع الداخلي الإسرائيلي. "مشروع الأنفاق الهجومية" كما يسميه الجيش الإسرائيلي، عاد الى الواجهة خلال الأيام الأخيرة مع ادعاء الجيش الإسرائيلي اكتشافه لأنفاق أنشأتها المقاومة في الجنوب اللبناني. لكن النقاش الحقيقي لا يجب أن يكون حول الأنفاق وحقيقة وجودها، على اعتبار أن هذا الأمر هو شأن يخص المقاومة، بل يجب التركيز على ردة الفعل الإسرائيلية تجاه المزاعم التي أطلقتها المؤسستين العسكرية والسياسية في "تل أبيب" وواكبتها حملة إعلامية.
ادعاءات نتنياهو قابلها تساؤلات وتشكيك من المؤسستين العسكرية والسياسية. وهنا فإن ردة الفعل الإسرائيلية لم تكن على كلام لحزب الله أو تحرك عسكري له، بل جاءت على مزاعم أطلقها الجيش الإسرائيلي. لنقول أن المسألة شكلت بحد ذاتها مادة انعكست لتكون حرباً نفسية يشنها الكيان الإسرائيلي على نفسه. هذه النتيجة لم تكن لتحصل لولا وجود واقع اسرائيلي ضعيف وعلى المستويات كافة، وهو ما يجب التركيز عليه.
ما حصل خلال الأيام الماضية من حرب إفتراضية ضد حزب الله، والخطاب الإعلامي والعسكري الإسرائيلي والسلوك السياسي، يكفي للخروج بعدة دلالات نُشير لأهمها فيما يلي:
أولاً: بغض النظر حول صحة المزاعم التي أطلقها الجيش الإسرائيلي حول الأنفاق التي اكتُشفت، فإن ردة الفعل الإسرائيلية على الموضوع كانت كافية لإظهار حجم الوهن الذي يعاني منه جيش العدو الإسرائيلي والتخبط الداخلي.
ثانياً: أظهر الخطاب الإعلامي المواكب للإدعاءات الإسرائيلية تناقضاً في التوجهات داخل المؤسسة العسكرية. فعلى الرغم من وجود حديث عن "عمل ما يُحضّر ضد لبنان" تم التأكيد على أن ما يحصل هو "مجرد نشاط داخلي لن يجرّ إلى أي تصعيد أمني خطير".
ثالثاً: جاءت ردة الفعل السياسية الإسرائيلية على الصعيد الداخلي، لتدل على حجم التجاذب السياسي الحاصل فيما يخص الملفات القومية، ودخولها في بازار الإبتزاز الداخلي بين المسؤولين الإسرائيليين. انتقادات ليبرمان لآيزنكوت، وكذلك انتقادات ليبرمان لنتنياهو بالإضافة الى انتقادات وزراء في الحكومة للجيش، كانت حديث الإعلامي العبري الذي قرأها على أنها "تُقزم" قدرة الجيش الإسرائيلي على الردع. وترفع من صورة الضعف الذي يعانيه الكيان.
رابعاً: توقفت أغلب التحليلات الإسرائيلية عند مسألة أن "مشروع الأنفاق الهجومية" ليس جديد ولدى الجيش معطيات حوله منذ عام 2014. وهو ما جعل الإعلام يطرح تساؤلاً حول التوقيت. ليجد أن المسألة عبارة عن آلاعيب يُطلقها نتنياهو ووزرائه، لتحقيق مآرب سياسية داخلية!
يكفي ما تقدم لوصف الواقع الهش الذي يعاني منه الكيان الإسرائيلي. واقعٌ يستغله الساسة الإسرائيليون لمآرب تتعلق بالحكم والسلطة. هي اللعبة السياسية الطاغية على أي مشهدٍ سياسي. لكن أسبابها في "تل أبيب" مُختلفة، وترتبط مباشرة بمعضلة الوجود والمصير الإسرائيلية. وجودٌ ظل مبنياً على معادلة القوة العسكرية والتي ما تزال تحكم الكيان الإسرائيلي. حيث أن الدولة ناظمة لقوة الجيش أو ما يصطلح عليه البعض بـ "الدولة لجيش". مع سقوط معادلة القوة القائمة على التفوق العسكري، سقطت قدرة الجيش الإسرائيلي على القيام بأي عدوان. وهو ما أثر على بنية الحكم في الكيان الإسرائيلي. اليوم، تتقاذف النخبة الحاكمة في تل أبيب بعضاً من مظاهر القوة، وتسعى لتجييرها على الصعيد الداخلي. هو ما فعله نتنياهو في سرديته الأخيرة حول أنفاق حزب الله. فشلت السردية، وأدخل نتنياهو الكيان الإسرائيلي في حرب نفسية ضد نفسه. أثبت السلوك الإسرائيلي تغلغل معادلات الردع وقوة حزب الله في الوعي الإسرائيلي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
29/11/2024