آراء وتحليلات
إقصاء "جمال ترست بنك": معاقبة حزب الله أم المصارف اللبنانية؟
محمد علي جعفر
في وقتٍ تتوجه فيه الأنظار الى القصر الجمهوري حيث سيُعقد الإثنين 2 أيلول الحوار السياسي والإقتصادي للبحث في التدابير المُمكنة كخطوات إنقاذية للوضع الإقتصادي، جاء القرار المُفاجئ لوزارة الخزنة الأمريكية بفرض عقوبات على المصرف اللبناني "جمّال ترست بنك" والشركات التابعة له، لتسهيله أنشطة مالية لـ "حزب الله" مع ما يشكله ذلك من تهديدٍ مباشر لسيادة لبنان ونظامه المالي بحسب ادعاء القرار الأمريكي. خلال العام 2011 وفي إجراءٍ مماثل، وضعت وزارة الخزنة الأمريكية "البنك اللبناني الكندي" على نفس لائحة العقوبات "أوفاك". هكذا اجراء، يحصر نشاط البنك ضمن نطاق محلي فقط وبالعملة الوطنية، ويمنع المصرف من التعامل بالدولار وبالتالي يُصبح ممنوعًا على المصرف التعامل مع البنوك الأجنبية، وفتح اعتمادات أو تحويل أموال من والى لبنان.
وعلى الرغم من التطمينات التي قدمتها جمعية المصارف للقطاع المصرفي عمومًا، فإن القرار الأمريكي والذي ادعى الحرص على مصلحة لبنان ونظامه المالي، يُشكل في الوقت الحالي مشكلة إضافية للواقع المالي والإقتصادي الذي تمر به البلاد، مع ما يعنيه هذا القرار من آثار على القطاع المصرفي والذي سيتعاطى بشكل مُغاير هذه المرة لأسباب عديدة. أهم هذه الأسباب هو عدم إدراج القرار الأمريكي لأي محظورات. ما يعني أن استهداف "جمال ترست بنك" لن يكون الإستهداف الأخير للقطاع المصرفي. فأي مصلحة للبنان يتحدث عنها الأمريكيون؟ ومن تُعاقب واشنطن حزب الله أم المصارف؟ وكيف غيرت واشنطن من أسلوبها لفرض العقوبات؟
يُدرك الأميركيون جيدًا أنه ليس لحزب الله أي نشاطات مالية على علاقة بالمصارف اللبنانية. ولو سلَّمنا بصحَّة ما تدعيه وزارة الخزنة الأمريكية، بالحديث عن تسهيل المصرف المذكور لنشاطات مالية لحزب الله، فأي آثار يُحدثها هذا النشاط على ما يُسمى بالنظام المالي اللبناني؟ بإختصار، تسعى واشنطن لإنتهاج نهجٍ جديد في ملف العقوبات، يختلف عن الإتهام بمخالفة المصارف للقوانين، ويفتح الباب على إمكانية الإتهام دون أدلة!
بشكل عام فإن مجلس النواب اللبناني أقر خلال العام 2015 قوانين تطال مكافحة التهرب الضريبي وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وذلك تماشيًا مع القوانين الدولية. فيما يخص المصارف، فهي مُلتزمة بتطبيق القوانين المحلية والدولية، مع ما تتصف به المصارف اللبنانية من تميُّز واحترافية، تُنافس بل تتفوق بها على المصارف الإقليمية وتوازي المصارف الأجنبية. وبغض النظر عن السياسات المالية للقطاع ومدى ملاءمتها مع المطلوب اقتصاديًا، فقد استطاع القطاع المصرفي المحافظة على استقرار الوضع المالي والنقدي في لبنان ومنع تأثيرات الوضع الأمني والسياسي على العملة اللبنانية بالحد الأدنى. لِنَقُل إن المعادلة التي رسختها المصارف كانت قوية وقادرة على حماية الوضع المالي والنقدي في لبنان. إذًا، نظرًا لما يعنيه اعتماد الدولة اللبنانية على القطاع المصرفي، ومع ما يعنيه دور المصارف في الإقتصاد والمحافظة على العملة الوطنية، فإن واشنطن بقرارها تعاقب المصارف، وليس حزب الله!
بالنتيجة، قد يختلف اللبنانيون في النقاش حول الخلفيات والإجراءات لكن لا يجب أن يختلف اللبنانيون على اعتبار ما يجري اعتداءً على لبنان ومصالحه القومية. فالحرص على سيادة ومصلحة النظام المالي في لبنان، يتنافى مع احداث بلبلة مالية تُؤثر على القطاع المصرفي وتستبق مساع اللبنانيين للخروج من المأزق الإقتصادي. أثبت القطاع المصرفي أنه فعَّال رغم الإستحقاقات، وبقيت المؤشرات النقدية صامدة رغم كل الظروف التي مرَ بها لبنان. لِنَقُل إن النقاش يجب أن يبدأ من حقيقة أن ما يجري هو عقابٌ للمصارف اللبنانية وليس لحزب الله. فيصبح السؤال: لماذا تُعاقب واشنطن المصارف اللبنانية؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024