آراء وتحليلات
الحشد الشعبي وواشنطن..استراتيجية المواجهة
علي ابراهيم مطر
يعتبر العراق أحد البلدان التي واجهت الاستعمار، وله تاريخ في المقاومة ضده مع ثورة العشرين. وفي عصرنا الحالي، بدأت ظاهرة المقاومة في العراق، منذ دخول الاحتلال الأميركي إليه، وقد تشكلت مقاومة لمحاربته، بداية عن طريق مجموعات صغيرة واجهته وألحقت به خسائر يعتد بها، كانت سبباً رئيسياً في قرار الرئيس باراك أوباما الانسحاب عام 2011.
لم تترك الإدارة الأميركية العراق بلداً آمناً مستقراً، بل مهدت منذ دخولها حتى خروجها إلى جعل أمنه هشاً وجعل البلاد عرضة لأزمات متعددة، فقامت بدايةً بحل مؤسسات الدولة وتفكيك البنى السّياسيّة، مستخدمةً سياسة التّفتيت الطائفيّ، والفدرلة، وإذكاء الفتنة وتنمية التطرف وتقوية المجموعات الإرهابية، عبر اتّباع استراتيجيّة التّفجير المتوازن.
وفي ظل وجود الاحتلال توسع "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، والذي تحول تباعاً إلى تنظيم "داعش" الذي ألحق الويلات بالشعب العراقي، بشكل كانت تريده واشنطن لإبقاء سيطرتها على هذا البلد، واستخدام أراضيه لمحاصرة سوريا وإيران. وفي غمرة هذه المواجهة، لعب الحشد الشعبي دوراً متقدماً لحماية البلاد وحفظها، حيث بدأ بمقاتلة الوكيل وهو "داعش" نيابة عن الأصيل وهو القوات الأميركية.
دور الحشد الشعبي في محاربة الإرهاب
شكّلت مشاركة الحشد الشّعبيّ في المعارك العسّكريّة ضدّ تنظيم "داعش"، دعامةً أساسيًّة لتحرير مختلف المناطق العراقيّة. وكانت معركة الموصل، من المعارك البارزة التّي خاضتها قوّات الحشد، خاصةً أنّ الحشد تحوّل إلى قوّةٍ رئيسيةٍ لها تنظيمها الخاصّ، داخل القوات العراقية، فضلاً عن القَبول الواسع لهذه القوّة، من قبل أكثرية الشّعب العراقيّ، بعد صدور فتوى المرجع الديني الكبير في العراق آية الله العظمى سماحة السيد علي السيستاني.
لقد تَشَكَّلَ الحشد الشّعبيّ من المتطوعين من أبناء الشّعب العراقيّ، الذين قاتلوا وفق فصائل متعدّدة، بعد فتوى (الجهاد الكفائي التي أطلقتها المرجعية الدينية، وأعلنها ممثلها في كربلاء السيد عبد المهدي الكربلائي، يوم الجمعة المصادف 13 حزيران/ يونيو 2014، إثر سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابيّ السريعة على مدن عدّة في شمال العراق وغربه، متوغلاً باتجاه مدينتي سامراء وديالى، ومن الغرب باتجاه مدينة بابل في جرف الصخر. وقد هدّد هذا التّنظيم الإرهابيّ العاصمة بغداد، وبات في وقتها على مشارف محافظتي بابل وكربلاء المقدّسة.
وقد لعب الحشد دوراً بارزاً ضدّ التّنظيم، من خلال تحرير أو المشاركة في تحرير الكثير من المناطق العراقيّة، مثل آمرلي وجرف الصخر وتلعفر وبلد والدور والعلم والبغدادي وتكريت وبيجي والضلوعية وحزام بغداد وديالى والموصل والأنبار.
لقد نجحت قوّات الحشد الشّعبيّ في إيقاف الّتمدّد السّريع لتنظيم "داعش" نحو بغداد وسامراء وكربلاء، وتمكّن من إبقاء المدن المقدّسة والعاصمة بغداد خارج دائرة خطر تمدّد التنظيم، فضلاً عن مساعدة الدّولة على استعادة زمام المبادرة على الأرض المحرّرة بعد تحقيق الانتصارات العسكريّة.
الحشد عدو أميركا في العراق
لقد قَدَّر المتحدّث باسم الجيش الأميركيّ في العراق، الكولونيل كريس غارفر، أنَّ قوّات الحشد الشّعبيّ، تنامت إلى نحو 100 ألف مقاتلٍ بعد ظهور تنظيم "داعش"، وهذا ما يقض مضاجع الأميركي، حيث بات الحشد الشعبي يشكل ظاهرة مقاومة في العراق تجعل واشنطن قلقة على قواتها بشكل دائم خاصة عندما يريد أن يرتكب اي حماقة سواء في العراق او انطلاقا منه لضرب إيران ما يجعله يحاول كسر هذه القوات. واليوم على الرغم من أهمية دورها، وما قدّمته لتحرير العراق من "داعش"، إلاّ أنّ هناك أصواتاً لها مصالحها السياسية الداخلية والخارجية علت ضدّها، بعد أن قامت دولٌ عربيّةٌ بتحريض فئةٍ من العراقيّين على هذه القوّات للمطالبة في حلّها وإنهاء دورها. ويتقاطع ذلك مع ما تمارسه الإدارة الأميركيّة من ضغوطات على الحكومة العراقيّة، لإنهاء دور هذه القوّات، التّي تعتبرها واشنطن تهديداً رئيسياً لها في العراق، ويمكن أنّ تقوم بعمليات عسّكريّة ضدّها، وخاصةً أنّها تعتبرها أحد حلفاء طهران الرئيسيين في المنطقة.
مع انتصار العراق على "داعش"، وبعد التفوق الواضح للحشد الشعبي، وتصاعد دوره الكبير والتفاف الشعب العراقي حوله، عادت البوصلة مرة أخرى نحو العدو الأصيل، الذي لا يترك العراق الذي تحرر بفضل دماء ابطاله، يعيش حراً أمناً ومستقراً، فبدأت الأيادي الأميركية تعمل من أجل محاصرة المقاومة العراقية والالتفاف عليها حتى إسقاطها أو إلغاء دورها، وقد بدأ المشوار الأميركي في هذه الخطة عبر الضغط على الحكومة العراقية من أجل تقويض دور الحشد الذي هو في الأساس يعد جزءاً لا يتجزأ من القوات العراقية الرسمية، ومن ثم بدأ الاستهداف المباشر لمخازن الأسلحة، والعمل على محاصرة قيادات الحشد عبر فرض عقوبات عليهم.
ما لم يتوقعه الأميركي، هو القرار الاستراتيجي الهام الذي اتخذته قوات الحشد الشعبي، بإعلان العدو الذي يقوم باستهدافها بعد أن امتصت الضربة الأولى، وتغاضت عن الفاعل لحساسية موقف الحكومة العراقية. هذه المرة كان قرار الإعلان حاسماً لا يمكن المواربة في المواجهة، وهذا ما يعد ضربة جديدة لواشنطن في العراق، حيث أصبحت أمام تحد جديد يقوم على استهداف قواتها في حال اعتدت على السيادة العراقية وعلى قوى أساسية في العراق تعد من ضمن القوى الرسمية المعترف بها حكومياً وبرلمانياً ولها شعبية كبيرة قائمة على أسس عميقة متمثلة بدماء الشهداء وفتوى المرجعية الدينية.
لقد أدخل الأميركيون هذا العام أربع طائرات مسيّرة إسرائيلية من طريق أذربيجان، لتعمل على تنفيذ طلعات جوّية، تستهدف مقرّات عسكرية عراقية، وفق ابو مهدي المهندس، وهذا ما يحصر المسؤولية بالجانب الأميركي، ويعني ذلك أن المواجهة أصبحت علنية، وأن الحشد يحق له أن يحافظ على سيادة العراق ويحمي قواته، وهذا ما يجعل المواجهة مفتوحة بين الجانبين على اعتبار بناء معادلة جديدة، قوامها الرد على الرد.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024