اليمن
الصحة في اليمن أيام العدوان: قيام من تحت الركام
سراء جمال الشهاري
في سابع أعوام العدوان الأمريكي السعودي على يمن الإيمان والحكمة، ومع اشتداد لظى الحصار واعتماد العدوان سياسة التوجيع والحرمان بغطاءٍ ورعايةٍ أمميةٍ ودولية. تعاني البنية التحتية في اليمن من تضعضعٍ كبيرٍ، والخدمات العامة تُقدّم للمواطن بالمتاح، والمتاح يكاد أن يكون معدومًا خصوصًا مع تفاقم أزمة المشتقات النفطية.
الصحة في اليمن تنازع وتقاوم الانهيار أمام هذه الأوجاع، بل إنها تُستهدف مباشرةً بغارات ونيران قوى التحالف وحصارها اللعين. ووزارة الصحة تتلاحق ما يدمره العدوان، وتسعى بكل جدٍ إلى تقديم ما أمكن من رعايةٍ صحية لليمني المجوّع المقتول، وتنضال كي لا تغلق أمامه أبواب مستشفياتها ومراكزها، وقد أغلق العدوان والعالم المتواطئ على شعب الإيمان كل منفذٍ للحياة.
في حوارٍ خاصٍ مع الدكتور علي المضواحي مستشار وزارة الصحة العامة والسكان لحكومة الانقاذ الوطني، يتحدث المضواحي لموقع " العهد" الإخباري عن المعاناة التي خلقها العدوان والتحديات التي تواجه الجبهة الصحية "تسبب العدوان في تدميرٍ مباشرٍ وغير مباشر للنظام الصحي الوطني، فمع استمرار الاستهداف الإجرامي للمدنيين، تواجه المنشآت الصحية في مختلف المحافظات والمواطنين خطرًا محدقًا ليلَ نهار. كما أن استمرار الحصار أدى إلى انحصار توريد الاحتياجات عبر الجهات الممولة، والتي لها أولوياتٍ لا تتفق بالضرورة مع الاحتياجات الفعلية للصحة في بلادنا".
ويضيف المضواحي: "إن جريمة الحصار المفروض على بلادنا منذ سبع سنوات شملت الدواء والغذاء والوقود المشغل للمنشآت الطبية، وما يصل حالياً من الأدوية والمستلزمات المنقذة للحياة يمر عبر دورة شحنٍ وتوصيلٍ طويلة، وهو ما يهدد جودتها، ويعرقل إتاحتها للمواطنين. كذلك تعطلت عدد من الأجهزة الحيوية، ومنها المعجل الخطي المستخدم في مركز علاج الأورام، وهو ما يعني قتلاً متعمدًا لمرضى السرطان الذين يحتاجون لهذا الجهاز وغيره. ويعاني مرضى الأمراض غير الساريّة (القلب، السكري، الكلى، السرطان) من شحة الأدوية، وذلك يهدد حياتهم، ويؤدي إلى نزيفٍ متزايد ومعاناة مستمرة.
يتابع المضواحي شرح تفاصيل الوضع الصحي: "من التحديات التي تواجهها وزارة الصحة ارتفاع معدل حالات سوء التغذية بين الأطفال، وخاصةً في المناطق التي تعاني من صعوبة التضاريس، مما يحد من القدرة على الوصول إلى المستهدفين. خصوصًا مع التحديات المالية القائمة وغياب التمويلات الكافية، وعدم وجود حتى النفقات التشغيلية الضرورية".
ويعدد مستشار وزارة الصحة العامة والسكان ما يعتري المساعدات الأممية والمنظمات الدولية من سلبياتٍ تحد من الاستفادة مما تقدمه من مساعدات "المنظمات الممولة تتأخر في الاستجابة والتنفيذ للأنشطة ذات الأولوية، وبالتالي تتعرقل الكثير من التدخلات المنقذة للحياة ولا تصل في وقتها. ولا تقوم هذه المنظمات بإجراء دراسات ميدانية لتحديد الأولويات، وهذا أدى إلى الاستجابة المعيارية للاحتياجات الانسانية في المجال الصحي، وعدم تنفيذ دراسات قياس أثر التدخلات بصورة كافية.
وللأسف تجنح المنظمات الدولية لدول العدوان، وتسكت عن جرائمها، وهو ما شجع دول التحالف على الاستمرار في الحصار، واستهداف المنشآت الصحية، ضمن ممارسة بشعةٍ للقتل الممنهج، قابلته المنظمات المدعية اهتمامها بحقوق الانسان بصمت مريب، فاقم الوضع الكارثي الراهن".
العدوان يسفك الدم اليمني ووزارة الصحة تداوي وتنقذ
إن من يتأمل الواقع في الشارع اليمني يجد الأبواب موصدة أمام أي تنمية، ولا سبيل لتحقيق أي نجاحٍ أو بناءٍ في ظل العدوان والحصار.
ويكفي فقط أن نعرف أن الميزانية التشغيلية لوزارة الصحة تساوي الصفر غالبًا، لكن ذلك لم يمنع وزارة الصحة بحكومة الانقاذ الوطني من تحقيق انجازات استثنائية، أهمها وأبرزها هو استمرار خدمات الصحة العامة طوال سنوات العدوان والحصار السبع وعدم انهيارها.
في ذات الشأن يوضح الدكتور علي المضواحي بعض تلك النجاحات في حواره مع موقع "العهد" الإخباري: "استطاعت وزارة الصحة العامة والسكان اليوم تأمين خدمات لم تكن متاحة في أي وقت سابق في بلادنا، وذلك بإعادة تعريف الصحة وتحديد أولوياتها من خلال تحفيز العمل القيمي، والذي ينطلق من معايير إيمانية، مكنت عددًا كبيرًا من المحافظات والمديريات من إتاحة الخدمات الوقائية والتشخيصية والعلاجية، في ظل شحة الموارد المالية.
لقد أثمرت ثقافة الجهاد والعطاء في التزام العاملين في مواقعهم، على الرغم من توقف الرواتب والموازنات التشغيلية بسبب العدوان والحصار. ولذلك فإن حالةً من الارتقاء بالصحة تشهدها المحافظات الحرة تتجاوز الأبعاد المعيارية البرامجية في الجوانب الإدارية والفنية والمالية إلى البعد الروحي، من خلال تطبيق الثقافة الايمانية، والعمل ضمن توجهات المسيرة القرانية، وهو ما مثّل حماية للنظام الصحي من الانهيار".
وتدل القراءة الراهنة لتقارير الأداء الواردة من المحافظات والمديريات الحرة أن تكاملية الخدمات الوقائية والعلاجية أثمرت كفاءة وفاعلية في عددٍ من الخدمات، وفي مقدمتها رعاية الأم والوليد والطفل، وتقديم خدمات الطوارئ والإسعاف، وتأمين خدمات الرعاية الحثيثة في المستشفيات.
وقد أثمر تطبيق برنامج وطني للجودة في القطاعين العام والخاص تحسناً في الخدمات المقدمة،واتجاهها نحو استدامة الرعاية الصحية، المستجيبة لأهداف الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة".
الخدمات التشخصية
ويضيف المضواحي لموقع "العهد" الإخباري: "لقد اهتمت وزارة الصحة العامة والسكان بوضع معايير تشغيلية دقيقة لجميع التدخلات الوقائية والتشخيصية والعلاجية الحيوية، وأعادت ترتيب أولويات هذه التدخلات بما ينفع الناس، ويستجيب لاحتياجاتهم الأساسية.
وفي ظل حوكمة جميع التدخلات الصحية يتم العمل على إعادة توجيه الدعم الدولي في إطار الأولويات الوطنية، والاستفادة المثلى مما هو متاح، على الرغم من شحه.
كما أخذت وزارة الصحة العامة والسكان تتوسع تدريجيًا لتغطية المحافظات والمديريات بالخدمات التشخيصية.
ووفرت غرف العمليات والرعاية الحثيثة ومراكز العزل في جميع المستشفيات، كذلك قامت بتوفير الحاضنات لحديثي الوالدة، ووصلت إلى عدد ١٠٠٠ حاضنة، بعد أن كانت أعدادها لا تتجاوز 94 حاضنة حتى العام 2018م".
حلول في مواجهة العدوان
ومن أهم الحلول التي عمدت إليها الجبهة الصحية لمواجهة العدوان وحصاره يقول مستشار وزارة الصحة العامة والسكان لموقع "العهد": "لقد قامت وزارة الصحة العامة والسكان بدعم التغذية الوقائية والعلاجية، وتأمين خدماتها الوقائية والتشخيصية والعلاجية في جميع المحافظات والمديريات الحرة، ونظمت برنامج التصنيع التغذوي المحلي لتعزيز الممارسات الفضلى في التغذية وتعزيز الصحة وتقوية المناعة، من خلال الاعتماد على الثروات المحلية لتطبيق أنماط الحياة الصحية.
وعمدت الوزارة إلى بناء نظام معلومات صحي وطني، يشمل جميع الخدمات والبرامج الصحية في جميع المنشآت، ضمن آلية تحليل البيانات لتساعد على اتخاذ القرارات المستنيرة و المستدلة بالبراهين. وشغّلت أكثر من 3500 منشأة صحيّة، في مختلف المحافظات، تحتوي على الأدوية والأجهزة وحوافز العاملين والوقود".
ويؤكد مستشار وزارة الصحة العامة والسكان لموقعنا: "مهما طال أمد العدوان " فإننا عازمون على الاستمرار فيما نقوم به، وفق الثقافة القرآنيّة، والهوية الايمانية اليمانية، وماضون نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، والاستغناء عن المساعدات الخارجية، والاعتماد على مواردنا المحلية".
"إن وزارة الصحة نموذج يماني برهن أن التحديات يمكن تحويلها إلى فرص بناء ونماء، وأنه لا يوجد في قاموس اليمانين خضوع أو استسلام"، لذلك ختم الدكتور المضواحي حديثه لـ "العهد" مخاطبًا منظمات الخنوع والتخاذل الأممية: "أوقفوا الحصار، ولا حاجة بنا إلى مساعداتكم، والدعم الوحيد المأمول منكم أن تتركونا لنقرر مصيرنا بأيدينا، ونحمي شعبنا من عبث العدوان وجرائمه. وسنظل صامدين، وعلى النصر في الصحة كما في جميع الجبهات الأخرى عازمين".