اليمن
بعد عام على توقيعها..ماذا أرادت قوى العدوان من اتفاقية "ستوكهولم"؟
حسين كوراني
بعد مرور عام على توقيع اتفاقية ستوكهولم في 13 ديسمبر/كانون الأول2018 في السويد بين الجيش اليمني وحركة أنصار الله من جهة والمليشيات اليمنية المدعومة من السعودية والإمارات من جهة أخرى، نشر مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفث الثلاثاء الماضي تقريرًا أكد فيه أن عملية تنفيذ الاتفاقية ما زالت "بطيئة"، وسوف "تكون هناك انتكاسات، لكننا سنواصل رعاية وتعزيز كل إنجاز صغير على طريق دعم اليمنيين في سعيهم لتحقيق السلام والاستقرار".
غريفث وصل إلى العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء الماضي لعقد لقاءات مع الرئيس اليمني الفار عبد ربه منصور هادي ومسؤولي مليشيات مؤيدة للرياض، ومن ثم انتقل الى صنعاء أول من أمس الاثنين للقاء قائد "أنصار الله" السيد عبد الملك الحوثي لبحث عملية السلام عبر تفعيل تطبيق اتفاقية ستوكهولم هذه، التي تتكون من ثلاثة محاور رئيسية تتضمن مدينة الحديدة وموانئها والصليف ورأس عيسى، وملف تبادل الأسرى، وإعلان تفاهمات حول تعز.
وبعد مضي سنة على اتفاقية ستوكهولم، لا بُدّ من التوقّف عند معرفة ما الذي طبق منها حتى الآن.
الأعمال القتالية
رأى تقرير غريفث أن جميع الأطراف المتحاربة التزمت بوقف فوري لإطلاق النار في مدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، مع إعادة انتشار مشترك للقوات المتقاتلة، وتأمين الموانئ واستخدام عائداتها لدفع رواتب الخدمة المدنية عبر البنك المركزي في صنعاء، وإنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة برئاسة الأمم المتحدة، وإنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة، ما جنّب المدينة هجومًا كارثيًا كان متوقعًا مع عودة 150 ألف شخص نزحوا منها أثناء المعارك، بالإضافة الى خفض الأعمال القتالية والحوادث الأمنية في الخطوط الأمامية في المدينة وتعز ومحافظة الحديدة مع تحسّن الوضع الإنساني فيها.
أمام هذا الكلام، يؤكد مسؤول الدائرة الحقوقية والقانونية في المجلس السياسي لحركة أنصار الله اليمنية عبد الوهاب المحبشي لموقع "العهد الإخباري" أن غارات العدوان السعودي بعد اتفاقية ستوكهولم بقيت تستهدف المراكز العسكرية ومحاور الاقتتال لدعم مرتزقته في التقدم، إذ سُجلت آلاف الخروقات في مناطق وقف التصعيد، وكان آخرها التصعيد الكبير الذي طال المحافظات الشمالية في الحجة وصعدة والجوف بمئات الغارات، ويعتبر أن العدوان لم يعد يجرؤ على قصف صنعاء بعد ضرب العاصمة السعودية الرياض بالصواريخ البالستية، إذ أصبحت المعادلة العاصمة مقابل العاصمة.
وفيما يتعلق بالموانئ، يلفت المحبشي الى أنها سُلمت الى خفر السواحل اليمنية، وتم توريد المليارات من الريالات من إيراداتها الى البنك المركزي في صنعاء، لكنها لم توزع، لأنها لا تكفي ابدًا الموطفين بسبب قلة البواخر التي تدخل الموانئ، كما أن عائدات النفط اليمن سرقت من قبل مليشيات الجنوب في عدن وغيرها التي أصبح لديها ثراء فاحش، مقابل مدنيين يعانون المجاعة.
ملف الأسرى
فيما يتعلق بالآلية التنفيذية لتفعيل اتفاقية تبادل الأسرى، ذكر التقرير أنه تم إنشاء لجنة مختصة تم من خلالها تبادل قوائم السجناء، ومناقشة المسائل اللوجستية، واتخذت الأطراف مبادرات أحادية الجانب وأفرجت عن مئات السجناء، بمن فيهم قُصّر. هنا يقول القيادي المحبشي لـ"العهد" إن ملف الأسرى من أصعب الملفات التي تواجه الطرفين، والعقدة تكمن في أن الطرف السعودي لا يعترف سوى بـ 700 أسير فقط من الجيش اليمني واللجان الشعبية في حين أن العدد يتجاوز اكثر من 7 الآف مقاتل، والعدد ذاته من مرتزقة العدوان موجود لدينا (2500 تم أسرهم في معارك شهر آب الماضي)، منهم المئات من الجنود السعوديين والعشرات من الجنود الإماراتيين.
ويلفت المحبشي الى أن غريفث طالب الاثنين الماضي السيد الحوثي بالأسرى السعوديين والإماراتيين فقط، وأن الأخير رفض عرضه، وأصرّ على حل الملف بالكامل، والكشف عن أسماء كل الأسرى الذين لا تعترف بهم الرياض، وخاصة أن الأسرى المحرّرين من الجيش واللجان أكدوا وجودهم في السجون التي كانوا فيها.
ويشير المحبشي الى أمر غاية في الأهمية يعيق تقدم ملف الأسرى، هو مطالبة غريفث (عبر نقله رسالة من السعوديين) بإطلاق أسرى مجرمين شاركوا بعمليات إرهابية كتفجير المساجد قبل شن قوى العدوان الحرب على اليمن، وتفجير سيارات مفخخة وأحزمة ناسفة في صنعاء ومناطق أخرى، أودت بحياة عدد من المدنيين العزّل وبعضهم قادة في تنظيمات تكفيرية كالقاعدة. إذ ما يهمهم هو عدم الكشف عن الخلايا النائمة التي تضرب السلم الأهلي، ومنهم ما تم القبض عليه خلال فترة الحرب في صنعاء.
ويضيف المحبشي أن من بين الأسرى مدنيين أبرياء اختطفوا من قبل ميليشات مأرب أثناء ذهابهم وعودتهم من موسم الحج والعمرة على خلفيات عشائرية ومناطقية ومذهبية، بحيث أصبح التفاوض عليهم مع صنعاء وكأنهم أسرى حرب، وابتزاز ذويهم والجيش واللجان بإطلاق سراحهم مقابل إطلاق أسرى لهم أسروا في المعارك.
ولم ينف ِالمحبشي أن هناك وساطات قبلية وعشائرية يمنية تعمل على حلّ ملف الأسرى وتوصلت الى إطلاق العشرات من الأسرى اليمنيين من قبل الطرفين.
تفاهمات تعز
أوصى تقرير غريفث بالمزيد من التركيز للتوسط من أجل الوصول لاتفاقات بين الطرفين لتخفيف حدة الأعمال العدائية وفتح ممرات إنسانية مستدامة لتخفيف معاناة سكان مدينة تعز. القيادي في حركة أنصار الله يلفت في هذا السياق الى أن قلب مدينة تعز يخضع لسيطرة حزب الإصلاح المدعوم من السعودية، في حين تسيطر جماعة طارق عفاش المدعومة من الإمارات على المخا، ويشهد الطرفان جولات قتال في الشوارع والأزقة من فترة الى فترة، ونتيجة لذلك فقد تغيرت قواعد الاشتباك وإنخفض منسوب المعارك على محاور الجيش اليمني واللجان الشعبية في المحافظة اللذين يسيطران على عشر مديريات تساوي أقل من نصف محافظة تعز، والسبب حسب رأيه لا يعود الى اتفاقية خفض التصعيد.
المفاوضات
ويرى المحبشي أن رئيس المجلس السياسي الأعلى مهدي المشاط أطلق مبادرته في ايلول/سمتبر الماضي بوقف الصواريخ الباليستية واستهداف النفط، مقابل وقف الحصار عن الشعب اليمني، ولكن الوسطاء لم يفعّلوا هذه المبادرة سواء في زيارة رئيس وزراء باكستان عمران خان الأخيرة الى السعودية أو الوساطة العُمانية، متحدّثًا عن أن هناك طرفًا ثالثًا يقوم بدور الوساطة لم يكشف عنه يعالج بقية المسائل بطريقة غير مباشرة، كاشفًا أن هدف السعودية اليوم هو تمييع الوقت لترتيب أموره بعد الخلافات بينه وبين الإماراتي لحين لمّ شمله.
ويختم قائلًا: "قوى العدوان تريد عبر غريفث التهدئه مقابل وقف الطيران المسيّر والصواريخ البالستية اليمنية وضرب المنشآت النفطية والمراكز الحساسة في السعودية مقابل وقف الغارات وهذا ما نرفضه، إذ نطالب بحلّ شامل يوقف العدوان ورفع الحصار، لأن مصلحة السعودية من الحصار بقاء الوضع على ما هو عليه حتى يموت الشعب اليمني من دون حرب".
إقرأ المزيد في: اليمن
21/11/2024