معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

هواجس اللبنانيين وغياب الدولة: كلامٌ برسم السلطة!
29/06/2019

هواجس اللبنانيين وغياب الدولة: كلامٌ برسم السلطة!

محمد علي جعفر
يظن البعض أن كثرة التطمينات والتي باتت تطغى على تصريحات السياسيين اللبنانيين، كافية لطمأنة المواطن اللبناني على حاله ومستقبله. لكن الإنطباع السلبي الموجود لدى أكثر اللبنانين تجاه أهل السلطة، بالإضافة الى سوء الوضع الإقتصادي وتحميل الدولة تبعات ذلك للمواطن (على سبيل المثال، كما يحصل مع الأساتذة الجامعيين أو المتعاقيدين في الجيش)، يدفع المواطن اللبناني الى الشعور أكثر بالقلق على مستقبله في ظل عجز واضح للسلطة السياسية في القيام بالإجراءات الوقائية اللازمة. كل هذه الهواجس والتي بات يُعبِّر عنها اللبنانيون كافة، تطرح النقاش حول مستقبل لبنان، لا سيما في ظل التطورات الإقليمية والتبدُّلات في الأولويات الدولية.
 
ولعل الإيمان اللبناني بحجم الإحتضان الإقليمي والدولي للبنان، بات يُشكل بحد ذاته خطراً يجب الإلتفات اليه، في ظل التغيرات السريعة التي تعصف بالسياسة الدولية. فحالة الطمأنينة التي عاشها لبنان ولفترة طويلة كانت نتيجة لحالة شبه الثبات والتي طغت على السياسة الدولية تجاه لبنان. فإلى أي مدى يُمكن الرهان على ذلك؟

مؤتمرات الدعم والعناية الدولية ما تزال محط رهان أهل السلطة في لبنان. على قاعدة أنه "ممنوع للبنان أن يسقط"، يتصرف أهل السلطة. رهاناتٌ كافية لتدل على غياب قدرة لبنان الذاتية على حماية نفسه، وارتهانه لمصلحة خارجية تجد في استقراره وثباته ضرورة. فماذا لو تغيرت المصالح، في عالمٍ تتبدل فيه المعادلات بسرعة؟ ولماذا لا يكون أهل السلطة بحجم مسؤوليتهم الوطنية، ويكونوا رجالات دولة، ويقرروا بناء قدرة لبنان الذاتية؟

إن أغلب المقاربات المُعتمدة لمعالجة الواقع اللبناني لا سيما المناحي المالية والإقتصادية، هي مقاربات ظرفية ومؤقتة، لا تعالج أسباب الأزمة، وتدخل في أغلبها "ابتكارات العقل اللبناني الخاصة" والقائمة على المحسوبية والمحاصصة. يُضاف الى ذلك أن الواقع اللبناني انتقل من مرحلة ادارة الإزمة الى مرحلة ادارة نتائجها. وهو ما يعني أن أغلب ما يجري يتم التعاطي معه بشكل جزئي، ما يُفقد حتى الحلول الجزئية قدرتها على التأثير. فعلى سبيل المثال، طغى على سلوك أهل السلطة خلال الفترة السابقة السعي الدؤوب لتأمين سيولة بالدولار وذلك لمعالجة الخلل المالي الناتج عن أن معظم السلع التي يستهلكها اللبنانيون مستوردة، وهو ما يمكن معالجته بالتوجه الى تعزيز الصناعة الوطينة والتحول نحو إقتصاد انتاجي يُقلل من حاجة لبنان للإستيراد!

أن يَربط أهل السلطة مصير لبنان واللبنانيين بالمصالح الدولية هو دليل على غياب الموضوعية والحكمة في معالجة الواقع اللبناني. ودليل على فقدان الإيمان بقدرات لبنان الذاتية. ودليلٌ إضافيٌ على طغيان العقل الموروث للسلطة والقائم على رهن مصالح اللبنانيين للمعادلات الخارجية. كلها نتائج لغياب السيادة على قرار أهل السلطة. السيادة بمعناها الذي يفرض التفكير بعقل لبنانيٍ محض، ومصالح اللبنانيين فقط. لكن المشكلة أعمق من ذلك. حيث يُضاف الى ما تقدم غياب الرؤية الإستراتيجية للبنان والتي تكفي لتشرح جهل أهل السلطة بعناصر القوة التي يمتلكها لبنان والتي يجب أن تكون مُنطلقاً لسياسات الدولة. وهو ما يحتاج بعد تعريفه، لأن يُقارب بشكلٍ استراتيجي، أي أن يوضع ضمن إطار يسمح بتسييل هذه السياسات عبر تدابير ومشاريع بنيوية ومُستدامة.

من التحوُّل من الإقتصاد الريعي الى الإقتصاد الإنتاجي، مروراً بإنشاء هيئة التخطيط للدولة، وصولاً الى معالجة النظام الضريبي، أهدافٌ واضحة وطبيعية يجب التوجه لتحقيقها، لكنها تغيب عن الدولة اللبنانية. ويبدو واضحاً معها غياب الجدية لدى أهل السلطة. وعلى أعتاب هذا الوضع المُترهل، يتأرجح مصير اللبنانيين. كلامٌ قليلٌ برسم لأهل السلطة، يُعبِّر عن هواجس اللبنانيين، لكنه يكفي لإبراز الدور المفقود للدولة!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف