على العهد يا قدس

نقاط على الحروف

مشهد العيد: رسالة مقاوِمة
31/03/2025

مشهد العيد: رسالة مقاوِمة

هو العيد، كفّ الفرح السماويّ التي تربت على كتف الناس، وتمسح عن وجوههم علامات القهر وتعابير الألم، ولو قليلًا.. هو محطة لتبادل التهاني وعبارات الحمد، علامة أهل التوكّل والتسليم والصبر الجميل. هذا المجتمع الذي خاض وما يزال إحدى أقسى المراحل في تاريخه، يسطّر حكايات الصمود والصبر في كلّ حركته، وتسطع كلّها في يوم العيد.. يُرى ذلك بوضوح تام في قرى الحافة المقاتلة والصابرة..يُرى جليًّا في كلّ ضيعة عند الحدود..
سيل التبريكات يغمر الأعين، ولأعين الفاقدين طريقة مختلفة في رواية فيوض الصبر وإشارات التحدّي والإباء. لذا، في قلب مشهد العيد ومقدّمته، تتربّع عوائل الشهداء. تشرق شمسهم عند أضرحة الأحبّة. طفلة بثياب العيد تطبع قبلة على جبين اسم والدها المحفور على الرخام.. فتىً يستعجل الخطى ليكون أوّل من ينال ضمّة والده عند ضريحه، يسابق من معه كي يكون أوّل المهنئين.. زوجة تحمل باقة ورد، تقترب ببطء وتلقي على شهيدها تحيّة العيد، وتطمئنه إلى أنّها وزّعت للأولاد عيديّتهم كما يحبّ، واشترت لهم ثيابًا جديدة، وحكت لهم حكاية منه، حكاية عنه، تسكّن فيهم لوعة الفقد ولو لحظات.. أمّ تمسّد وجه قرّة عينها في صورة قرب مرقده، تتلو له بعض الآيات الكريمة، وتهمس له بحبّ سيّال أن اشتاقت، اشتاقت كثيرًا لطلته، وأنّها تباهي به كلّ الدنيا.. 

في الصباح الباكر، يتحلّق جمعٌ من أشرف الناس حول ضريح سيّد شهداء الأمة.. هم الأبناء الأشداء وهذا أوّل عيد يمرّ عليهم بغياب السيّد.. يحضرون إليه بلهفة المشتاقين المتعجّلين لتجديد عهد الوفاء، وعهد الثبات، وعهد الصّبر، وعهد الثأر. هم يعلمون أنّه لم يكن ليتوقّع منهم أقل من ذلك.. فقد عرفهم وأحبّهم كما عرفوه وأحبّوه.. لن يبدؤوا مراسم العيد من وصل الأرحام والواجبات المرتبطة بالمناسبة قبل أن يزوروا أباهم، ليهنئوه بالعيد، ويضعوا على ضريحه الورد وكلمات الحبّ، ويستأذنوه لمتابعة مجريات يومهم.. منهم من يعود إلى بيته في الضاحية أو بيروت، ومنهم من يمضي إلى "الضيعة".

في "الضيعة"، في كلّ ضيعة، يتميّز العيد بفوحٍ أشدّ حضورًا، وهو في هذا العام على وجه الخصوص، رسالة صمود وصبر وتحدٍّ ولا سيّما في قرى الحدود، حيث تحدّث عيون الناس وتراب الأرض وكلّ الركام الممتزج بقرار إعاقة إعادة الإعمار. ينتظر العدو، وجميع الذين "يشدّون على مشدّه"، أن يستسلم أهل القرى للقهر، أن ينكسر إباؤهم المتين أمام هول ما جرى وما يجري.. أن تستحيل أيامهم كلّها، بما فيها يوم العيد، مناسبة لإظهار وهن أو التعبير عن ضعف وتراجع.. هيهات! بصبرٍ هو من شيم أهل عامل، بصمود أسطوريّ، بإباء لا يمسّه رجس الخضوع والاستسلام، يصرّ أهل هذه القرى على تحويل المظلومية الهائلة الواقعة عليهم وهول الغضب في قلوبهم إلى طاقة توكّل ويقين، يقين بالله وبرجاله، مهما قست الظروف واشتدّ الظلم.. يقين بالمقاومة التي تمتلك الخيارات المتعدّدة وتمتلك الحقّ بالقرار وفق معطياتها وتوقيتها، وارتأت أن تمنح "الدولة" فرصة إثبات قدرتها على حماية الأرض والنّاس، علمًا أنّ الأخيرة لم تنجح حتى اللحظة في الاستفادة من الفرصة. 

هو العيد إذًا، والفرح فيه واجبٌ لا يتنافى مطلقًا مع الحزن المقدّس الذي سكن قلوب أهل المقاومة.. قل هو المناسبة التي تبلغ العدوّ وسائر مستخدَميه وعبيده، أنّ الجرح الكبير والحزن العميق هما طاقة تحدّ وقتال ولن يكونا وهنًا أو ضعفًا بأيّ حال.. هو المناسبة التي قد يفهم فيها مَن لم يفهم بعد أنّ المقاومة الصابرة هي مجتمع قويّ متماسك، لا يكسره الألم، ولا يُمنع عنه العيد، العيد المرصّع هذا العام برسائل الصمود والإباء والمقاومة.
---------

لبنانعيد الفطر المبارك

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة