إنا على العهد

نقاط على الحروف

عيترون وعيتا الشعب: عن شوق الأمومة لرائحة أبنائها الشهداء
28/02/2025

عيترون وعيتا الشعب: عن شوق الأمومة لرائحة أبنائها الشهداء

قضت عيترون ليلتها على صهوة الانتظار واللهفة، فالصبح هذه المرّة سيأتي بالأحبّة الذين طالت غيبتهم وطالت غربتهم، وإليها سيعودون.. مئة وخمسة شهداء تناثر عبق جثامينهم المستودعة بعيدًا عن تربة "الضيعة".. سيعودون بعدما فاح حبق دمهم في البلاد، وآن أن يستريحوا من تعب التهجير بعيدًا عن البيت الأمين وأن يغفوا مطمئنين في تراب يعرفهم ويعرفونه، يحبّهم ويحبونه.. تراب سيكون بيت أجسادهم الأبدي.. وكما عيترون، كذلك أختها عيتا الشعب.. أم مجبولة بالحب وبالشوق وبالعزة، تنتظر الصبح الذي ستلاقي فيه جثامين أقمارها على طريق القدس، وتودعهم آمنين في ترابها المظلّل بالعزّ.. أمّ العزّ.. 

الضيعة اليوم هي الأمّ الملهوفة، تنتظر عند شباك الدار وصول فلذات كبدها بعد غياب في وحشة الحرب، ترنو بعينيها ناحية القافلة التي ستنطلق من مقام النبيّ ساري في الصباح الباكر، حتّى تلمح ظلال النعوش العائدة وقد لُفّت بشمس الراية.. الضيعة اليوم هي الأمّ التي ستحتضن بعد شوق طال الشموس المستشهدة في دفء ثراها، وتزغرد لهم حال دخولهم أرضها المغمّسة بالصمود الأسطوري وبحكايات النزال، ثمّ سترتمي عند نعوشهم وردًا وقبلًا وضمّات مبلّلة بماء الروح: قد عاد الغوالي فيا كلّ الأرض اشهدي، الليلة سينام في حضن "الضيعة" أبناء أتمّوا مراسيم الفداء وحان ميقات استراحتهم في مسقط قلوبهم ومثواهم الأخير.. 

على أحرّ من الجمر المتوهج في الضلوع وبالكفوف المشققة بالصبر وبالقهر وبالتعب الجميل، تلملم كلّ كلّ عيترون وعيتا الشعب أثر الدمار الهمجيّ في حاراتهما وبيوتهما، تجهّزان أضرحة العائدين بعناية أمّ تطرّز جهاز بكرها بخيوط الشمس وحبّات درّ الفداء.. تمسحان عرق الحزن عن حواف كرومهما، وتؤنسان دمع الندى الساكن وجه شتلات التبغ وأشجار الزيتون وورود الديار العتيقة، أو ما بقي منها، بأن تتلُوَا أسماء العائدين وصورهم وتدعُوَا التراب الأبيّ المحرّر أن يتهيأ لاستقبال من سيتوسدونه منذ اليوم راضين مرضيين آمنين.. 

كلّ الشوارع في "الضيعة"، تنتظر مرور قرابينها المرفوعة إلى السماء، والتي صارت وصلًا لا ينقطع بين عيترون والجنة.. سرٌّ ما، سرّ نجهله، يحيل هذا اليوم المؤلم محطة أنس لا توصف.. أهو سحر الشهادة ما يضيء في قلب عيترون وأهلها اليوم، أم أنّه الشوق الأصدق اشتعل كحطب معطّر وسكّن روع النفوس المتألمة والقلوب المنكسرة وصنع لحظة دفء مستديم في دهر البرد العظيم العاصف بأرواحنا.. أهو العشق المخضّب بأسمى ترانيم الفداء ما يجعل عينا الشعب تستحيل أيقونة شهادة، أم أنّها الأمومة المقاومة قد انسكبت روحًا في التراب وفي البيوت وفي الشجر، فصار كلّ ما فيها لهفة صرف للضمة الأخيرة.. 

اليوم.. سيضمّ كحيل العائدين بنسمات تصيح "شتقنالكن".. وسيطلّ "الباط" من شموخه الذي ما زاده الجرح إلّا اعتزازًا ينثره على كتف النعوش العائدة.. اليوم سيهمس "العريض" في أذن الأحبة أن "نوّرتو الدار" وستهرع "المحافر" و"خلّة الغميقة" لرشّ ماء الزهر على وجه المسجّين في نعوشهم وستزغرد الحارات المخضّبة بحنّاء الطهر والنقاء من كلّ جهات الضيعة أن "يا هلا برجعتكن".. واليوم، ستهرع "عيتا" بكلّ مخزونها من حكايات المقاومة، وبكلّ ما مرّ على وجهها من تجاعيد تنطق بما جرى فيها، وبكلّ ما رأت عيناها من بطولة وإيثار وشجاعة وحب، لاستقبال العائدين المرفوعين إلى السّما قرابين عشق.. سيدخل الموكبان المهيبان أرضهما المحرّرة، ولحظتها، ستتلاقى الأرواح المنتظرة بتلك التي صارت في السماء.. سيكون الدمع أنيس الفاقدين، والصبر لون أعينهم.. سيوارون الأحبة في تراب ضيعتهم ثمّ ينظرون ناحية الأرض المحتلة ويهتفون: كرامتنا من الله الشهادة!

المقاومة الإسلاميةحزب اللهالشهداء

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة