نقاط على الحروف
هل يكسر "إنجاز الصين العظيم " الهيمنة الأميركية؟
لم يعد من المنطقي بمكان أن يتجاهل إنسان هذا الكوكب عالم الذكاء الاصطناعي الذي بتنا جميعاً جزءًا منه عن إدراك أو غير إدراك، فما يعيشه الكوكب اليوم من صراعات مختلفة ومتشعبة، يشكل الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا منها، لأن المعركة المحتدمة اليوم هي معركة العقول دون منازع.
هذا الواقع، كان محور أحد لقاءات سماحة السيد القائد علي الخامنئي (دام ظله)، حيث أكد أنه إذا لم يتمكن الشعب من نيل المستويات العميقة والمتنوّعة للذكاء الاصطناعي، فغدًا سيؤسّس الطامحون للهيمنة في العالم وكالةً للذكاء الاصطناعي، وحينها لن يسمحوا له بتخطّي هذه العتبة، مضيفًا أنه يجب إدراك المستويات العميقة لهذه التقنيّة، والسعي إلى توفير بنيتها التحتيّة في البلاد.
وفي هذا السياق، يتصدر الصراع الصيني-الأميركي المشهد، لا سيما بعد الإنجاز الصادم والساحق الذي حققته الصين بكشفها عن برنامج "Deepseek" للذكاء الاصطناعي. الكاتب والباحث في العلاقات الدولية الأستاذ محمد حسن سويدان، يشير في هذا الإطار إلى أن الصراع الصيني الأميركي في مجال الذكاء الاصطناعي يشكل جزءًا من صراع أكبر على التفوق والهيمنة التكنولوجية والاقتصادية العالمية، كون هذا العامل هو مُحَدِّد أساسي وجوهري في ذلك.
الحقيقة أن الدول التي ستتمكن من تطوير تقنيات متقدمة من الذكاء الاصطناعي، سيكون لها بالطبع تأثير كبير على المستوى العالمي، سواء من الناحية الاقتصادية أو التكنولوجية أو السياسية أو العلمية أو حتى العسكرية، لأن الذكاء الاصطناعي يوظَّف اليوم في أكثر من مجال، وعليه فإن الصراع الصيني الأميركي هنا سيكون له نفوذ على مختلف المجالات، عبر المفتاح الرئيسي المسمى بالذكاء الاصطناعي.
إن تصنيف المنافسة بين الصين وأميركا في هذا المجال يندرج تحته عناوين تفصيلية عدّة، أهمها مجالات البحث والابتكار، الاستثمارت والتطوير، توظيف هذا القطاع في مجالات مختلفة لا سيما المجالات الأمنية والعسكرية، والسيطرة على سلاسل التوريد والتكنولوجيا المتقدمة خاصة بعد فرض أميركا للعقوبات، بهدف منع وصول سلاسل التوريد إلى الصين.
وبالعودة إلى الإنجاز الصيني المحقّق في ميدان الذكاء الاصطناعي، فإن له بالطبع أهمية نوعية في المجال السياسي، يفوق كل الإنجازات السابقة، لأسباب عدة وفقًا للباحث سويدان، يأتي في مقدمتها تسببه بقرع جرس الإنذار عند الغرب والأمريكيين، خاصة بعد تقديم الصين مؤشراً على إمكانية تجاوز الهيمنة الأميركية هنا، وكسر احتكار هذه الأخيرة للعديد من الصناعات والتطبيقات والابتكارات في مجال الذكاء الاصطناعي، لتعطي الصين بذلك بارقة أمل إلى جميع الدول حول العالم بعدم إلزامية ارتهانها للأميركي، للاستفادة من عالم الذكاء الاصطناعي.
التطور الصيني سيساهم أيضًا بتراجع النفوذ الجيو- سياسي الذي حققته أميركا، من خلال دخول الصين على خط المنافسة بشكل جدي وزيادة نفوذها في العالم التقني العالمي وإمكانية تعاونها مع الدول النامية، لا سيما وأن الصين ستسعى مستقبلاً لأن تكون المورد الرئيسي للبنية التحتية التكنولوجية خاصة في منطقة آسيا.
من ناحية أخرى، يجب الحديث عن التأثير الكبير جدًا للإنجاز الصيني على الأسواق المالية، بعد الخسائر الفادحة التي ضربت الشركات التكنولوجية الأميركية والتي تجاوزت التريليون دولار، مقابل ارتفاع كبير في قيمة أسهم الشركات التكنولوجية الصينية. الأمر امتد أيضًا ليشمل الشق الأمني، والتفكير السائد في هذا الإطار داخل أميركا بشكل أساسي، بحكم أن إحدى أهم أدوات استخدام الذكاء الاصطناعي هي الشق الأمني العسكري، ووصول الصين لهذه المرحلة المتطورة يسمح لها بتوظيفها أيضًا في هذا الشق، مما سيتسبب بقلق بالغ لدى الأميركيين.
التداعيات الاقتصادية لهذا الإنجاز، بحسب الباحث، تنسحب أيضًا على الشركات التكنولوجية الغربية التي انخفضت قيمة أسهمها بشكل واضح مثل" google، open AI،" وغيرها، وذلك بسبب خوف المستثمرين من أن تخسر هذه الشركات فعلًا هيمنتها ومكانتها المرموقة في السوق لصالح المنافس الصيني، كما فرضت على هذه الشركات أن تخفّض أسعارها وتحسّن خدماتها، إضافةً إلى أنها ستضطر لزيادة الإنفاق على قطاع الأبحاث والتطوير لديها، مما يعني زيادة نسبة الديون الأميركية بسبب الأموال الضخمة التي ستضخها في هذا السوق.
التداعيات تشمل أيضًا أسواق رأس المال والاستثمارات، حيث انخفضت تقييمات شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية بعد الإعلان الصيني، مقابل زيادة حافزية المستثمرين للتوجه نحو قطاع الذكاء الصناعي الصيني، ما يعني زيادة توجه "الرأسمال العالمي" نحو الصين التي لم تكن من ضمن حساباته سابقًا.
سلاسل التوريد العالمية كان لها كذلك نصيب من هذه التداعيات، ففي ظل محاولة الأميركيين فرض عقوبات ومنع وصول الصين وباقي الدول لسلاسل التوريد ومنع تصدير أشباه الموصلات وغيرها من التحديات، تمكنت الصين فعليًا من تجاوزها، وأن تصبح أقل اعتمادًا على التكنولوجيا الغربية لصالح البدائل المحلية المطوّرة.
سوق العمل حاضر أيضًا في نطاق التداعيات، خاصة في ظل جذب الشركات الأميركية لليد العاملة الكفوءة، أما اليوم فستعمل الصين على جذب أصحاب الخبرات والمواهب من أنحاء العالم كافة، حتى من داخل الدول الغربية بعد حصول هؤلاء على عروض وفرص مغرية.
هذه الأسباب مجتمعة، ساهمت في تعزيز النفوذ الاقتصادي الصيني العالي، حيث بدأ الكثير من الباحثين والمختصين والأكادميين باستخدام " DEEPSEEK" كنموذج جيد وفعال يعطي نتائج جيدة دون مقابل مالي، على عكس برامج الشركات الأميركية والغربية المدفوعة الثمن.
في السياق نفسه، يضع المسار الحالي للإنجاز الصيني، الشركات الأميركية والغربية أمام خسائر كبيرة، أهمها وأولها الفقدان التدريجي للهيمنة التكنولوجية العالمية في حال استمر نجاح التجربة الصينية التي ربما ستكون قادرة مستقبلًا على وضع قواعد تطور الذكاء الاصطناعي كقواعد منافسة لما تمليه الولايات المتحدة الأمريكية عالميًا.
وفي الختام، تدل المؤشرات الحالية على أن الصين ذاهبة نحو كسر احتكار التكنولوجيا العالمية، لكن فعليًا لا يمكن الحسم حتى الآن، نظرًا لوجود العديد من العوامل التي سترسم هذا المسار. أهمها مدى إمكانية الصين من التقدم في مجال البحث والتطوير، خاصة وأن عالم الذكاء الاصطناعي هو سريع جدًا في التطور، وكذلك مدى قدرتها على تصنيع رقائق ذكاء اصطناعي محلية بنفس الكفاءة الأمريكية، بمعنى هل ستتمكن من تجاوز تحديات سلاسل التوريد في الفترة المقبلة، وهل ستتمكن من توظيف إنجازاتها هذه في المزيد من الدول النامية، وكذلك مدى استمرارية الدعم الحكومي في الصين لبرنامج الذكاء الاصطناعي على عكس الدول الغربية التي تعتمد على الشركات الخاصة.
الولايات المتحدة الأميركيةالصينالانترنتالذكاء الاصطناعي
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
31/01/2025
"سياديو عوكر" ومشروع "إسرائيل الكبرى"
30/01/2025
الجنوبيون يدخلون قراهم "بسلامٍ آمنين"
29/01/2025
عن بنات الأرض وسيّدات التراب الطاهر..
27/01/2025