نقاط على الحروف
هكذا تكلّمت "غزّة"...
علت البسمات وجوه الأحرار حول العالم، فقد انتصر الجرح على نصل العِدا، وغلب الصّبر كلّ المواجع، وانتهى فصل من كابوس الإجرام الصهيوني، بعدما رُدّ كيد الشياطين إلى نحورهم فاقترب العالم خطوة نحو الهدف "الواضح والمحدّد والدّقيق: إزالة إسرائيل من الوجود!".. كلّ القلوب اتجهت ناحية القطاع المقاتل الذي حاصر العدوّ طيلة ٤٦٩ يومًا، لترى الشوارع في غزّة تنطق قبل عيون أهلها بحكايا النّصر.. وترى الأرض فيها، مثل جباه أبنائها، ترشحُ ألقًا وعزّة.. وكلّ القلوب شهدت كيف عاد أهل غزّة إلى دورهم وبيوتهم، ولو كانت ركامًا بعد ١٥ شهرًا من النزوح القسريّ وتحت ضغط النار وجرائم الإبادة المشهودة.. حجم الدمار هائل نعم، والمعالم غيّرتها الغارات وطمست ملامحها القذائف، لكنّ روح المكان لم تغب، وتألقت على وقع خطوات الناس ونبضاتهم وصرخاتهم.. بدا الأمر كأن في لحظة واحدة، نفضت غزّة عن ثوبها غبار القهر وزغردت للنّصر العزيز.
في لحظات كهذه، ينطق الصادقون بما يجول في صدورهم من شوق وتعب واعتزاز وحبّ. ونصيب جبهة الإسناد في لبنان من كلمات الحبّ باللهجة الغزّاوية الأصيلة كان وفيرًا، كنهر من أعالي العزيمة والوفاء منبعه.
لم يكن دخول المقاومة في لبنان على خطّ الدفاع عن غزّة إلّا واجبًا أخلاقيًا لا يملك الأحرار خيارًا فيه، ففي معركة الحقّ والباطل، يكفي ألّا تنصر الحقّ بكلّ ما لديك حتى تكون قد نصرت الباطل. قد تمتلك حريّة خذلان الحقّ ولكن، لا شيء بعدها سيغسل عنك عار الصّمت أمام جرائم تُرتكب ضدّ الإنسانية، على مرأى العالم. وكما تعرف المقاومة في غزّة عدوّها جيّدًا، تعرف من نصرها، من بعد الله، وتدرك معنى الدم الذي بذله حزب الله: دمٌ ليس كأيّ دم!
بدت المنشورات الصادرة من غزّة في هذا الإطار أشبه برسائل تفيض بالعاطفة بين أبناء القضية الواحدة، بين أفراد في مجتمع المقاومة الممتدّ من فلسطين إلى اليمن، مرورًا بالعراق ولبنان، ومحاطًا بعناية الجمهورية الإسلامية في إيران. وفي كلّ مرّة كتب فيها الناشطون في غزّة كلمة وفاء تجاه المقاومة في لبنان، في خلال يوم النصر الذي رآه سيّد شهداء الأمَة حسن نصر الله بعين اليقين منذ اندلاع المعركة، ردّ الأحبّة تحيّة الحبّ والوفا بأحسن منها. فيوم النّصر هذا يتجاوز الحدود الجغرافية وكلّ الاعتبارات السياسية وغيرها، ويقسم العالم بين حرّ معتزّ بالنّصر العظيم، وعبد لأمريكا.. وهل مثل أهل المقاومة في لبنان في فهم وتقديم النموذج الإنساني الحرّ الثوري العزيز؟!
حكت غزّة طيلة يومها العظيم، يوم أمس، عن رجال الله في لبنان، عن الدم العزيز الطاهر الذي بُذل نصرة للحقّ، عن نبل الشهداء على طريق القدس، وعن جبهة الإسناد التي نصرت غزّة حين أغلق عليها ذوو القربى ألف باب وآثروا حصارها وتمنّوا دمارها وصاحوا فيها أن تنكسر كرمى لعيون الأذلّاء والمطبّعين. حكى أهلها عن مدى ارتباطهم بكلّ من ساندهم برابطة دم لا تزيلها السنون. قالوا أن لو كان بإمكانهم حمل أسرى الحرب من لبنان على أكتافهم والطواف بهم في كلّ شوارع غزّة. هتفوا في طرقات العودة من خيم النزوح والصقيع إلى بيوتهم باسم السيد نصر الله، رضوان الله عليه، حيّوا المقاومة في لبنان بحبّ يعكس حقيقة الرابطة التي تشدّ أهل المقاومة بعضهم إلى بعض..
قرأنا كلمات عزيزة تُدفىء القلب، وتسكّنه: قالت غزة كلمتها، لا في الميدان فقط، بل في تشديدها على أهمية ارتباط الساحات الواحدة برابطة الدم المبذول حبًّا وطوعًا: "أشكر إخواننا الذين شاركونا نزيف الدم، وتقاسموا معنا قماش الأكفان، دون تعب وكلل وطلب كلمة شكر، من خيرة شبابهم المتعلم المتفوق.." وقالت: "لن ننسى ما قدّمه لبنان، جبهة العزّ الشمالية، وحصن فلسطين الشماليّ وسورنا الشامخ،..".. قالت الكثير الكثير من مفردات العشق وعبارات الشرف.. وأنصت العالم كلّه وشهد أن وحدة الساحات لا تعني فقط القتال معًا، بل تتجاوز ذلك إلى الانتصار معًا، وننزف معًا، ومعًا نعزف لحن النصر المتصاعد.. من لبنان، هنا غزّة.. أو من غزة، هنا لبنان.. لا فرق فساحة الشرف موحّدة متكاملة، احتشدت بالأمس في غزّة كي تخبر العالم أن معركتنا واحدة، مهما تمادى مرتزقة الوهم في صناعة التفرقة.. قالت غزّة كلمتها، نثرت ورد الحبّ على شهدانا ومعًا سرنا وإياها على طريق القدس..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/01/2025
هكذا تكلّمت "غزّة"...
20/01/2025
غزة انتصرت بمقاومتها وبدعم جبهات الإسناد
18/01/2025
اليمن يثبت موقفه.. اليد على الزناد
17/01/2025