معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

إخضاع الجامعة اللبنانية: كلامٌ برسم الأكاديميين والدولة!
20/06/2019

إخضاع الجامعة اللبنانية: كلامٌ برسم الأكاديميين والدولة!

محمد علي جعفر

الجامعة اللبنانية هي جامعة كل اللبنانيين، والحصن التعليمي الذي يُخرِّج نخبة لبنان، كانت تتميز وما تزال، بالمستوى العلمي والأكاديمي الرفيع، وبالتعدد والتنوع الطائفي والسياسي والمذهبي، وقدرتها على احتضان أبناء أصحاب الدخل المحدود. هي الجامعة الوحيدة التي يمكن أن تتلاءم سياساتها مع الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي اللبناني. اليوم، يُثار ملف الجامعة اللبنانية. وكغيره من الملفات، يقع رهن التجاذبات السياسية ليكون ضحيةً العقل الموروث للسلطة الحاكمة، الأمر الذي لا يخلو من هفواتٍ يرتكبها الأكاديميون أيضاً، والذين يتحملون مسؤولية دخول بعضهم في لعبة الاستزلام السياسي وما يعنيه ذلك من نتائج تضرب الواجب المُقدس للأكاديميين تجاه الدولة والوطن.

في لبنان، تُقارَب الملفات بأسرها ضمن إطارٍ سياسي، ما يُفقد الكثير من الملفات دورها الذي يجب أن يتلازم ويتلاءم مع طبيعتها. كذلك يُقارَب ملف الجامعة اللبنانية. تحت عناوين كثيرة يتحدث أهل السياسة. يمتلكون مهارة إخراج الطروحات، وتقديمها بحسب المصلحة السياسية وما على الإعلام إلا الترويج. هكذا تُعالج الملفات في لبنان، وهكذا أيضاً يُعالج ملف الجامعة اللبنانية اليوم. لكن أحداً لم يطرح حتى الساعة، مسألة الدور الوطني الكبير الذي يمكن أن تلعبه الجامعة اللبنانية، كصرحٍ وطني نشأ لكل اللبنانيين وامتلك من خلال دوره التاريخي أهلية أن يكون صرحاً بحجم الوطن بمختلف أطيافه لا سيما الاجتماعية. أليس هذا ما يُميز الجامعة اللبنانية؟!

ولعل المُستغرب اليوم، إظهار الجامعة اللبنانية وكأنها أزمة من أزمات الدولة. لا يُعتبر ذلك إلا استكمالاً لمسار التعمية الذي تستخدمه السلطة الحاكمة، وهو الأمر غير الجديد، لكنه بات يلامس كرامات الوطن، كما حصل منذ أشهر، عند سعي السلطة الحاكمة لتظهير موظفي القطاع العام على أنهم أزمة موازنة الدولة!

وهنا فإن معرفة النهج الواضح الذي تعتمده السلطة تجاه الجامعة اللبنانية، يُمكن أن يوضح مآرب هذه الطبقة الحاكمة. فمن المؤكد أن النهج الذي يسود سياسات الدولة تجاه جامعة لبنان الوطنية، لم يكن يوماً نهجاً داعماً لتطويرها وتحصينها، الأمر الذي لا يُبرر سلوك السلطة اليوم، لكن يجعله غير مُستغرب! في حين أن النظر الى سلوك الجامعة اللبنانية، يُبرز حجم المعوقات الموجودة والتي تُعيق ممارسة الجامعة لدورها الأكاديمي والوطني. وهنا فإن ذلك لا يعني وجود تقصير من الجامعة، بقدر ما يُبين ذلك حجم سعي الطبقة الحاكمة للدولة لفرض خياراتها على الجامعة وترسيخ واقعٍ من الضعف، لا يضرب دور الجامعة الأكاديمي فحسب، بل يُفقدها أهليتها الأكاديمية ومرجعيتها العلمية، من ضرب الجسم النقابي للجامعة مروراً بمنع الاستقلالية الإدارية والمالية للجامعة مع تخفيض الميزانية وصولاً الى ترسيخ المحاصصة السياسية والطائفية، وإفقاد الجامعة لبُعدها الوطني الأكاديمي. نهجٌ اعتمدته الدولة منذ التسعينيات حتى اليوم. نهجٌ يعني ضرب الصرح الأكاديمي الأهم على صعيد الوطن. بالعادة، تُعزز الدول جامعاتها الوطنية، لرفع مستوى التعليم والبحث العلمي، وربط التخصصات والعمل البحثي بحاجات السوق واستراتيجية الدولة. في لبنان، وفي ظل تغييب الإستراتيجية عن الدولة، يغيب عن الجامعة الدور، بل تُفرض عليها خيارات الإخضاع.

وكما أن الخيارات الإقتصادية للسلطة الحاكمة تُعبر عن إحدى حقائق العقل الموروث لها، فإن السياسات السائدة في التعاطي مع ملف الجامعة اللبنانية تعبِّر عن حقيقة أخرى تتعلق بخيارات الدولة الاجتماعية والأكاديمية. هذه السلطة، تسعى لترسيخ واقعٍ يُخضع الطبقات الفقيرة ويمنعها من القدرة على تعليم أبنائها. وبالتالي تُعبر سياسات الدولة تجاه الجامعة اللبنانية، عن جريمة أخرى بحق المواطن اللبناني، جريمة لا نجد أنها ستلقى القبول، لعدم مواءمتها مع النظام الاجتماعي اللبناني وما يمتلكه من طاقات معرفية كبيرة.  

إن الكتلة البشرية التي تتكون منها الجامعة اللبنانية، تُعبر عن كل لبنان الأكاديمي والعلمي بحكم الانتماء الاجتماعي لأبنائها. لنقل إن المعركة ضد الجامعة اللبنانية، هي معركة السلطة ضد الوطن. لبنان هو بلد المعرفة ودار النشر الأكبر في الشرق الأوسط. لذلك، فإن ما تمارسه السلطة الحاكمة اليوم، بحق الجامعة اللبنانية، يجب أن يكون بالحد الأدنى، بداية الثورة الأكاديمية التي تُنهي هذه السلطة!

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف