معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

عن النصر والهزيمة .. وأهلهما..
14/11/2024

عن النصر والهزيمة .. وأهلهما..

كثر الحديث عن الهزيمة، بحيث بدا أنّ بعضنا اختلطت عليه المفاهيم، أو تاه بفعل الغارات الصهيونية المتكرّرة على وعيه، فما عاد يدرك للنصر معنىً أو صورة. "هُزمنا" أو "هُزمت المقاومة" يقولها بعضهم بسهولة بالغة، تجعل المرء يعتقد معذورًا أنّهم لا يعبّرون سوى عن أمنية بداخلهم، ويتساءل، أيّ حضيض يبلغه الإنسان كي يتمنّى هزيمة أرضه وأهله، في معركة واضحة وضوح الشمس بين معتدٍ ومقاوم، بين الباطل والحقّ! أيّ روح إنسانية تستطيع ارتكاب فعل التسويق لهزيمة في معركة كهذه، ولو كان الأجر المدفوع لقاء هذا العمل الشائن الدنيا وما فيها.. حسنًا، يحقّ لكل متابع أن يطرح التساؤلات حول مسار المعركة ونتائجها المتوقّعة، أمّا أن يحسم الأمر انهزامًا ودعوات للاستسلام، فتلك مصيبة لا على المستوى الوطني فقط، بل على المستوى الأخلاقي والإنساني. 

لم تنته الحرب بعد، حتى يستعجل أهل الهزيمة إعلان فوزهم. لذا، لا يبدو غريبًا أن نرى من يعدّ علينا الشهداء والأبنية المدمّرة ليجزم أنّنا هُزمنا. وسواء فعل ذلك متباكيًا مزايدًا في الحرص على الأرواح والأرزاق، أو شامتًا متشفيًّا يسعى إلى استفزاز أهل الدم بأحقر ما يمكن، فمندوب التسويق للهزيمة، الغارق في عبثية مفاهيمه، يحاول جاهدًا أن يعكس صورة أمنياته ويسقطها على الواقع، على سبيل توهين عزيمة الموقنين بالنصر، أو القارئين لمؤشراته في الميدان. اختلط سابقًا على هؤلاء مفهوم ثقافة الحياة بغريزة البقاء، ولا بأس. فمنهم من يجهل فعلًا معنى الهزيمة، وإن أدمنه، ويعجز عن فهم النصر، وإن عاش سنين في كنفه. يجهل أن الهزيمة هي الخضوع والاستسلام مهما غلا ثمن العزّة والمقاومة، وهي التراجع عن نصرة الحقّ ولو بُذلت في سبيل إحقاقه الأرواح والأرزاق، وهي الغرق في مستنقعات التصهين وإسداء الخدمات للعدو مهما بدا هذا الغرق مربحًا. أما الخسائر، فهي الأثمان العالية في مواجهة عدوّ متغطرس يمتلك ما يكفي من التوحشّ ليمارس إرهابه ضدّ المدنيين العزّل، وبالقصف عن بعد، كلّما غرق أكثر في عجزه بالميدان. الهزيمة، أن تتخلّى عن قناعات آمنت بها لأجل من يدفع أكثر، وعن مبادىء وجب أن تحفظها وتصونها، وعن الحسّ الإنساني والأخلاقي والتعاضدي في عالم مغرق بالفردانية والأنانيات الدوليّة. والهزيمة، أن تحكي لهجة عدوّك بلغة أرضك، وتروّج لخطاب يخدم أهدافه، عساك تحقّق له وعنه ما لا يستطيع تحقيقه. الهزيمة أن يتبجّح عدوّك بأنّه يستطيع أن يغزو أرضك بالفرقة الموسيقية في جيشه، وأنّ احتلال بلادك أشبه بنزهة يقوم بها جنوده في أوقات مللهم. الهزيمة، أن يفتح عليك باب الحدود ويدخل دون أن يردّه أحد.. والهزيمة، أن تراه يستفرد بأخيك وتسكت.. الهزيمة أن يتمكّن العدوّ من تحقيق أهدافه المعلنة في حربه عليك: وفي معركة "أولي البأس"، نُهزم حين يتمكّن الصهاينة من تحقيق الأهداف الآتية لأن تحقيقها هو مقياس النصر والهزيمة: 

1- نزع سلاح حرب الله

2- إبعاد رجال حزب الله وناسه عن قرى الجنوب وفرض منطقة عازلة. 

3- فرض إعادة المستوطنين الفارّين من شمال فلسطين وتأمين بيئة آمنة ومستقرّة لهم قبل وقف إطلاق النار في غزّة ولبنان.

4- تعديل صلاحيات "اليونيفيل" في الجنوب بحيث تصبح حركتها بدون أي قيود.

5- إنهاء الحاضنة الشعبية لحزب الله والنجاح في تأليب الناس ضدّه.

وغير ذلك من الأهداف التي وردت وترد على ألسنة القادة السياسيين والعسكريين الصهاينة منذ اندلاع المعركة.

هل حقّق العدو ولو هدفًا واحدًا من كلّ هذه الأهداف؟ لا. هل لديه أفق أو أمل لتحقيق أيّ منها؟ لا. باعتراف الصهاينة والعالم أجمع، لا إمكانية لتحقيق أيّ من هذه الأهداف، رغم كلّ هذا العدوان الهمجيّ ضد لبنان، رغم كلّ الأثمان التي دُفعت وتُدفع في معركة الكرامة والحقّ. حتى الساعة، فعل الصهاينة كلّ ما بوسعهم، وبلغة أهلنا، "ركبوا أعلى ما في خيلهم"، ولم يزالوا غير قادرين حتى على ادعاء تحقيق هدف واحد من أهداف حربهم هذه. 

بالمقابل، ما النّصر إن لم يكن شرف القتال الذي رأيناه في صورة الشهيد إبراهيم حيدر وهو يقاتل جيشهم إلى آخر طلقة.. ما النصر إن لم يكن احتمال ما لا يُحتمل من الجراح وخوض المعركة بوتيرة تصاعدية ومتماسكة رغم الضربات القويّة التي تعرّضت لها المقاومة. وما النصر إن لم يكن النجاح في مواجهة أعتى قوة عسكرية ومنعها من تثبيت نقطة واحدة في أرضنا التي كانت تحتلها بفرقة عازفين وببعض جنود يتنزهون! ما النّصر إن لم يكن المقدرة على الثبات في أصعب الظروف: يواصل رجال الله صناعة هزيمة العدو في الميدان فيما تحلّق الطائرات الاستطلاعية والحربية المعادية في السماء، والمدفعيات تمشّط أرض الحافة الأمامية، أسلحة وذخائر محرّمة دوليًا تُستخدم بشكل مستمرّ ضدّ الأرض والناس، ضدّ الحجر والبشر، غارات لا تكفّ على امتداد الأرض المقاومة، وحشد من سبعين ألفًا يقف عند بوابتها كي يدخلها محتلًّا، ولا يستطيع.. ما النّصر إن لم يكن دكّ حصون العدو في حيفا و"تل أبيب" وعلى كامل الأراضي المحتلة في شمال فلسطين، وإن لم يكن إرغام العدوّ على تكبّد خسائره بصمت كي لا يُفضح بهزيمته باكرًا..؟ ما النّصر إن لم يكن صمود أهل المقاومة في مواجهة الإرهاب الذي يستهدفهم ويتعمّد قتل أطفالهم..وإن لم يكن عزيمتهم وصبرهم وهم يزفّون شهداءهم باعتزاز وفخر على طريق القدس، على طريق الحق، نصرة للمظلومين، في سبيل الله؟ ما النّصر إن لم يكن يقين الصغير منّا قبل الكبير بأنّ المقاومة حقّ وواجب، ومسار بذل عظيم؟! 

قد لا يتمكّن الكثيرون من فهم ماهية النّصر، ومن استشعار حتميّته في هذه المعركة، ولكن عجزهم هذا لا يبرّر بالطبع أن يصبحوا مغرّدين في سرب التسويق للهزيمة، لا سيّما أن تعليمات السفارة الأميركية بهذا الصدّد ليست سريّة ولا تتكلّف جونسون عناء إخفائها. والتماهي مع هذه التعليمات يعني حكمًا أن المتماهين قد هُزموا فعلًا في معركة المحافظة على الكرامة والإنسانية، وتحوّلوا إلى عبيد التمويل وأُجراء من يدفع أكثر.. هؤلاء، في أدبياتنا المحترمة، اسمهم "الخائبون" وصنعتهم الكلام وفق مصالح من اشترى.. بالرخيص.

حزب اللهالمقاومةالجيش الاسرائيلي

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف