نقاط على الحروف
بالعلم العسكري .. متى ننتصر؟
وسط الحرب الضروس التي نعيشها، بأشكالها المختلفة، ثمة ظاهرة تحمل ملامح بريئة ومضمون فتنوي انتشرت في الأيام الأخيرة في أوساط عدد من الإعلاميين والسياسيين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي ترتكز على استحداث مفاهيم جديدة لكل من "النصر" و"الهزيمة"، فضلًا عن لائحةٍ من "المعايير الحديثة" الملحقة بها.
المعضلة لم تكن فقط بتخطي البعض من "الحريصين" على سيادة الوطن واستقلاله حدود كينونتهم المهنية والاجتماعية إلى نواحٍ عسكرية واستراتيجية لا يفقهون فيها، بل لنيلهم رضى وإعجاب كبير من إعلام العدو الافتراضي الذي أسهم بعضه بنشر هذه الظاهرة معربًا عن إعجابه بمبادرات أصحابها.
المسألة هنا تعالج ابتداءً من تفنيد مفاهيم النصر والهزيمة، لتبنى الإجابات الأخرى على قاعدة واضحة وجليّة. في الميدان العسكري والاستراتيجي؛ ثمة نوعان من الحروب. الأولى؛ بين الجيوش النظامية والأخرى بين جيش نظامي وحركات المقاومة التحررية، وتاليًا فإنّ مفاهيم النصر والهزيمة بين النوعين تختلف بالطبع.
يستشهد الخبير العسكري العميد علي أبي رعد، هنا، بكلام لمستشار الأمن القومي السابق هنري كيسنجر الذي ذكر فيه أنه في الحال الأولى على أحد الجيشين أن يعلن انتصاره، أما في الثانية فعلى حركات المقاومة ألا تعلن استسلامها لتنتصر ،وأن انتصارها يكمُن فى قُدرتها على الاستمرار حتى عندما تفقد جُزءًا كبيرًا من قُدراتها العسكرية في إحدى المعارك. في هذا الاطار يضيف الخبير العسكري العميد حسن جوني أن في العلم العسكري ثمة نظرية تقول بأن: "الدفاع الناجح لا يحقق النصر إنما يجنب الهزيمة، وما بين الاثنين يوجد منطقة متوسطة تسمى الصمود،" وهذا ما يمكن بالفعل إسقاطه أيضًا على ما يجري الآن.
مفهوم توضيحي آخر يضيفه الخبير العسكري والاستراتيجي العميد منير شحادة، وهو منسق الحكومة السابق في قوات الطوارئ الدولية "اليونيفيل" ورئيس المحكمة العسكرية سابقًا، إذ يوضح في هذا السياق أن المعيار هنا يتحدد وفقًا لقيام العدو بتحقيق أهدافه من عدمه، وأن قدرة المقاومة على صده ومنعه من تحقيقها يعدّ انتصارًا لها.
تحديد المفاهيم والمعايير يسمح لنا بالانطلاق بمقاربة واقعية ومنطقية مدعّمة بآراء أهل الاختصاص، اذ افترض البعض - وانطلاقًا من خلفية اثارة الفتنة وزعزعة النفوس- أن جرائم العدو بحق المدنيين والإعلاميين والمسعفين وعمليات التدمير ونزوح الناس عن بيوتهم هي معايير واضحة للهزيمة، وفقًا لتصنيفهم، لكن الحقيقة أن كل ما ذكر لا يمثل- بالمفهوم العسكري والحربي- مقياسًا للانتصار والهزيمة، ويستشهد العميد شحادة هنا بما حصل في مدينتي " لينينغراد" و"ستالينغراد" الروسية التي دمرت عن بكرة أبيها وقتل فيها الملايين، ومع ذلك انتصرت روسيا على ألمانيا.
يزيد العميد جوني الأمر تأكيدًا؛ إذ يرى أن الدمار لا يقدم ولا يؤخر بمعنى الانتصار والهزيمة وهي مسائل مادية تعوّض، والدمار لا يعد حتى إنجازًا، بل يعد خرقًا للقوانين الدولية لا أكثر ولا أقل. وهذا ما أشار إليه أيضًا العميد أبي رعد بقوله إن تصنيف الدمار والنزوح وقتل المدنيين معايير للهزيمة، هو أمر غير صحيح وغير منطقي؛ لأن ما ذُكر هو عبارة عن كلفة تُدفع في الحروب كافة.
من المعروف في المنطق العسكري أن حسابات النصر والهزيمة بين الأطراف غير المتوازنة تعد أكثر تعقيدًا، بمعنى أن الجيش لا يمكن له الادعاء بالنصر الكامل إلا إذا نجح بتصفية خصمه، والتي هي المقاومة الشعبية. وفي هذه الحال؛ يتطلب منه الأمر إبادة الشعب كاملاً، كونه المعيّن الحقيقي للمقاومة والحاضنة الطبيعية لها، وهذا لم ولن يحدث في لبنان.
العميد جوني لفت، أيضًا، لنقطة مهمة في العلم العسكري والأبعاد الاستراتيجية، وهي أنه ليس بالضرورة أن تكون الأهداف المعلنة للمهاجم هي الأهداف الفعلية للحرب. وبكل الأحوال؛ فإن عجزه عن تحقيق أهدافه يعدّ خسارة وفشلًا، وهذا ما حدث مع "الإسرائيلي" في معارك جنوب لبنان. والجدير بالذكر أن الانتصار على العدو وإزالته من الوجود لا يتم دفعة واحدة أو بضربة واحدة أو ضمن مدة زمنية محددة كما أشار العميد أبي رعد، بل يتم ذلك عبر مراكمة الانتصارات والإنجازات، وهو ما تحدث عنه شهيدنا الأقدس سماحة السيد حسن نصر الله بأنّ الانتصار على العدو الصهيوني لن يكون بالضربة القاضية، ولكن بالنقاط.
المفارقة، هنا، أن أبواق السيادة "والطبطبة" الإعلامية صبت جهودها على إظهار حجم الإجرام الصهيوني بحجّة أنهم متعاطفون- ظاهريًا- مع أبناء البيئة، إلا أن الغاية الضمنية هي إحداث إنقلاب وانكسار في نفوس أبناء البيئة على مقاومتهم، ودفعها للاستسلام عبر طرائق ملتوية غير مباشرة. وهذا بالطبع هو مهمة كل "مأجور" ومتآمر.
هذه الأنشطة والجهود تتكامل مع التعتيم الإعلامي الذي يمارسه العدو على الخسائر العسكرية والمادية التي يتكبدها بفعل ضربات المقاومة، لتكون الأنظار باكملها موجهة نحو لبنان فقط، وما حلّ به.
إن كان هؤلاء على دراية بالعلوم العسكرية والاستراتيجية، فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا، لم لَمْ يوجهوا جهودهم نحو جبهة العدو العاجز لغاية الآن عن إنشاء منطقة عازلة بامتداد 5 كلم داخل لبنان، أو احتلال أي قرية جنوبية، وفصل جبهة لبنان عن غزة، واعادة مستوطنيه الى الشمال؟ وكيف يخدم فعل تدمير القرى ومنازل المدنيين وإحراقها وطردهم منها تحقيق أهدافه المذكورة آنفًا؟.
ما ذكر أعلاه يقودنا، في نهاية المطاف، إلى نتيجة واضحة وثابتة تأتي قبل أي شيء على لسان أهل الخبرة العسكرية، وهي أنه لا يمكن لغير المختصين بالشأن العسكري والاستراتيجي أن يقيّموا خسارة أو ربح أي معركة؛ لأن لكل ميدان أهله، وكل من يدخل بهذا المجال من دون أن يكون أهلًا لذلك، يعدّ طرفًا مأجورًا ودخيلًا. وهذا ما لفت إليه العميد شحادة. ولكن، إن كانت هذه الأبواق لا تقوى على النطق بالحقيقة، فالأجدر بها أن تنشغل في مستنقع التفاهات الإعلامية حيث أتت، لأن المعارك لا تحسم بالـ"نكت" والإطلالات الفارغة بل بالدم والتضحيات، وشتّان ما بين الثرى والثريّا.
حزب اللهالمقاومةالجيش الاسرائيليمعركة أولي البأس
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
10/04/2025
"الحدث".. أن يهين المشاهد عقله!
09/04/2025
لغةٌ سوقية للتغطية على العجز العربي
07/04/2025
مرسال الطاغوت: نفذّوا رغباتنا وإلّا!
04/04/2025
عن إرادة المقاومة في سورية
31/03/2025
مشهد العيد: رسالة مقاوِمة
التغطية الإخبارية
فلسطين المحتلة| استشهاد طفل وإصابة عدد من الفلسطينيين بقصف طيران الاحتلال منزلًا لعائلة "البنا" في جباليا
فلسطين المحتلة| شهداء جرّاء غارة "إسرائيلية" استهدفت منزلًا في بلدة جباليا شمالي قطاع غزّة
فلسطين المحتلة| طيران الاحتلال يشنّ غارة على غرب مخيم جباليا شمال قطاع غزّة
فلسطين المحتلة| شهيدان في استهداف من طائرات الاستطلاع "الإسرائيلية" شرق دير البلح وسط قطاع غزّة
حماس: كلفنا فريق محاماة بتقديم طعن قانوني لدى الداخلية البريطانية ضدّ استمرار تصنيفنا حركة محظورة
مقالات مرتبطة

حزب الله وأهالي طاريا يشيّعون الشهيد علي الأكبر حمية

الرئيس عون: لملاقاة الإيجابية التي يبديها حزب الله بالإيجابية

العلاقات الإعلامية في حزب الله: مواقف حزب الله تصدر حصرًا عبر البيانات الرسمية الصادرة عنه أو عبر تصريحات مسؤوليه

حزب الله وجماهير المقاومة يشيّعون الشّهيدين علي صليبي وعدنان بزيع في زبقين الجنوبية

لقاء حزب الله - "القومي" في بعلبك: توافق على التحالف في الانتخابات البلدية والاختيارية

حماس ولجان المقاومة: ما يجري في رفح جريمة حرب ومحاولة بائسة لتحقيق إنجاز عسكري بالإبادة

فياض: نعمل لتبقى المقاومة والجيش معًا في معادلة الدفاع عن الوطن

تشييع شهداء العدوان الصهيوني على مدينة نوى في ريف درعا

لافتات في شوارع عكار ترفض التطبيع وتدعو لدعم المقاومة والجهاد

رقم قياسي.. جيش الاحتلال اعتقل 800 فلسطيني من الضفة خلال شهر آذار

جيش الاحتلال يفصل قادة كبارًا وآلاف جنود الاحتياط لدعوتهم إلى "إنهاء الحرب" على غزة

90 شهيدًا وجريحًا في مجزرة وحشية "إسرائيلية" في الشجاعية بغزة

في ظل النظام الجديد.. مستوطنو العدو يسرحون في مواقع سورية السياحية

باعترافات صهيونية.. الجيش "الإسرائيلي" دمّر 25 ٪ فقط من أنفاق حماس في غزة

فيديو| وداع الشهداء في رب الثلاثين.. فياض: إمعان العدو باعتداءته يعمّق حق شعبنا في الدفاع عن نفسه

حولا تشيّع شهداءها.. حشود لبّت نداء الوفاء لدماء الشهداء

فيديو| بلدة العديسة الحدودية تحتضن 7 شهداء مضوا على طريق القدس

فيديو| كلمة الشيخ قاسم بمناسبة يوم القدس العالمي 2025
