معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

تحريض واستثمار سياسي وإعلامي في مجازر العدو.. مجزرة زغرتا أنموذجًا
15/10/2024

تحريض واستثمار سياسي وإعلامي في مجازر العدو.. مجزرة زغرتا أنموذجًا

دوّى، يوم أمس، صدى العدوان في أيطو، القرية الزغرتاوية الوادعة التي كسائر بلدات وقرى الشمال استقبلت النازحين الجنوبيين واحتضنت ثباتهم وصمودهم، وشهدت معهم على همجية العدو ووحشيته، ولملمت معهم أشلاء شهدائهم. 

٢١ شهيدًا و٨ جرحى من العوائل الجنوبية كانوا، يوم أمس، أهدافًا لطائرات العدوّ، بعد أن سكنوا مبنى مستأجرًا في زغرتا، ريثما ينتهي العدوان ويعودون إلى بيوتهم وقراهم منصورين. وإن كان من المفترض أن يكون وقع المجزرة في الإعلام هو الأشدّ، على الأقل بالمعايير الإنسانية والأخلاقية- مع الأسف- كان الاستثمار فيها أكثر حضورًا عند بعض الأصوات التي اعتدناها تستثمر في كلّ وجع، وتسارع إلى "تصريف" الفعل مهما كان قاسيًا وفقًا للتوجيهات الأميركية؛ فيصبح فعل ارتكاب المجزرة نفسه مغيّبًا وفاعلها، لصالح استخدام الحدث في سياق ما تريده عوكر، ليتحوّل إلى مادة تحريض وتضليل.. 

بغياب أي مساعٍ جديّة للعمل بشكل مهنيّ يحترم الدم وعقل الجمهور، تداول الكثيرون الخبر الأوّل الذي بثّته إحدى قنوات التلفزة، والذي جاء مغلوطًا ومفاده أنّ المبنى المستهدف يقطنه أحد مراسلي قناة "المنار". ومن الواضح أن مرتكب هذا "الخطأ" يتعمّد الإيحاء بأن ذريعة المجزرة هي وجود من يمثّل قناة المقاومة، وهنا تُطرح أسئلة أخلاقيّة بامتياز. 

لنفترض أنّ مراسل للمنار استأجر بيتًا في أي بقعة جغرافية، من أباح دمه للعدوّ وأعطاه حقّ استهدافه؟ أليس المراسلون مدنيون؟ أم ألحقوا بمسعفي الهيئة الصحية الذين حرّض عليهم سابقًا؟ 

في واقع الأمر، لم يصح الخبر المستعجل الذي جاء من دون أدنى تحقيق وتدقيق. تقطن المبنى عوائل نازحة، ليس فيها مراسل أو مسعف أو عامل في السياسة أو أي فرد ممنّ أباح الإعلام- مع الأسف- استهدافهم وسوّغه حين أسقط عنهم صفة المدنيين. صحّحت القناة خبرها المغلوط المريب بعد حين. وبغياب أي محاسبة على هذا الصنف من الأخطاء غير المهنية على أقلّ تقدير، بات حريًا بالقنوات العاملة في خضمّ تغطية مجريات العدوان، توخّي الدقّة والحذر، كي لا تقع في موقع المحرّض والمضلّل والمسوّغ للعدوان! 

في الإطار نفسه، عمدت قناة "أم.تي.في"، في مقدّمتها الإخبارية، إلى طرح أسئلة تحريضية أبرزها: "هل الذين استهدفتهم إسرائيل مدنيون فقط، أم أنّ ثمة عنصرًا أو عناصر من حزب الله؟. والاهم: "هل الذين استأجروا مبنى في ايطو يملكون سلاحًا، أو أنهم بلا سلاح؟".. 

أسئلة توجّه عقل المستمع إلى اتهام المستهدفين وتجريمهم، وتشير بطريقة مباشرة إلى ذريعة تمنحها القناة للقاتل، علانية ومن دون خجل!. وتكمل "ام.تي.ڤي" بثّ التحريض الممنهج، وتبدو وكأنها تحاول الظهور بمظهر من يُحرج الدولة اللبنانية عبر مطالبتها بوضع خارطة طريق للنزوح وتتساءل:"هل تتجرأ الدولة على هذا الأمر، أم أنها كالعادة تخشى الاتهام بأنها تنفذ مخططات العدو "الإسرائيلي" ما يجعلها في عجز دائم عن حماية مواطنيها؟". "يعرف كاتب هذه المقدّمة إذًا أن خارطة الطريق المطلوبة هذه هي مطلب "إسرائيلي" لكنّه لا يستحي من المطالبة بها على الهواء مباشرة، فيحاول إلباسها بسؤال يوجهه للحكومة! 

على صعيد آخر، استكمل بعض الناشطين والسياسيين حملاتهم التحريضية ضد أهل المقاومة بذريعة المجزرة، وحاولوا وضع أهل الدم في موقع المتهم بتهديد أمان بقيّة الناس. ولولا وعي ذوي الأخلاق والعزّة، وإصرارهم على احتضان أهلهم وإخوتهم، لشهدنا واقعًا أشدّ مرارة من الحرب نفسها! 

على سبيل المثال، خرج علينا "نائب الأمة" ميشال معوض، لا ليستنكر المجزرة ولا ليعلن موقفًا مبدئيًا من قتل المدنيين وإنّما ليسوغها ويجد لها ما بذهنه من ذرائع تبيح للعدوّ ارتكابها: قال المدعو ميشال إنّ المبنى يقطنه عنصر من حزب الله مع عائلته! ببساطة، حسم ميشال المعطيات كافة بكلمتين"عنصر حزبي". 

أما النائب "الكتائبي" الياس حنكش فقد دعا ربطًا بمجزرة أيطو إلى التحقّق من كلّ نازح في أي منطقة، من دون أن يذكر لنا المعايير التي يتوجب على المعنيين التحقق منها، كي لا يكون من بين النازحين من يثير الريبة. والريبة هنا مسألة نسبية، فقد يرد في ذهن حنكش مثلًا أنّ كلّ ذي لحية هو عنصر حزبي، وكلّ محجّبة خطر!. 

في خلفية كلّ ذلك، ثمّة إيحاء ما بأنّه لا بأس من استهداف وقتل من ينتمون ولو وجدانيًا إلى خطّ المقاومة، ومحاولة لعزلهم وتغريبهم في بلدهم، بل والتحريض ضدّهم ورفضهم واستبعادهم بوصفهم مدعاة خطر على الآخرين. وفي ذلك تعاون واضح مع العدوّ الذي يحلم بإفناء بيئة المقاومة، ويخيب معهم! 

الأمثلة كثيرة والسياق واضح: يستمرّ التحريض والتضليل ومنح الذرائع للعدوّ، من دون تدخّل مرئي على الأقل للوزارات المعنيّة وللمجلس الوطني للإعلام، المطالبين اليوم أكثر من أي وقت مضى بالتدخّل لمنع مواصلة هذا النهج التحريضي الذي شيئًا فشيئًا أصبح شريكًا في قتلنا.

الكيان الصهيونيالمقاومةوسائل الإعلام

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة