نقاط على الحروف
"الكلمة للميدان".. موقف أم سياسة استراتيجية؟
د. ليلى صالح - علم اجتماع سياسي
"الكلمة للميدان"، هي أكثر من موقف سياسي اتخذته المقاومة في محطة مفصلية، وإن كان من الصعب قراءة المشهد السياسي والعسكري في أي معركة قبل وصولها إلى تسوية أو صفقة أو هدنة، أو توقفها وحسم نتائجها. غير أنّ دخول متغير مفصلي لحادثة إنسانية بمستوياتها المعيارية كافة، أنتجت مشهديّة لتشييع جماهيري مليوني داخلي ومؤازرة عربية وشرقية لوفود من الصف السياسي الأول، اختصره البعض بوصفه مشاركة للشرق كله مقابل عزل الغرب كله، يمكّننا من تحديد مؤشرات فشل مشروع السطوة الأمريكية الغربية على إيران، ومنها إلى المنطقة.
المشروع الغربي بأحلافه، عمل وما يزال يعمل في مشروعه السياسي على عزل إيران على مستوى جبهتيها الداخلية والخارجية. على مستوى الداخل الإيراني، جهدت فيه أمريكا وحلفاؤها في استثمار الانقسامات السياسية الداخلية الطبيعية في دولة تحكمها السيادة الشعبية، في تمرير مخططاتها للإطاحة بالنظام السيادي واستبداله بنظام تابع لها، لكنّ الميدان الجماهيري المليوني قال كلمته التي عبرت عن عميق العلاقة الوجدانية بين جمهور ولاية الفقيه وقياداته، فضلًا عن تمسّكه العقيدي. فهذه العلاقة الإنسانية الراقية لا يمكن للغرب المتوحش أن يفهم كنهها وسرّها، ولا تضاهيها سوى الروحية القتالية في ميدان العسكر، فالتي تقاتل فينا هي الروح.
وبقراءة متأتية لتوافد الوفود الرسمية من الدول الإقليمية، يتظهّر فشل العزلة التي سعت أمريكا إليها بسياسة العقوبات، كما يتثبّت نجاح السياسة الخارجية الإيرانية في تأمين المقوّمات الأولى للاستقرار الإقليمي في المنطقة بسياسة اقتدار الدول بما تمتلكه من موارد قوّة وطاقة وتبادل التجارب في التحالف لتشكيل أقطاب في مواجهة القطبية الأمريكية في كبح جماح سيطرتها على مقدرات المنطقة.
فما نراه ويراه العالم في الميادين الجهادية، هو بداية مؤشرات لعزل السطوة الغربية عن موارد الشرق ومقدّراته كله؛ حيث إن دخول المنطقة الشهر الثامن لمعركة "طوفان الأقصى" وعملية الوعد الصادق الإيرانية، وتصدر نواتج عسكرية وسياسية استراتيجية ببعديها الإقليمي والدولي، كفيل برسم ملامح وجهة المنطقة برمتها.
ففي الميدان العسكري، نشهد جهوزية جبهة المقاومة الكاملة لحرب علمية مخطط لها، ليست حربًا عشوائية، بل هي حرب مرتكزاتها القدرة والاحتواء في جبهاتها المتعددة التي يصدق عليها بحق الجبهات المتناغمة في تحقيق أهداف معركة الأحرار، بدءًا من جبهة الشمال التصاعدية التي ظَهَّرت مخططات المقاومة أو خطواتها في الميدان حتى عبر عنها البعض بأنها تُرسم وتُقاس بميزان الذهب من دقة حساباتها، إلى جبهة فلسطين المحتلة بين الضفة وغزة، والتي ظَهَّرت الاحترافية والذكاء والتكيف مع المستجدات الميدانية بإعادة التموضع والعمليات النوعية من جهة، والجهوزية لحرب طويلة الأمد بحسب تصريحات قادتها من جهة أخرى، الى جبهة اليمن التي دخلت مرحلتها الرابعة في الحصار البحري الشجاع كسابقة في الحرب مع الكيان المؤقت، إضافة إلى موارد القوة الإستراتيجية البحرية، ولا نغفل عن مساندة جبهة العراق وسوريا مع محدوديتها.
هذه المحددات الميدانية لم تكتفِ بالكشف عن القدرات العسكرية للمقاومة في كل المحاور، إنما كشفت ميادين جهادية أثبتت أسطورتها في التحدي والصمود. في الميدان المدني، أثبتت المقاومة قدرتها على إدارة الجبهة المدنية من احتواء النازحين في جبهة لبنان الجنوبي، إلى ترتيب أمورها وإثبات حضورها الميداني المدني في جبهة غزة، والذي أفشل مخططات العدو في تأسيس وإيجاد بدائل تدخل على الدبابة الصهيونية.
وفي الميدان السياسي، نجد أن رباطة الجأش والجسارة السياسية والبصيرة في المفاوضات أوقعت العدو في متاهة عبّر عنها أحد قادة المقاومة بالمأزق اللولبي، والذي كشف تخبط العدو مع حليفه الأمريكي في إدارة معركة دبلوماسية، فغطرسته حجبت عنه قراءة التوقعات التي تحكم التسويات والصفقات، وممّا لا شك فيه أن إخفاقه عن تحقيق أي انجاز من أهدافه العسكرية، أظهر صورته الحقيقية في اللجوء إلى الروايات والسرديات الكاذبة لترميم عجزه وفشله، والتي دحضتها وسائله الإعلامية.
في الميدان الاستخباراتي الأمني، كشف تصعيد المقاومة في رفح وجباليا وحي الزيتونة مؤخرًا، عن قوة استخباراتية أمنية عالية للمقاومة في رؤية تموضع العدو، ما زاد في ثقة وإرادة شعب المقاومة بجهوزيتها في الدفاع عن حقهم، بالرغم من الوحشية الصهيونية ومشروع التهجير والإبادة الجماعية. فخسائر العدو الميدانية توحي وكأن المقاومة في يومها الأول من الحرب بعدما فشل العدو في ترميم قوته الاستخباراتية الأمنية إن من خلال تعميته في جبهة الجنوب باستهداف منظومته التجسسية باستمرار وفي مقدمتها "المنطاد" فخر التكنولوجيا الذكية الأمريكية، أو من خلال غياب خططه الاستخباراتية مع امتلاكه التكنولوجية الذكية الاستخباراتية العالمية كافة، في منطقة محصورة، ومنكوبة، فلا رؤية استخباراتية ولا خطط عسكرية، فضلًا عن انقسامه الداخلي حول انعدام وجود رؤية سياسية لليوم التالي مع عجزه عن حسم اليوم الأخير ليفكر في صورة اليوم التالي.
"طوفان الأقصى" طاف على كل العالم بما فيها المؤسسات الدولية، بالرغم من قراءتنا لازدواجية المعابير في التعاطي مع الضحية والجلاد، في قرار المحكمة الدولية الذي لم نراهن يومًا عليه، ولم تراهن الشعوب في أخذ حقها على قرارات هذه المحكمة يومًا. ولا يخفى ما ترسي قراراتها من نفوذ الأحادية القطبية الأمريكية في القرارات، فهذا القرار يستبطن رسالة ضغط أمريكي على نتنياهو وغالانت للمضي في الصفقة للاختلاف حول التكتيكات في الحرب وليس الأهداف، في الوقت نفسه الذي تستثمر فيه تجريم قيادي "حماس" لتسجيل انجاز سياسي، فالخداع الأمريكي والكذب لم يعد يمر على عاقل حر، حيث إن أمريكا هي أكثر جهة قادرة على وقف حرب الإبادة غير المجدية في غزة.
في الخلاصة؛ الميدان في كل مجالاته هو من سيحسم اليوم التالي للمعركة، وسيعيد رسم منظومة المنطقة ووجهتها السياسية.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
22/11/2024
الإعلام المقاوم شريك الجهاد والتضحيات
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024