نقاط على الحروف
في ذكرى السيد ذو الفقار.. سقوط الأسطورة
"هذا هو الدم الذي ينتصر على السيف".. خطاب ثابت ولسان قاطع وكلمة واحدة ناصعة، هذا هو الملخص الضروري لإطلالات سماحة سيد المقاومة السيد حسن نصر الله، منذ عهدناه وإلى اليوم. كذلك هو نسخة من موقف إيماني راسخ كتب على لوح قلوبنا منذ 1982، كلمات يكمل بعضها بعضًا، ويتلاقى كله من المنبع إلى المنتهى، من قول شيخ شهداء المقاومة الشهيد الشيخ راغب حرب: "إن ثقتنا بوعد الله أعظم من أن تتزلزل، وثقتنا بنصره أعظم من أن تُهدّ"، إلى صرخة سيد شهدائها الشهيد السيد عباس الموسوي الأشهر: "سقطت إسرائيل"، إلى خطاب سماحة السيد الأخير عن كيان الفشل والعجز، مرورًا بصور عظيمة في آيار2000 وتموز2006، وعبورًا بقادة بحجم العماد ووعده: "الهدف واضح ومحدّد ودقيق"، إلى السيد ذو الفقار المصطفى الذي تمّ به بدر الدين في واحدة من معارك الشرف الكبرى في سورية الغالية، وصاحب الذكرى اليوم، القائد المرعب الشهيد.
ليس صدفة أن المعارك لها أبطالها، وميادين النار تصطفي أصحابها. معركة سورية بالذات كانت معركة استراتيجية في قلب المقاومة النابض ودرعها الحصين وقلعتها العالية، ضدّ عالم كامل من الأعداء، حتّى الغالبية العربية الفاعلة في معارك سورية كانت في الخندق الخاطئ. كانت معركة الصفوة والقلة النادرة معركة الوعي الإيماني ضدّ موجات الجهل والتغييب. اختارت دمشق الرجل العزيز القائد الجهادي السيد مصطفى بدر الدين، صاحب الأدوار المعقّدة في حزب الله والمقاومة، القائد الغامض صاحب الهيبة الأخاذة والشخصية النورانية المطمئنة، الرجل الذي وعد أنه لن يعود من سورية "إلا شهيدًا أو حاملًا لواء النصر" فاز بما أراد، وأتمّ الله عليه الفضل العظيم.
من فضل معركة سورية وبركاتها وتأثيراتها الهائلة، يكفي هنا الإشارة إلى جملة ليست بسيطة من خطاب سماحة السيد: "ولو لم تنتصر سورية في الحرب الكونية، وجاءت معركة طوفان الأقصى، كيف سيكون حال المنطقة ولبنان؟"، بالقطع النتيجة مرعبة ومقبضة، كانت معركة سورية هي فجر جديد للمقاومة في المنطقة، تثبيتًا لها وتمتينًا بكلّ ما فيها من مصاعب النار التي تنقي المعدن الأصيل وتصقله. كان النصر في سورية مفتاح سر المستقبل، الذي رأته المقاومة حقًا وصدقًا وإلهامًا، وهو رأي تثبت الأيام صحته ودقته.
لم تكن معركة "طوفان الأقصى" لحظة اعتيادية في مسار الصراع العربي - الصهيوني، وإن كانت هي الذروة العالية المشتعلة بالنار لهذا الصراع خلال السنوات الأخيرة، والإنجاز الهائل لمحور المقاومة ليس وليد اليوم أو اللحظة، بل كما وصف سماحة السيد: "المقاومة التي تقاتل اليوم على الجبهة هي نتيجة تراكمية للماضين والحاضرين والآتين في المستقبل"، هذه هي الدماء التي تنير الطريق وتقتحم العقبات وتقفز فوق كلّ حدود الإمكانات والماديات ومعادلات القوّة، هذه هي الدماء الزكية أو وقود انتصار الحق الذي نؤمن ابتداءً أنه سينتصر، وأنه سينتصر حتمًا.
لم يكن "طوفان الأقصى" مجرد جولة ضدّ غطرسة القوّة الصهيونية ومعها وقبلها خطط السيطرة والإخضاع الأميركية ورغبة التفريط العربي الجامحة، بل كانت طبقًا لما نراه اليوم، وبعد تمايز الخنادق والمواقف والرجال، أقرب إلى أمة تجسدت في قرار، أو ما تبقّى حيًا نابضًا من أمة، وفي حرب حشدت لها أطرافها كلّ ما أمكنها من عوامل قوة مادية وكفاءة سلاح غير مسبوقة، فإن محور المقاومة هو الآخر دخلها كبما مثلته من صراع إرادة وصراع أعصاب وصراع إيمان، منذ اليوم الأول ومن اللحظة الأولى لانطلاقها المبارك.
الهدف الأهم والأعز لاستمرار الصمود والقتال في الجبهات كلها، كان تحطيم الكذبة الصهيونية الأعمق، من ضمن بناء الحقد والشر، وهي أسطورة التفوق، والتي نجح الكيان تمامًا في ملء هذه الخرافة بالتزييف والتحريف وتصديرها إلينا على أنها الواقع، وكانت ذروة المأساة أن البعض في العالم العربي تعامل معها على أنها حقيقة.. في أي كشف حساب لـ "طوفان الأقصى" ومسيرة جهاد الأمة ضدّ هذا السرطان الشيطاني سيبقى أعظم ما حققه الطوفان أنه أطاح وحطم ودمر عقدة التفوق تلك، وقتل للأبد فرية أن الصهيوني يملك مواهب خارقة أو صفات عقلية خاصة، وكأنه ولد بها دون بقية البشر.
أما الصورة العامة للصراع في الشرق الأوسط، فإنها تظهر كيانًا في أزمة، دخلها مجبرًا بقرار الحرب البرية في غزّة، ثمّ انغرست أقدامه في وحل الهزيمة. ومع الوقت تحولت من خسارة استراتيجية وعسكرية وسياسية إلى إعصار فضيحة يضرب الداخل الصهيوني بأكثر ما تفعل صواريخ محور المقاومة، وتستنزف معنويات قطعان مستوطنيه بأعمق مما يمكن أن يصل إليه أي سلاح، وتصل إلى الجماهير الحرة في كلّ أنحاء العالم بأفضل مما تستطيع أن تصل إليه آلة إعلام جبارة فائقة التكاليف والقدرة. استمرار الصمود الفلسطيني في غزّة وجبهات الإسناد مع انكشاف الفشل الصهيوني عن الوصول لأية نقطة أو هدف يمثلان معًا آخر الشوط في هذه المعركة، ومعها تثبيت حقيقة استراتيجية جديدة، وهي أن الكيان معرض مستقبلًا للكثير من الأيام التي تشبه السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأن الأمة ما تزال قادرة على القيام بأعباء أيام أخرى، مثله أو أعظم.
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024