نقاط على الحروف
تهافت المقولات في مناكفة "الوعد الصادق"
منذ أن أعلنت الجمهورية الإسلامية في إيران عزمها على الرد على قصف العدوّ قنصليتها في دمشق، راهن إعلاميون وسياسيون لبنانيون وعرب على أن إيران لن تفعلها ولن تجرؤ على ذلك، وأنها ستردّد كالعادة بأنها ستردّ في المكان والزمان المناسبين، أو أنها في أحسن الأحوال ستترك هذه المهمّة لحلفائها.
وقد وقعتُ قبل أسبوعين على بعض التعليقات نأخذها كنموذج في هذا المجال:
1 - رئيس جهاز الإعلام والتواصل في "القوات اللبنانية" شارل جبور قال في حديث لقناة "الجديد: ""إسرائيل تستفزّ محور الممانعة وتستدرج إيران للمواجهة، وأنا أجزم أنه لن يكون هناك أي ردّ كلاسيكي من قبل إيران، بل الردّ سيكون عبر الأذرع التابعة لها"، مضيفًا ان "إيران لا تقوم بمهاجمة "إسرائيل" مباشرةً لأنها تعرف أن ميزان القوّة ليس في صالحها وستُهزم في حال قيامها بعمل كهذا".
2 - النائب "التغييري" مارك ضو أكد لقناة mtv: "إيران لن تردّ".
3 - النائب السابق فارس سعيد جزم في برنامج على mtv أيضًا: "إيران لا تريد أن تردّ ولن تردّ، وإذا قبضاي الإيراني يردّ".
4 - المحلل السياسي "المختص بالشؤون الإيرانية" وجدان عبد الرحمن قال لموقع "العربية.نت": "إيران لن تردّ على الغارة بشكلٍ مباشر، بل عبر أذرعها في العراق ولبنان وسورية واليمن، إضافة للجماعات التي تدعمها في غزّة وفلسطين".
هذه التعليقات وأمثالها تشير إلى تعجّل واستباق للأحداث، وإلى تأخّر بعض المحللين أو السياسيين الذين يدورون في فلك سياسي معادٍ لمحور المقاومة في فهم ما يدور من حولهم وفي استيعاب التحولات والتغيرات في الصراع مع الكيان الصهيوني، بعدما بدأت الجمهورية الإسلامية تقطف ثمار الصبر الاستراتيجي ومراكمة عناصر القوّة. ويستند هؤلاء إلى قوالب ذهنية لا يغادرونها إلا قليلًا في ما يتعلق بخصومهم، ويعملون على تسخيف إنجازات محور المقاومة أو يعزون ما يتحقق منها إلى تواطؤ بين المحور وكلّ من الولايات المتحدة و"إسرائيل". وعندما قامت إيران بمخالفة توقعاتهم، لم يُقرّوا بخطئهم في التقدير، بل ذهبوا فورًا إلى وصف ما جرى ليل 13 - 14 نيسان الجاري بأنه "مسرحية" و"تمثيلية". وإذا تبينَ لهم أن هذه المقولة لا تلقى قبولًا عامًا، سارعوا إلى تسويق مقولة أن الضربة الإيرانية أفادت "اسرائيل المعزولة دوليًا" بفعل غرقها في دماء غزّة ورمالها، وهو ادعاء يفتقر إلى مصداقية، في وقت لم يقدم "المجتمع الدولي" حتّى الآن أي مساندة جدية للشعب الفلسطيني، وما يحاوله الغرب هو إنقاذ "إسرائيل" من نفسها وليس مساءلتها أو إنصاف الفلسطينيين.
كان هذا الفريق نفسه الموالي للغرب، والذي لا يخفي سيره في طريق أنظمة التطبيع مع العدو، قد تبنّى مقاربة عدائية تجاه المقاومة في لبنان وفلسطين. وهو يقول علنًا إن المقاومة في فلسطين هي من تسببَ بمعاناة الشعب الفلسطيني، وليس الاحتلال الذي دمر المنازل وقطّع أوصال المدن وحاصر غزّة طول سنوات عديدة وانتهك حرمة المقدسات وقضى على حلم الدولة الفلسطينية فعليًا.
أما انضمام المقاومة في لبنان إلى مساندة المقاومة في غزّة بعد "طوفان الأقصى"، فقد "حرتق" عليه الفريق الموالي للغرب بكلّ أساليب الهجاء، مستخفًّا ومتهكّمًا على التضحيات والشهادات التي تقدمها المقاومة بدماء أبنائها، معتبرًا أنها لم ترقَ إلى مستوى "الطوفان"، علمًا أن هذا الفريق هو أول من اعترض على مساندة غزّة بأي مستوى عمليّ كان، معتبرًا أن حزب الله يريد سَوْق لبنان إلى الدمار.
وبالعودة إلى التجارب السابقة، عندما أعلن العدوّ الحرب على لبنان في تموز 2006، حمّل هذا الفريق أيضًا المقاومة المسؤولية، وظل على موقفه إلى نهاية الحرب. ثمّ عدّ النتيجة هزيمةً للبنان وانتصارًا ل"إسرائيل"، في حين كان العدوّ يُقرّ بفشل جيشه في تحقيق الأهداف المرسومة وبصمود المقاومة أمام الهجمة العاتية.
وفي تجربة تحرير الجنوب عام 2000، كان الفريق الموالي للغرب قد فسّر اندحار الاحتلال الإسرائيلي على أنه انسحاب اختياريّ هدفَ إلى تطبيق القرار الدولي 425 بعد 22 عامًا على صدوره، كما سبق له أن اتّخذ موقفًا سلبيًا من عمليات المقاومة ضدّ الاحتلال، معتبرًا أنها تحمّل البلد تكاليف لا داعي لها، ما دام أن "السلام" آتٍ إلى المنطقة، في وقت لم تقرر اسرائيل الانسحاب من المناطق التي احتلتها في لبنان واحدةً بعد الأخرى إلا بنتيجة تتالي ضربات المقاومة.
وفي حين يرى المعلّقون الإسرائيليون في الرد الإيراني نقلة نوعية قلّصت قوة الردع الإسرائيلي، يقول فريق التطبيع العربي: لا، هذا ليس صحيحًا، "إسرائيل" قوية، لكنّها مرّرت هذه الضربة لأنها المنتصرة! لو راجع هؤلاء ما يقوله كبار القادة والمحللين الإسرائيليين لكانوا تعلموا شيئًا من هذا الدرس وأيقنوا أن "اسرائيل" التي ربطت أنظمةُ التطبيع مستقبلها بها هي كيان هشّ ويمكن أن يُهزم، وعليهم أن يدبّروا أمورهم على هذا الأساس قبل أن يُصدموا بحقائق أكثر مرارة من وقائع 7 - 10 - 2023 و14 - 4 - 2024.
أليس يدعو للتأمل أن
الزمن يتغير!
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024