نصر من الله

نقاط على الحروف

تجميد أصول "الأونروا": كيف قدمته الصحافة الغربية؟
14/03/2024

تجميد أصول "الأونروا": كيف قدمته الصحافة الغربية؟

عبير بسّام

منذ بداية هذا الشهر وصلت "الأونروا"، "وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأوسط"، إلى "نقطة الانهيار"، بحسب تعبير المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، وذلك خلال الكلمة التي ألقاها في الموتمر الوزاري الذي استضافته الأردن والسويد على هامش الدورة 78 لجمعية الأمم المتحدة، في 7 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وقد قرر كبار المانحين في الوكالة وقف المساعدات للمنظمة التي يستفيد من خدماتها أكثر من 5.9 مليون فلسطيني ينتشرون في مخيمات في الضفّة الغربية وقطاع غزّة وسورية ولبنان والأردن. ويبلغ عدد الطلاب الذين يتعلمون في مدارس "الأونروا" أقل بقليل من 600 ألف طالب، في آخر إحصائيات لها، في ما تشغّل الوكالة حوالي 33 ألف موظف في المناطق التي تعمل بها.

توقف "الأونروا" عن العمل سيتسبب بكارثة إنسانية كبرى لناحية التشغيل والتعليم والخدمات الطبية وغيرها، وهو قرار أراد الكيان الصهيوني اتّخاذه منذ العام 2017، ومنذ أن ابتدأ الكاتب الصهيوني، "مناحيم راهط" على موقع "نيوز ون" حملته ضدّ المناهج التعليمية في فلسطين التي يدرسها طلاب غزّة والضفّة الغربية، والتي اتّهمها في حملة إعلامية شعواء بأنها تعادي السامية وتحرض على العنف ضدّ الكيان ويستحيل العيش بموجبها مع أناس ترعرعوا بزعمه على "معاداة السامية"، وأن هذه المناهج التي تدرس في المناطق والمدارس الفلسطينية تهدف لشيطنة الكيان وإعادة اللاجئين الفلسطينيين العرب إلى مدن يافا وحيفا. ويتضح اليوم ان الحملة بدأت بسبب مجموعة من الدروس، التي تروي تاريخ الصراع مع الصهاينة واحتلال فلسطين في العام 1948، ولكن هدفها أكبر من ذلك بكثير.

تجاوبت إدارة الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب في العام 2018 مع الحملة الشعواء، وأوقفت تمويل الأونروا، وبحسب "رويترز"، كانت أميركا قد تعهدت قبلها بعام بدفع مبلغ 369 مليونًا سنويًا، لكنّها دفعت في كانون الثاني/ يناير من ذلك العام 60 مليون فقط، وحجبت 200 مليون دولار من الميزانية بشكل دائم بهدف مراجعة التمويل. في ذلك العام قامت ألمانيا بدفع باقي المبالغ المترتبة، وهدفها درء تفاقم النزاعات التي سيترتب عليها توقف عمل "الأونروا". ولكن يتضح اليوم أن ما كان مؤجلًا حينها قد تم اليوم وبشكل عنفي في خضم الحرب على غزّة وخلال المجازر وحرب الإبادة العرقية القائمة فيها، وتشارك في الجريمة أكبر الدول المانحة في أوروبا والغرب.

هناك تباين في تناول قضية تجميد التمويل المؤقت لـ"الأونروا" في الصحافة الغربية وحتّى في كبرى وسائل الإعلام مثل: "الغارديان" و"واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" ومجلة "تايم" وقناة CBS وغيرها. لنبدأ بمثال هو الأكثر تطرفًا في نقل الخبر، إذا جاز الوصف، إذ عنونت CBS، مقالة على موقعها بـ "الولايات المتحدة تجمد تمويل الأونروا في ما تحقق الوكالة التابعة للأمم المتحدة في ادّعاء "إسرائيل" بأن موظفيها شاركوا في هجوم حماس". والملفت هنا عبارة "ادّعاء إسرائيل" والذي يعني أن شيئًا لم يثبت بعد. في الحقيقة نص المقال لا يتجاوز موقعة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر على مراكز ومواقع فرقة غزّة، ودور "الأونروا" وتقديم عام حول أماكن تواجدها وزمن وسبب إنشاءها، كمؤسسة وحيدة تعنى بشؤون الفلسطينيين. كما جاء في المقال تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة. لكن المقال لم يغفل الإضاءة على فظاعة ما سيلحق الفلسطينيين من أذى بسبب وقف التمويل، وإن كان بشكل مؤقت حتّى ينتهي التحقيق.

"نيويورك تايمز"، كانت إحدى الصحف التي وصلتها واحدة من ستة مغلفات تحمل التحقيق الصهيوني حول اتهام 12 من موظفي "الأونروا"، ولكنها هي الأخرى تطرح الأمر بنفس طريقة CBS، غير أنها تحدثت عن موقف الجمهوريين الذين كانوا يرغبون بوقف تمويل "الأونروا" منذ ان ابتدأ الكيان بالتأفف من دور المنظمة في دعم الشعب الفلسطيني. ومنذ العام 2018، وبحسب رويترز، اتّهمت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، "هيذر ناروت"، في بيان عمل "الأونروا" وممارساتها المالية بأنها: "عملية معيبة لا يمكن إصلاحها". وحول مراجعة المستحقات المالية رفضت الولايات المتحدة في ذلك الوقت زيادتها، بل قامت باقتطاع 200 مليون دولار من مستحقاتها، وعلقت "ناروت": "إن توسع مجتمع المستفيدين أضعافًا مضاعفة وإلى ما لا نهاية لم يعد أمرًا قابلًا للاستمرار". مشيرة بذلك إلى تزايد مواليد الفلسطينيين. هذا الموقف الجمهوري من "الأونروا" عاد ليظهر على السطح، وقد نقلت مجلة "تايم" في 27 كانون الثاني/ يناير من هذا العام ما قاله السيناتور الجمهوري من ولاية أيداهو، جيمس ريش، بأنه حذر إدارة بايدن لسنوات بشأن تمويل الوكالة، زاعمًا أن لديها تاريخًا في توظيف أشخاص مرتبطين بما وصفه بـ"الحركات الإرهابية" مثل حماس.

أي أن الموضوع: "ليس رمانة، بل قلوب مليانة"! فالتحضير لهذا الموقف ومن أجل وقف عمل الانروا هو حالة مدروسة، ومع ذلك فقد كانت الصورة التي عرضتها مجلة "تايم"، هي لنازحين فلسطينيين يصلون إلى جنوب غزّة هاربين من القصف الصهيوني في شمالها. ولكن خلال عرض المقال تتبع المجلة الترتيب نفسه الذي اتبعته الــCBS. والذي بات ترتيبًا مكرسًا، يمنع القارئ من الوصول إلى الحقيقة التي مفادها أن المجزرة المرتكبة في غزّة لها تبريرها في كلّ مرة.

أما الراديو الوطني العام، فقد عنون أن "الحكومة الأميركية جمدت المساعدات المالية لـ"الأنروا" ولكن بعض صناع القانون يريدون الإنهاء عليها". جميع العناوين تتحدث عن "إمساك" أو "تجميد المساعدات المقررة"، ومن ثمّ أن هناك "نية للإفراج عنها ما إن ينتهي التحقيق في قضية الإثنا عشر المتهمين بالتعاون والمشاركة في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وتنجلي الحقائق". وأن القرار بإنهاء "الأونروا" لم يتخّذ بعد. وخلال لقاء، نقل الموقع تعليق "ميشيل كيليمن"، المذيعة في الراديو وتعمل من العاصمة واشنطن، على ما جاء في كلام ليندا توماس جيفرسون، سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة أن إدارة جو بايدن قررت تمديد التمويل حتّى نهاية التحقيق، وحذرت بأن "جيفرسون، تدرك أن الأونروا هي المنظمة الوحيدة التي لديها القدرة على المساعدة في توصيل الغذاء والطحين والوقود إلى الفلسطينيين في غزّة، ومع ذلك فهي تقول إن المانحين يريدون تحقيقًا كاملًا في قضية الادّعاءات "الإسرائيلية"".

في حين أن "ويليام دير"، كبير مستشاري الكونغرس لمكتب "الأونروا" في العاصمة واشنطن، أصدر حكمه المباشر على الذين تم التحقيق بشأنهم. وقال للتوضيح في لقائه مع كيليمن، بأنه "يتّهم الــ 12 متهمًا بخيانة شعبهم"، ويعدد مصيرهم بفظاظة: "اثنان من المتهمين ماتا، لكن العشرة الآخرين تم القضاء عليهم على الفور". اذًا فقد قتل الكيان المتهمين الأساسيين حتّى قبل أن يكون بإمكانهم الإدلاء بأية شهادات. وبحسب كيلمن فإن: وزير الحرب الإسرائيلي [في المصنف الذي وزعه الكيان على الإعلام متهمًا الأونروا] قال إن "هناك أكثر من 30 من موظفي الأونروا شاركوا في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وليس الـ 12 الذين ذكرهم الإسرائيليون في البداية. ويقول إن 12% من موظفي الأونروا لهم علاقات بالجماعات الفلسطينية المسلحة. وتقول الأونروا إن "إسرائيل" لم تزودها بأي دليل على ذلك".

وهذه هي الحقيقة المرة، أن الكيان يوزع الإتهامات ويوقف التمويل وليس هناك من دليل حتّى الساعة بحسب كلّ من منظمة مراقبة حقوق الإنسان والأونروا. وقد جاء على موقعي المنظمتين: أن ليس هناك من دليل على الإتهامات، وقد أكد هذه الحقيقة مدير منظمة الأونروا توماس وايت، مدير شؤون الأونروا في غزّة. وتوضح الغارديان بقلم، مصطفى بيومي، في مقال بعنوان "يعتمد ملايين الفلسطينيين على الأونروا. لماذا تعلق الولايات المتحدة تمويلها بناء على اتهامات إسرائيلية؟"، كيف أن الكيان حصل على الاعترافات بأساليب ترقى في توصيفها بالتعذيب بحسب موقع اكسيوس. وأن الولايات المتحدة ابتدأت بمحاكمة المتهم على أنه مذنب حتّى تثبت براءته، وليس بحسب القوانين الديمقراطية، بريء حتّى تثبت إدانته. وأن "إسرائيل" لها اجندتها الخاصة في توجيه الإتهامات، وهذا يجب أن يكون واضحًا في حد ذاته.

الــ CNN من ناحية أخرى أوضحت بعد سرد قصّة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، والتي قتل خلالها 1200 صهيوني، جاء فيها تعديل مهم، تحدث عن أوضاع الفلسطينيين في الواقع الحالي تحت المجازر والحصار. فالفلسطينيين لا يعتمدون على الأونروا في تقديم الغذاء والطعام والأدوية في هذه المرحلة بل إن مباني الأونروا تعد ملاذًا آمنًا للمدنيين. كما أن مساعدات الأونروا يقوم بتوزيعها عناصر منها بمساعدة الهلال الأحمر الفلسطيني. يحذر المقال التفصيلي والتعريفي حول "الأنروا" في نهايته من أن هناك أكثر من مليون فلسطيني يحتمون في أبنيتها. كما أجرى الموقع لقاء مع سيدة فلسطينية لفهم الأوضاع السيئة، ومع الأستاذ الجامعي علاء القادري، الذي شرح وبوضوح أن: "القرار جاء تعسفيًا بحق الشعب الفلسطيني"، وأن "هذا معناه أنه سيكون هناك المزيد من الجوع والفقر والحرمان، والتي ستنتهي بالموت". وقال القادري: "ما يحدث ليس عدلًا، بل جريمة أخرى تريد إفناء الشعب الفلسطيني".

في الحقيقة إن قرار تجميد المساعدات في هذه المرحلة بالذات، وغزّة تقع تحت الحصار القاتل، في وقت بتنا نرى الأطفال والكبار على حد سواء يستشهدون في كلّ يوم بسبب الجوع والعطش، وبعد أن شهدنا قصف المنازل والمستشفيات والمدارس، فإن إخلاء مكاتب الأونروا في غزّة والضفّة معناه انعدام وجود مكان آمن يلجأ إليه الفلسطينيون. وكما قلنا في البداية، إن قرار وقف عمل "الأونروا" في فلسطين بالذات هو قرار آخر نحو حصار الفلسطينيين من أجل دفعهم نحو النزوح والدفع بالدول العربية التي تحيط بفلسطين من أجل استقبال المزيد من النازحين باسم الإنسانية حتّى يستطيع الكيان أن يتم عملية تفريغ غزّة، بغضّ النظر عن نتائج التحقيق الأممي.

الاونروا

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف