نقاط على الحروف
باسل الأعرج.. المواجهة المستمرة
ليلى عماشا
في مثل هذا اليوم، ارتقى باسل الأعرج ولم يغب. حضرت ثقافته في كلّ ميادين الاشتباك، وظلّت تقاتل. ومع اندلاع طوفان الأقصى المبارك، اشتدّ حضور باسل سطوعًا. وصارت الأجوبة التي وجدها طلقات في مخازن كلّ أحرار الأرض.
بصوته الواضح، وجد باسل الأعرج أجوبته منطلقًا من فلسطين: "فلسطين هي الأجمل بالنسبة إليّ، ليس بخُضرتها أو زرقتها أو صفرتها أو حمرتها أو زرعها أو خيرها وطبيعتها، جمالها في أنها هي من منحني جوابي في البحث الدائم عن المعنى، وهي من أجابت عن أسئلتي الوجودية وتمنحني مُبرر وجودي، وتُعالج قلقي الدائم"، باقيًا في ميدان تحريرها، فهي: "المعيار الأخلاقي لأي إنسان: فإذا أردت رؤية الجانب الأخلاقي في أي إنسان اعرف موقفه من قضية فلسطين والمقاومة في فلسطين".
وبصوته الواضح، شرح ماهيّة جدوى المقاومة: "كل ما تدفعُه في المقاومة إذا لم تحصده في حياتك، فستحصل عليه لاحقًا، المقاومة جدوى مستمرّة". وشرح البساطة التي قد يزحف فيها المرء نحو الخيانة من دون أن يشعر: "إياك ولو لمرة واحدة أن تنسى وجود الاحتلال، أو ترى حياتك طبيعية في ظلّ وجوده، وإن حدث ذلك فأنت تزخف إلى الخيانة!" وأوجز ما يستفيض الكثيرون في محاوله تفكيكه وشرحه: "ثمنُ الحَرب أهوَن ألف ألف مرّة مِن ثمن الهزيمة، اسمع كلِمات من هُزموا في التاريخ، هم يتمنّون لو أنّهم أُبيدوا عن بكرة أبيهم على أن يعيشوا يومًا واحدًا في الهزيمة، ثمنُ الحرب نعمة لا يقدّرها إلّا من عاش الهزيمة".
ترك باسل بيننا مئات الرسائل التي تجيب عن الكثير من الأسئلة التي دسّها الغرب في عقول صارت تشكّك في الحق بالمقاومة وبجدواها، والتي تحاول اقتلاع فلسطين من قائمة القضايا الإنسانية الأسمى. وميّزة رسائله هذه أنّها لم تقتصر على كلمات قالها أو دوّنها، بل على ترجمتها التي قام بها بنفسه مشتبكًا وشهيدًا، ما جعله حتّى اليوم، يطارد عدوّه ويهزمه.. أجل، لم يزل باسل الأعرج يطارد العدو، في كلّ مرّة تُرفع فيها كلمات باسل مع طلقات المقاومة، وفي كلّ مرّة يُستذكر فيها هذا المثقف المشتبك في كلّ نقاش موضوعه فلسطين، فلسطين التي "مساحتها ٢٧,٠٢٧ كلم مربّع، والـ ٢٧ بدنا ياهم قبل الـ ٢٧ ألف!" وفي كلّ مرّة تُستعاد مواقفه الواضحة كصوته، وتُستخدم مراجعًا وحُججًا تؤكّد على موقف من الأحداث الجارية ولا سيّما في مواجهة من يتباكون ويحصون أعداد الشهداء بهدف التنظير للهزيمة: "فكرة أن أقاوم هذا العدو، والذي ربما يكون قادرًا على إبادتي، وعلى الأغلب وبشكلٍ مجرّد وبحسابات القوّة هو نعم قادر على الإبادة، ولكن الفكرة هي رفض أن أُباد بسهولة. على الأقل إذا مقدرتش تمنع إنّهم يبيدوك، تخلّهمش يبيدوك بفرح أو بسهولة".
أقفل باسل جميع الأبواب والممرات التي قد يتخّذها الجبناء في محاولة التنظير للانهزامية والخضوع والحلول الفردية.. في كلّ ما قاله كان يجهّز الشباب بالأجوبة الواضحة التي تسعفهم في كلّ مواجهة مع العقل المهزوم: "خسائرنا البشرية والمادّية المباشرة ستكون أكثر بكثيرٍ من العدو، وهذا طبيعيٌّ.. فحروب العصابات تعتمد أصلًا على الإرادة والعنصر البشريّ ومدى الصبر والتحمُّل، ونحن أقدر منهم بكثيرٍ على تحمُّل الفواتير، فلا داعيَ للمقارنة أو أن تهتزّ لحجم الأرقام" والعقل العميل: "من يتنازل عن ٧٨٪ من فلسطين يجب إقصاؤه، من يرتبط بعلاقات مع العدوّ يجب إقصاؤه، من يحترف فلسفة اعتذارية عن نضالات شعبنا ويحقّرها يجب إقصاؤه، وهل يستقيم الوضع من دون إقصاء هذه الفئة المارقة؟"، وحتّى العقل الذي يستجدي حلولًا فردية تبعده عن المواجهة: "الخلاص الفردي مسكن فقط لا غير. سرعان ما ستكتشف زيف هذا الخلاص".
في كلّ أجوبته، تلك التي دوّنها أو قالها في لقاء مصوّر أو في جلسة مع الرفاق، أو هتف بها متحديًا الاحتلال وأدواته، اختصر باسل حكاية المثقف المشتبك كلّها، بكلمات كالرصاص، ثمّ مضى مشتبكًا وارتقى بواحدة وعشرين رصاصة "كلهم بوجهه.. ولا رصاصة بظهره!". تلقّى الرصاصات تلك مشتبكًا، كما عاش تمامًا: يواجه عدوّه، يطارده، يفضح خزي أدواته، يشتبك معه، ويجد أجوبته وينتصر..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
02/12/2024
كيف حقّقت المقاومة نصرها العسكري والسياسي؟
30/11/2024
قراءة في خطاب النصر!
28/11/2024
شواهد من يوم النصر الأعظم
28/11/2024
نصرك هز الدنيا.. ولو بغيابك يا نصر الله
28/11/2024