نقاط على الحروف
"فدائية الإمام"..حكاية نساء إيران
علي عوباني
في مثل هذه الأيام من شباط، من العام 1979؛ هلّت بركات انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قده)، فاتحةً معها عصرًا جديدًا هدم أركان النظام البائد، وحطّم أصنامه "الشاهنشاهية"، معتقًا الإيرانيين من براثن الديكتاتورية إلى رحاب الحرية، ومحررًا إياهم من التبعية للغرب إلى فضاء الاستقلالية، ليقيم الإمام على أنقاض هذا النظام نظام حكم جديدًا قوامه الإسلام المحمدّي الأصيل، وذلك عقب استفتاء شعبي عارم أيده 98.2 % من الإيرانيين، محققًا بذلك شعارات الثورة "لا شرقية، لا غربية، جمهورية إسلامية.، و"استقلال، حرية، جمهورية إسلامية"، ومستلهمًا إياها لصياغة دستور حديث للجمهورية الناشئة، هدفه بناء مجتمع إسلامي عصري متكامل، عماده المرأة والرجل، فهما من صنعا الثورة وهما الجديران بصناعة الأجيال التي ستحفظها.
من يقلّب صفحات الثورة أول ما يقع نظره على اسم امرأة، هي السيدة مرضيّة حداد دبّاغ، والتي نعاها الإمام السيد علي الخامنئي بعد وفاتها، في 17 تشرين الثاني 2016، واصفًا إياها بـ"المرأة المجاهدة والثورية" و"المرأة الشجاعة والفدائية". عبارتان تختصران الدور الكبير للمرأة في انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وتلخّصان سيرة "فدائية الإمام"، المشهورة بأنها أول امرأة مثلت بلادها خارجيًا، يوم حملت رسالة الإمام (قده) إلى رئيس الاتحاد السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف، في العام 1988، حين دعاه الإمام فيها لاعتناق الإسلام، لتبرز لاحقًا السيدة مرضية دبّاغ بتسلّمها مسؤوليات عدة من ترؤس الحرس في منطقة همدان وتولي مسؤولية التعبئة النسائية في إيران وانتخابها نائبًا في البرلمان، وكذلك تولّيها جمعية "نساء إيران". وبقيت "المرأة الحديدية" تناضل حتّى وفاتها، وتبكي كلما ذُكر الإمام الخميني (قده) وتردّد أنّ الأمانة ثقيلة جدًا.
من يتصفح أوراق الدستور الإيراني متمعنًا في نصوصه يستشفّ، من دون شك، أنها ترسّخ رؤية الإمام الخميني (قده) لدور المرأة روحًا ونصًّا، بدءًا من مقدمة الدستور، هذه الرؤية التي تُرجمت في فقرة كاملة في الدستور، وأتى فيها وصف الإمام للمرأة بــ"شريكة القرآن في صنع الرجال"، مرورًا بالرهان على دورها الرائد في بناء الأسرة والمجتمع، وإتاحة مشاركتها في شتّى مجالات الحياة النشطة السياسية والاجتماعية والثقافية. وبذلك يكون نظام الثورة الإسلامية أعلى من شأن المرأة الإيرانية، مانحًا إياها مسؤولية راقية وكرامة خاصة، وفقًا للمنظور الإسلامي، وبعيدًا عن النظرة الغربية ذات النزعة الاستهلاكية.
تكريس حقوق المرأة ومكانتها، على مختلف الصعد، هو أحد أبرز إنجازات الثورة الإسلامية الإيرانية، وتجلّى بعدم حصر مسؤولياتها ودورها في تكوين الأسرة في داخل المنزل؛ بل حثّها على الإسهام الفعّال في بناء الدولة وإدارة البلاد. وتكريسًا لهذا الدور، حضّ الدستور الإيراني المرأة أيضًا على المشاركة الفعّالة في القضايا السياسية، فمنحها حق الانتخاب والترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وتبوّؤ المناصب الحكومية الرفيعة.
اليوم؛ وعلى مدى خمسة وأربعين عامًا على انتصار الثورة الإسلامية، برز دور المرأة السياسي من خلال تصدّر وجوه نسائية عديدة للحكومات والبرلمانات الإيرانية المتعاقبة، وصولًا إلى حدّ ترشّح عضو البرلمان السابقة "رأفت بيات"، أول امرأة، لمنصب الرئاسة الإيرانية، في العام 2009، وكذلك تبوّؤ نساء عديدات لمراتب عليا، منهنّ السيدة أنسية خزعلي التي تتولى حاليًّا منصب مساعدة الرئيس لشؤون المرأة والأسرة، والذي لطالما تناوب عليه عدد من السيدات، ومنهنّ شهيندخت مولاوردي في الولاية الرئاسية السابقة.
كما تولت المرأة، في إيران أيضًا، منصب مساعدة الرئيس لشؤون البيئة في أربع دورات رئاسية متتالية (الدكتورة معصومة ابتكار..)، فيما عُيّنت عضو البرلمان السيدة إلهام أمين زادة نائبة للرئيس الشيخ حسن روحاني للشؤون القانونية والعلاقات مع مجلس الشورى. وتبوأت الدكتورة مرضية وحيد دستجردي للمرة الأولى في العام 2009 منصب وزير الصحة، كما تولت المرأة الإيرانية مواقع المعاونية في عدد كبير من الوزارات، وحجزت 30 بالمئة من مواقع المديرين في المديريات العليا والوسطى في المؤسسات الإيرانية.
ولم يقتصر طموح المرأة الإيرانية على السياسة؛ فدخلت السلك الدبلوماسي لتمثل بلادها في مختلف دول العالم مع سبع سفيرات، وكثيرون لا ينسون السيدة مرضية أفخم، أول امرأة إيرانية شغلت منصبًا رفيعًا بصفة المتحدث باسم الخارجية في الجمهورية الإسلامية بعد الثورة، في العام 2015، وحتّى عندما رُشّحت لاحقًا لتكون أول سفيرة لبلادها في الخارج.
بالإضافة إلى الإدارة والسياسة، حضرت المرأة الإيرانية بعد الثورة في القطاعات العملية والمهنية كافة، وشتى الميادين الاجتماعية والصحية، لا سيما في ممارسة مهنة الطب والصيدلة، وحصلت في مجال الطبابة على مكانة قوية لتبلغ نسبة النساء من الأطباء في الاختصاص النسائي 99% و70% في اختصاص الأطفال.
وفي الساحة التربوية؛ تصدّت المرأة الإيرانية بعد الثورة لتعليم الأجيال وصناعة الرجال، فبرزت معلمةً ومتعلّمةً، وتفوّق حضورها في الجامعات، حيث تراوحت نسبة الناجحين من الإناث بين 65 % و70 % في أحد الأعوام، وهو ما يعكس مدى ارتفاع نسبة المثقفات الأكاديميات ومعلّمات المدارس في إيران. ولم تترك المرأة مجالًا حكرًا على الرجل إلا وخاضت فيه، وحتّى مجالات الإعلام والموسيقى والفن، ليست محرّمة عليها فهي تشارك فيها بفعالية وتؤدي دورًا أساسيًا في الإعلام وصناعة الرأي العام. وكذلك؛ هي تمارس في مجال الرياضة دورها في الرياضات المتنوعة، والتي أثبتت فيها جدارتها ما مكّنها من الحصول على عشرات الميداليات خلال المنافسات والمباريات العالمية.
كل هذه الأدوار والإنجازات والمكانة التي اكتسبتها المرأة الإيرانية؛ لم يقف الحجاب حائلًا دون تحقيقها، ولا كان مقيدًا لها ولا لحريتها وحقوقها كما يروّج الغرب دومًا، فعلى مرّ التاريخ ومسار تطوّر الثورة التي فجرها الإمام الخميني (قده)، جاهدت المرأة - ولا تزال - وأجهضت مع أبناء شعبها كلّ المؤامرات وآخرها الحرب التركيبية في العام 2022، والتي حاول من خلالها الغرب التسلل إلى الداخل الإيراني عبر يافطة الحرية والحجاب، فكانت المرأة مجددًا له بالمرصاد حاملة الصفة الأبرز: "فدائية الإمام".
ذكرى انتصار الثورة الاسلامية في ايرانالمرأة
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024