معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

"إسرائيل" على منصّة عدالة منقوصة
29/01/2024

"إسرائيل" على منصّة عدالة منقوصة

يونس عودة

لم يكن الرهان جازمًا بأن تصدر محكمة العدل الدولية في لاهاي أي قرار أو توصية أكثر حزمًا من تلك التي صدرت، أو تصدر قرارًا واضحًا بمفاعيل جدية في معاقبة "إسرائيل" لارتكابها إبادة جماعية موصوفة ضد الفلسطينيين بالرغم من القرائن المتوافرة كلها.

ممّا لا شك فيه أنّ الأدلة التي قدمتها دولة جنوب أفريقيا غير قابلة للشك أو الدحض؛ سيما أنها تستند في ارتكاب الجرائم إلى تصريحات قادة الاحتلال بالقتل والتفاخر بالقتل، وعلى رأس هؤلاء المتبجحين رئيس وزارء العدو بنيامين نتنياهو وأعضاء في حكومته.

لقد تخوّفت "إسرائيل" فعلًا وللمرة الأولى منذ اغتصابها لأرض فلسطين من أن تصدر محكمة العدل الدولية قرارًا يؤكد أنها ترتكب إبادة جماعية، ويلزمها بوقف الحرب على غزة. وبعد صدور قرار المحكمة الذي يفتح الطريق الى محاكمات جدية، لم يكن مفاجئًا الهجوم الإسرائيلي عليها وعن ما صدر عنها، وصولًا إلى تكرار المعزوفة المشروخة التي تلطت خلفها الآلة السياسية والعسكرية والأمنية الإعلامية للكيان، أي "معاداة السامية". إلا أن الهجوم صاحبته حملة أكاذيب لم تنطلِ في الأصل على المحكمة.

نتنياهو زعم: "الادعاء بأنّ إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين ليس كاذبا فحسب، بل إنه أمر شائن، واستعداد المحكمة لمناقشته وصمة عار لن تُمحى على مرّ الأجيال". وأضاف: "سنواصل الحرب حتى نهزم حماس ونعيد جميع المختطفين، ونضمن أن غزة لم تعد تشكّل تهديدًا لإسرائيل"؛ بحسب تعبيره. وادعى وزير حربه يوآف غالانت، في بيان، أن: "إسرائيل ليست بحاجة إلى وعظ أخلاقي كي تفرق بين الإرهاب والسكان المدنيين في غزة. والمحكمة الدولية في لاهاي خانت وظيفتها عندما استجابت للطلب المعادي للسامية الذي قدمته جنوب أفريقيا بالنظر في ادعاء إبادة جماعية في غزة، وزادت الطين بلة عندما لم ترفض الدعوى"؛ بحسب قوله.

هذا الكلام الإسرائيلي الممجوج لم يعد مؤثرًا في غالبية العالم الذي استيقظ نسبيًا أمام الحقائق والوقائع التي بادرت إلى حملها دولة جنوب أفريقيا، وتمكّنت من جلب الكيان القاتل إلى منصة عدالة، ولو أنها عدالة منقوصة لا تكتمل أركانها، وهو أمر مفهوم لأنّ المحكمة أصلًا من نتاج الغرب الذي طالما عمل على استخدامها لمحاكمة من يراه معاديًا لمصالحه. لكن بفضل بعض الاستفاقة العالمية، بات متاحًا بقدر ما استخدام الهيئات التي أنشأها الغرب في سياقها العدلي الصحيح سيما أن الغرب الذي ما يزال يرفض وقف إطلاق النار، لم يعد قادرًا على التواطؤ أو دحض حقيقة الإبادة الجماعية.

لقد أشار الكاتب الإسرائيلي بي مايكل إلى المستوى الهائل لكذب فريق "الدفاع الإسرائيلي" أمام محكمة العدل الدولية، اذ قال في صحيفة "هآرتس" إنه: "لو أُوصل جهاز كشف الكذب بأحد المحامين الإسرائيليين في أثناء خطاباته (أمام المحكمة) لانهارت شبكة الكهرباء في لاهاي، ولبقيت المدينة في الظلام حتى يومنا هذا". ورأى أنه: "من دلائل الخبث والشر، أن إسرائيل أنكرت لسنوات وجود الشعب الفلسطيني، وبذلت جهودًا حثيثة لإنكار وجوده في الوعي العام والخطاب، وأصدرت قوانين لتشريع سرقة جميع ممتلكاته، حتى جعلت سرقة أراضيه عملًا مقدسًا، بل إن حياته صارت لعبة عادلة، لدرجة أنه أصبح بإمكان أي طفل يحمل مسدسًا أن يطلق النار على الفلسطيني متى ما شاء، ويكفي أن يقول "شعرت بالتهديد" ليتمتع بالحصانة".

إن أهم ما أسقطته محكمة العدل الدولية من خارج ما اتخذته من مقررات يتمثل في إسقاط أهم أركان الدعاية الصهيونية - الأميركية القائمة على مقولة "معاداة السامية" من جهة، وأن النظام الصهيوني يقوم في أصله على المجازر وتغطية الجرائم بالسطوة الغربية التي تقودها أميركا على العالم، كما أن الساعين إلى الحرية والاستقلال مهما كان الثمن باهظًا، هم أخلاقيون وانسانيون خلال المواجهة وأن الكراهية ليست لليهود وإنما للجرائم والمجرمين.

لقد رأى مسؤولون إسرائيليون أن قرار محكمة العدل الدولية "ألحق ضررًا كبيرًا بصورة إسرائيل"، وهي الصورة القائمة على الأضاليل. في المقابل؛ فإنّ سياسة الهروب إلى الأمام مع التمادي في الجرائم بقيت هي الناظمة للعقل الأميركي - الإسرائيلي. وقد أقدمت قوات الاحتلال على ارتكاب مجازر جديدة ضد المدنيين الفلسطينيين بالتوازي مع قرارات المحكمة الدولية الداعية إلى وقف القتل، حيث ذهب عشرات الشهداء بقصف جوي واضح المعالم والقرار، وبالتوازي أيضًا مع صفقة سلاح أميركية جديدة للكيان تشمل عددًا كبيرًا من الطائرات، وسربًا من الطائرات المقاتلة الحديثة.

ليس لكل ذلك سوى سبب واحد ألا وهو ضياع كل أمل أميركي في وقف الهزيمة الإسرائيلية في الميدان، جراء الدقة المحترفة والحكمة الاستثنائية الواسعة لمحور المقاومة الذي أخذ على عاتقه مواجهة الشر أينما كان بأخلاق وصدق وإخلاص. وأعدّ ما استطاع من قوة. ولولا هذه الشمائل لما كانت الروافع التي ركنت إليها محكمة العدل الدولية في قبول دعوى جنوب أفريقيا ووضع "إسرائيل" على القوس العدالة.

لاهايالعدل

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل