معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

اليمنيون يقهرون الشيطان الأميركي: فَضحُ الوهم
13/01/2024

اليمنيون يقهرون الشيطان الأميركي: فَضحُ الوهم

أحمد فؤاد

ردود فعل أقرب إلى "الساخرة" هي العنوان الرئيس لليمن، بعيد العدوان الأميركي عليه ليلة الجمعة الفائتة. لا شيء يلخص بأس الموقف اليمني وتفرده، والوهج الذي خلقه اليمن لنفسه وللمنطقة والعالم، بأن الهيمنة الأميركية على المصائر ليست قدرًا نهائيًا، بل هي مرحلة قاربت النهاية والانحدار والسقوط، وأن القوة الأميركية التي كانت مفرطة أصبحت بائسة ومترددة، تضغط على الزناد بأصابع مهتزة وأعصاب مرتعشة، ويسيطر الخوف على أطرافها، وقد أضنتها قلة خياراتها الفعلية أمام عنفوان الإيمان اليمني ومساحات قدرته المؤكدة.

الولايات المتحدة، التي يتعامل معها البعض في العالم العربي وكأنها وثن جديد بالضبط، وبعد استصدار "رخصة" من مجلس الأمن الدولي، في غياب تام لأي معارضة، جل ما استطاعت أن تفعله مع اليمن هو "رسالة مغلفة بالبارود" لا أكثر ولا أقل، ربما هي ضربة الخائف الذي يضرب في الهواء ولا يريد من خصمه أن يحرجه بالالتفات إليه، طبقًا للقيادة الجوية الأمريكية في الشرق الأوسط إنها استهدفت بـ100 صاروخ 60 هدفاً في 16 موقعاً لـ "أنصار الله" في اليمن، هذه الغارات كلها خلفت 6 شهداء و5 جرحى، وحصيلتها الأولية تلك هي خير شاهد على العقلية الجبانة التي حاولت ترتيب ضربة تخدش الجلد، متعمدة ألا تدمي فتدفع إلى رد كبير، يطول الرقاب.

الرد الأهم على الضربة الأميركية لليمن، جاء من السعودية التي خرج متحدث رسمي لجيشها ببيان، حاول بكل الطرق أن يقول "لا شأن لنا بما فعلوه" استكمالًا لتصريحات خارجيتها التي تشدد على "ضبط النفس وعدم توسيع الصراع"!، تهربًا من دفع ثمن المشاركة هذه المرة، هذا الفعل اليمني الجبار الذي حوّل الطرف الذي بادر إلى تصدر مشهد إعلان الحرب الأميركية عليه في 2015، إلى أكثر الأطراف قلقًا من رد ساحق قادم على العدوان، آل سعود بكل ميراثهم الدموي الثقيل والمرير مع اليمن يعرفون اليوم –أكثر من أي قوة أخرى- بكل صدق التجربة أن اليمن في فعل انتقامها التاريخي لا تعرف حدودًا ولن تراعي أحدًا ممن شارك العدوان، وأنها سترد الضربة بأضعافها وفوائدها المركبة إلى الأميركي وأتباعه، بفضل وكرم دونه النجوم.

الدروس التي يقدمها لنا الأميركي المهتز اليوم في اليمن أكثر من أن تحصى، ومنها فقط أن الصراع العربي الصهيوني هو صراع مباشر مع الشيطان الأميركي، وأن الدول التي حاولت الوقوف على الحياد بين قضية الأمة المركزية –فلسطين- وبين واشنطن كانت ساقطة في المنطق، قبل أن تبدد بنفسها فرصنا وأرصدتنا في الهواء، وأن الدخول اليمني المباشر حول كلمة "طوفان الأقصى" من كلمة إلى فعل له مدلول ديني ولغوي وإنساني بالغ الشدة والعمق، إن اليمن حين قرر الدخول إلى الصراع فتح جبهة تمتد من الهند شرقًا إلى أم الرشراش وفلسطين المحتلة شمالًا، ومن البحر الأحمر إلى البحر العربي والمحيط الهندي، وهو تمكن من إيذاء العدو وفضح الولايات المتحدة بأكثر مما تتحمل أعصابهما العارية، وثبت بالدليل القاطع تأثير الإيمانية والتربية الجهادية على النفس البشرية، وما تستثيره في الفرد والأمة المؤمنة من قدرات خلاقة كامنة، وتأثير هذه "الروحية التي تقاتل" على مسار أي فعل مقاوم وأفقه ومآله في النهاية، ترافقًا مع الفرز والغربلة الضرورية بالغة القسوة في خضم تصاعد الأحداث وتجذير مفهوم الحرب الشاملة في وجدان الأمة الجمعي وعقلها وضميرها، وأيضًا خطواتها.

المتحدث العسكري اليمني العميد يحيى سريع، خرج ببيان مقتضب وحاد كالمعتاد، توعد فيه برد يشف صدور قوم مؤمنين، وقال إن "العدوان الأميركي البريطاني لن يمرّ دون ردّ أو عقاب"، مؤكدًا "استمرار منعِ السُّفُنِ الإسرائيليةِ أوِ المتجهةِ إلى موانئِ فلسطينَ المحتلةِ من المِلاحةِ في البحرينِ العربيِّ والأحمر".

هذا الرد اليمني الرسمي، المعزز بالتفويض الشعبي الكاسح في يوم الجمعة بالمظاهرات المليونية التي خرجت في المدن تحت شعار "الفتح الموعود والجهاد المقدس"، نصـرة للشعب الفلسطيني ورفضًا للعدوان على اليمن، يمنحان الخيال فرصة معانقة بنك الأهداف اليمني الواسع في المنطقة، ويلهمان البصر نورًا إضافيًا صافيًا لرؤية الوجود الأميركي في المنطقة من باب الغنيمة الشهية لا كصورة الهيمنة الساحقة التي تدعيها ويدعيها معها زورًا إعلامنا عبري القلب. القواعد الأميركية في الخليج مثلًا هي ليست عبئًا ثقيلًا على المسيرات والصواريخ الباليستية اليمنية، بل هي فرصة للخلاص والانتقام وتحقيق الغاية الكبرى "الثأر" لكل شعب ذاق ويلات هذه القواعد، من مقر قيادة الأسطول الخامس في البحرين، ومركز عمليات القيادة في قطر، وقواعد الطيران في الإمارات والسعودية، كلها اليوم تتحول إلى صورة قريبة لقواعد الاحتلال الأميركي في العراق وسورية، والتي دهستها المقاومة العراقية الباسلة، وحولتها من مقار رعب وعنوان سيطرة ونفوذ، إلى سجون لجنودها ومقابرهم الفاخرة.

كل هذا الفعل اليمني لم يحدث تزامنًا مع طوفان الأقصى، لكنه الثمرة العزيزة للحرب العدوانية الأميركية عليها منذ 2015، في سنوات الصبر السوداء مر اليمن بعملية إعادة اكتشاف وبناء مذهلة، وبواسطة مئات الآلاف من القنابل والصواريخ والغارات الأميركية، كانت "أنصار الله" تهيئ الأرض الخصبة لعملية مستقلة وعميقة للنمو الإيجابي الذاتي، عبر بناء قدرات وإمكانات مادية لقهر هذا الظلم ورده وردعه، ليس فقط تأسيسًا لكراهية الأعداء، ولكن للفهم النقدي لهذا العالم المتوحش حولهم، ولمراكمة الخبرات والوعي الذي تكامل مع صمودهم الأسطوري، وجعل الظرف مواتيًا لانتصارهم، بل وحوّلهم اليوم إلى القوة الإقليمية التي يخشاها محور الشيطان وأتباعه، ويحسبون لردها ألف حساب، وهي في الوقت ذاته منارة حق لكل من كانت بوصلتهم سليمة، وقضيتهم واضحة ساطعة في قلوبهم وأرواحهم.

..
الحقيقة التاريخية الوحيدة وشبه الثابتة، في العالم العربي هي أن اليمن لا يُهزم، منذ دخول هذا الشعب الأبي في دين الله أفواجًا بالقرن السابع الميلادي، وفي مثل هذه الأيام من شهر رجب الأصب على يد أمير المؤمنين(ع)، فإنه تحول إلى مارد لا يحتويه قمقم، وهم للدين الدرع والرمح، واستعصت جبالها الشامخة على كل الغزاة بعد هذا الفتح المبين، فلم يخضعوا لبنادق العثمانيين الذين سادوا الشرق، ولم تجرؤ الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس على التطلع إليهم، ولا تجرعوا في عز زمن الضعف والهوان العربي ذل التطبيع والاستسلام، كما سقط غيرهم تطوعًا وبدون ثمن حتى.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف