نقاط على الحروف
عن صبحِ يوم من أيام الله ..
ليلى عماشا
تحملنا فلسطين إلى أعلى الفرح، إلى الساحة الأسمى والأنبل، تغسلنا من غبار أزقة الأحداث الجانبية وتضعنا مباشرة في عين القضية. يا الله، غفونا على قهرٍ ذبّاح قصم قلوبنا في سوريا، لتوقظنا غزّة بصوتٍ يصدح من مآذن المقاومة: حيّ على التحرير.. حيّ على القتال… حيّ على النصر.
مشاهد التحرير الآتية على صهوة الصبح العظيم تجاوزت كلّ ما يمكن أن يتصوّره القلب من مشهديّات سقوط "إسرائيل" وزوالها من الوجود.
قبل أيام قليلة، قال السيّد القائد الوليّ علي الخامنئي إن الكيان الصهيوني يُحتضر، والسيد لا يحدّث بما لم يره. وقلوبنا، مهما بلغت من اليقين بما يقول، أذهلها مشهد الاحتضار السريع الذي بثّته وتبثّه منذ ساعات الصباح كلّ المنصّات الافتراضية والاعلامية حول العالم. للوهلة الأولى، شاء كلّ مُشاهد أن يقرص نفسه.. تساءل كلّ محبّ إن كان المشهد حلمًا تسلّل من يقين القلوب بقرب زوال "إسرائيل"، أم أنّه حقيقة تسطّرها المقاومة في غزّة وتكتبها تاريخًا يخبر ألف جيل بعدنا أن في صباح السابع من تشرين الأول/أوكتوبر، بدأ طوفان الأقصى، وشهِد العالم أولى دقائق تحرير فلسطين.
وبعد، فعلتها غزّة.. ولسان حال الصهاينة الذين تفنّنوا بحصارها وتحويلها إلى أكبر سجن في العالم، كما لسان حال عربان التسويات وغربان "السلام" المزعوم، إن كانت غزّة قادرة على اجتياح المستوطنات بطوفان بهذا الشكل، فماذا عن الطوفان الذي من جهة الجليل؟! ربّما في قرارة هزيمتهم يعلمون أنّه طوفان واحد، ومن حيث جاء سينتصر، وهذا ما يزيد من رعبهم، ومن رعب من قضوا أعمارهم يراهنون عليهم، فكانوا معهم اليوم أذلّاء خاسرين.
نعود إلى تفاصيل المشاهد. تذوب قلوبنا في كل مقطع صُوّر، وفي كل الذي خفي عن العيون وأمعن في تدوين الصفعات المباغتة والمتتالية على وجه الصهيوني، كلّ صهيوني في العالم، سواء ذلك الذي أصبح اليوم أسيرًا في غزّة، أو غيره ممّن لم يُؤسر ولكن رأى من أُسر.. وسواء ذلك الذي حمله أهله قتيلًا أو جريحًا، أو الذي رأى ذاك وانهار رعبًا، وسواء ذلك الذي أجاد قراءة المرحلة وتهيّأ لزوال كيانه الارهابي، أو الذي ما زال مسكونًا بحلم البقاء على أرضنا.. جميعهم، من دون استثناء، من كل الجنسيات والمشارب والأهواء، يقفون اليوم والذهول قاتلهم.. وهذا ما يجعل اليوم يومًا من أيام الله. بكلّ المقاييس والاعتبارات، اليوم هو فاتحة عهد آخر، كنا نراه بعين التحليل والمنطق واليقين والآمال، واليوم نحياه، نلمس تفاصيله بأعيننا، نشارك فيه بقلوب تحصي عدد قتلى وجرحى وأسرى الصهاينة بفرح يتجاوز كلّ أحلامنا وأجملها، ويعيدنا بثانية إلى الساعات الأولى لتحرير الجنوب في أيار ٢٠٠٠، يحملنا ويضعنا عند بوابة التحرير في القنطرة ويمضي بنا إلى القرى المحتلة وهي تتحرّر لحظة بلحظة.. يضعنا عند صوت الزغاريد التي حفظناها بلهجة عاملية وسمعناها اليوم بلهجة أهل غزّة، واللهجتان تتكاملان في صياغة لغة المقاومة بأصوات القلوب.
يوم من أيام الله، نعيش الآن ساعاته، بل لحظاته.. ننظر إلى تفاصيل أحداثه ونحن بداخلها، نرى أكثر ممّا يرى أي مشاهد عابر: نرى الحاج عماد وهو يشير ناحية فلسطين ويكتب أن الهدف واضح ومحدّد ودقيق: زوال إسرائيل من الوجود.. نرى الحاج قاسم وهو يجول بعينيه المقاتلتين على الخارطة ونلمح فيهما انعكاسات المشاهد التي أمكننا اليوم أن نراها حقيقة.. نرى الشهداء قمرًا قمرًا وهم يهنئون في السماء أقمار فلسطين وكلّ شهدائها منذ أول هجوم للعصابات الصهيونية على أرضنا.. نرى كلّ الذين نحبّهم وهم يندفعون فرحًا ويردّدون: هو يوم من أيام الله..
إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف
20/11/2024
ما بين عامَي 1948 و2024 ما الذي تغيّر؟
20/11/2024
أن تصبح سردية العدو شغل LBCI الشاغل!
18/11/2024
عن قائد كتيبة الإعلام المحارب..
16/11/2024
ضاحية السيد: مدينة تسكننا!
16/11/2024
الانهزاميون ينتشون بفائض الحرب والتدمير
15/11/2024