معركة أولي البأس

نقاط على الحروف

السمات الثقافية في مناورة حزب الله
25/05/2023

السمات الثقافية في مناورة حزب الله

حسن نعيم

بعد فترة الحرب الصامتة بين حزب الله والكيان الإسرائيلي والهدوء الذي ساد الجبهة الشمالية لفترة مديدة من الزمن، تأتي مناورة حزب الله في الجنوب اللبناني وقريبا من الحدود اللبنانية الفلسطينية لتثير عاصفة من التعليقات داخل الكيان الغاصب وخارجه، غير أن قليلا من المقالات والدراسات ما توقف على الابعاد والسمات الثقافية التي حملتها هذه المناورة في رسم البنى العميقة التي تقوم على هذا الصراع الوجودي بين الكيان الصهيوني كمحتل يمارس احتلالا كولونياليا بالمعنى الحديث وحزب الله كمقاومة شعبية بمنطق الحداثة عينه.

في الجهة اللبنانية ركزت وجهات النظر المعارضة للمناورة على فكرة الدولة وحصرية استعمال السلاح في يد جيشها.

وفي الداخل الإسرائيلي ذهب مركز أبحاث الأمن القومي، إلى أن الأحداث الأخيرة تشير إلى تآكل الردع الإسرائيلي ضد حزب الله وشركائه من الفصائل المقاومة بالإقليم، وسط دعوات إلى الدخول في نقاش عميق وشامل للأجهزة الأمنية والعسكرية من أجل صياغة إستراتيجية لتقوية الردع ضد حزب الله الذي يعتبر التهديد الأساس للكيان المؤقت دون أن يؤدي ذلك إلى التصعيد والانزلاق إلى حرب شاملة.

بعيدا عن صيحات المعارضة للمناورة وتداعياتها في الضفتين اللبنانية والاسرائيلية، فإنه لا يمكن التغافل عن بعض السمات الثقافية التي حملتها هذه المناورة:

اولا: أن هذه المناورة هي الأولى من نوعها في المنطقة وربما في العالم التي تنظمها مقاومة طبيعتها التخفي والاستتار ضد دولة محتلة ظاهرة بكل إمكانياتها اللوجيستية.

ثانيا: في التوقيت تأتي هذه المناورة في ظل الأزمات الداخلية التي تعصف بالكيان الصهيوني والاحتجاجات المتواصلة ضد خطة حكومة بنيامين نتنياهو لتعمق الشرخ في المجتمع الإسرائيلي.

ثالثاً: تحمل المناورة في طياتها رسائل مبطنة للحكومة الاسرائيلية تحذيرات بشأن المعادلات التي أرساها حزب الله بقوته ودماء شهدائه وهو لن يسمح بتغييره مهما كانت التكاليف المترتبة على ذلك وهذا ما صرح رئيس به رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين.

رابعاً: على الرغم من ان المناورة قد تحدث تغييرا في سياسة الهدوء على الحدود اللبنانية فإن من دفع كلفة احتلال الجنوب لعشرات السنين لن يخيفه تهويل العدو بحرب وأن طالت فإنها لن تزيد عن أيام.

خامساً: تكاثف الإشارات السيكولوجية المنبثقة من هذه المناورة للنظر الى المقاومة كمشترك بين اللبنانيين يمكن أن يوجد مساحة مشتركة خارج الاصطفافات السياسية الحاصلة وبعيدا عن التركيز على التناقضات، وهوية جامعة تحت ظلال مقاومة وطنية عابرة للطوائف في مواجهة تهديد الاستكبار الإسرائيلي العابر للضعف والضعفاء.

تستدعي المناورة في خطابها المباشر ذاكرة قريبة ما زالت ندية طرية في وعي الصهاينة بكل بطولاتها وملاحمها التي حصلت على أرض الجنوب والبقاع الغربي. وتبين المناورة بأن خطاب المقاومة لا يستعير قولا خارجا عن قدرتها وهذا ما بدا واضحاً من خلال توسيع أدواتها ومعطياتها التقنية.

تفتح مناورة حزب الله الأخيرة المجال واسعاً لسرديات تستوعب في مساراتها الفعل وردة الفعل، وكذلك تحيل المحللين إلى المعنى والقيم التي نبتت عليها المقاومة ومرجعياتها الفكرية، ولا تقتصر على مجرد تسجيل الأحداث، فالدارس لهذه المناورة في أبعادها الثقافية يستشف أغوارا متعددة من خلال الشكل الذي اتخذته، وكذلك في الزمان والمكان التي جرت فيهما ستتمظهرا حتماً في الأيام القادمة قيما أخلاقية وجمالية تفسح لنا مكاناً بين الأمم وتوقيعا مشرفا على دفاتر الزمن.

 

إقرأ المزيد في: نقاط على الحروف

خبر عاجل